لم نرد في موقعنا "زوايا ميديا" أن يمر يوم الأرض دون أن نساهم بأمر قد يشجعنا للعودة إلى أمنا الأرض، وهناك العديد، قد يبادر البعض إلى الزراعة، وتنظيف أياديهم بالعمل في التراب ليتمكنوا ليس من التخلص من المشاعر السلبية فحسب، بل أن يكتسبوا طاقة إيجابية تتمثل بما يمكن أن ترده لهم أمنا الأرض من نباتات سواء تؤكل أو زينة، تبعث في أنفسهم الحبور والفرح، ولكن هناك طرق أخرى، منها ما يعرف بـ "عناق الأشجار".
يعود تقليد عناق الأشجار إلى كانون الأول/ديسمبر من سنة 1730، وبالتحديد إلى إحدى أولى شهيدات البيئة في الهند والعالم، ولأول وأكبر حركة لحماية البيئة في التاريخ وتتصدرها نساء، حيث شهدت قرية "خجرلي" Khejarli في الهند اعتصاما كبيرا، قدمت فيه إمرأة تدعى "أمريتا ديفي" Amrita Devi وبناتها الثلاث الصغيرات "أسو" "راتني" و"بهجو"، أرواحهن، وكذلك 363 من مجموعة البينشواي بهدف حماية أشجار "الغاف" التي يقدسها هذا المجتمع، بعد قرار المهراجا "أبهاي سينج" الذي أمر بقطع تلك الأشجار لاستعمال حطبها في حرق الجير الذي كان سيخصص لبناء قصره الجديد في القرية، ووقفوا بوجهه وبوجه حطابيه ومناشيرهم التي اجتزت أعناقهم بعد عناقهم لأشجار الغاف في مجزرة جماعية، ما أدى إلى عودته وحطابيه خائبين!
وقد واجهت ديفي الحطابين بقولها أنها تفضل ازهاق روحها على قطع هذه الاشجار، ثم رفعت صوتها في وجه حطابي الملك قائلة: "أن أحافظ على هذه الأشجار مقابل رأسي، فالأمر يستحق" ثم اندفعت لتعانق الشجرة التي وصل اليها منشار الحطابين، فتم حصد رأسها وفصله عن جسدها، وتبعتها بعد ذلك بناتها الثلاث اللواتي لقيت نفس المصير، وكذلك 363 من أفراد قبيلة البينشواي في سبيل الدفاع عن هذه الثروة البيئية والتراثية، لتتحول كلمات امريتا في بعد الى أغنية، وصارت ايضا شعارا وملهمة لحركة "عناق الاشجار" Chipko Andolan التي تشكلت في الهند في سبعينيات القرن الماضي، أي بعد قرنين و43 سنة ، فضلا عن تأسيس جائزة باسمها لحماية الطبيعة.
وقد ألهم موقف ماريتا وبناتها وتضحياتهن في العام 1973 امرأة قروية اسمها "غورا ديفي" بإعادة إحياء هذا التقليد النسوي لحماية الاشجار في قرية ماندال الهندية، ولجأت هي ومجموعة من النساء المحليات بالفعل إلى معانقة الأشجار وتشكيل حزام من اجسادهن لمنع قطعها، ونجحن فعلا في إرغام الحكومة على التراجع عن قرار اجتثاث الاشجار، وهو النجاح الذي اضحى ملهما للكثير من المبادرات النضالية دفاعا عن البيئة، لتتشكل على إثرها حركة Chipko Andolan الهندية، وفي عام 1974، تجمع آلاف الأشخاص من هذه الحركة في "شامولي أوتاراخاند" بالهند تحت سفوح جبال الهمالايا للمشاركة في مظاهرة كبيرة ضد سياسات الحكومة في قطع 2500 شجرة وإزالة الغابات، كان التجمع عنوانا للوحدة والتضامن بين المجتمعات المحلية ومنحها صيتا عالميا، وتشكلت الحركة من اساتذة وعلماء اجتماع كبار وناشطات نسويات، نال عديد منهم جوائز دولية، وصار للحركة فروع في العديد من دول العالم.
Surviving Members of the Original Reni Squad at the Chipko 30th Anniversary, 2004
ولكن لعناق الأشجار فوائد جمة، حيث تظهر الأبحاث الفوائد الحقيقية وطويلة المدى لقضاء الوقت في الغابة وحول الأشجار، بما في ذلك تقليل التوتر وتحسين المناعة وانخفاض ضغط الدم والتعافي السريع من المرض أو الصدمات.
لكن هل معانقة الأشجار ضرورية؟ ولماذا لا يعد احتضان الشجرة أمرًا "غريبًا"؟، فعلى عكس الاعتقاد السائد سنحاول عبر هذا المقال توضيح هذه الأمور، خصوصا حين تتدفق الطاقة من خلالك عبر جميع الكائنات، كما وأن ذبذبتها تمر من خلالك، وماذا يحدث عندما تعانق شجرة ؟ وطرق للقيام بذلك، بالإضافة إلى الممارسات والموارد والأبحاث الأخرى المتعلقة بهذا الأمر. عندما تعانق شجرة فإنك تفرز هرمونًا يسمى الأوكسيتوسين oxytocin- المعروف بهرمون الحب والثقة الترابط العاطفي ومشاعر الرفاهية وكل المشاعر الدافئة والغامض، إحدى الطرق الأساسية لزيادة إنتاج الأوكسيتوسين هي من خلال اللمس.
هناك العديد من الفوائد العقلية والعاطفية المحددة لعناق الشجرة. أولاً، يساعدك على الاسترخاء، حيث تشير الدراسات إلى أنه بعد أن يعانق الناس الأشجار فإنهم يشعرون بالهدوء والاسترخاء أكثر من أولئك الذين لا يفعلون ذلك. وأفادت أن معانقة الأشجار ثبت أنها تزيد من مستويالت هذا اهرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون المسؤول عن والهدوء والثقة.
يقترح الدكتور ستون كراوشار، عالم النفس السريري المعروف باسم The Hug Doctor، أن نعانق (بعضنا البعض أو الأشجار) لمدة لا تقل عن 21 ثانية نستفيد من زيادة إفراز الأوكسيتوسين.
معانقة الأشجار تساعد في تقليل التوتر..
بالإضافة إلى مساعدتك على الشعور بمزيد من الاسترخاء، فإن احتضان شجرة يمكن أن يحسن صحتك من خلال المساعدة في تقليل التوتر، تظهر الأبحاث أن احتضان الأشجار يقلل من مستويات الكورتيزول وهو هرمون مرتبط بحالات التوتر العصبي التي يمكن قياسها في اللعاب (علامة التوتر) ويقلل من ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، يساعد معانقة الأشجار على تقليل مستويات التوتر عن طريق تقليل مستويات الكورتيزول في الجسم، وهذا يعني أن احتضان شجرة يمكن أن يقلل على المدى البعيد من فرص الإصابة بنوبة قلبية.
وقال الباحث الرئيسي الدكتور ديفيد شولي، الأستاذ المشارك في جامعة سري في إنجلترا: "تشير النتائج إلى أن التواجد في الطبيعة قد يقلل من تفاعل القلب والأوعية الدموية عن طريق خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وقد لوحظ هذا التأثير حتى بعد التحكم في التأثيرات المعروفة الأخرى على ضغط الدم مثل العمر والجنس ومؤشر كتلة الجسم (BMI) وحالة التدخين واستهلاك الكحول ومستويات ممارسة الرياضة."
يمكن أن يعزز مزاجك
الكورتيزول، الهرمون الذي يتم إطلاقه عندما نشعر بالتوتر يمكن أن يتسبب أيضًا في شعورنا بالقلق أو الغضب أو الاكتئاب، أظهر الباحثون أن معانقة شجرة يمكن أن تساعد في علاج القلق والاكتئاب أيضًا. كما أنه يساعدك على الشعور بالقرب من الطبيعة.
ولكن هل هناك فائدة صحية علمية لعناق الأشجار؟
نعم، مرة أخرى، هناك وفرة من الأدلة على أن معانقة الأشجار يمكن أن تكون مفيدة لنا:
فلحاء الشجر هو مصدر غني للتربين - التربين هو نوع محدد من المبيدات النباتية (مثل الليمونين الأحادي التربين الموجود في قشور الحمضيات) التي تنتجها الأشجار، يجذب بعض التربينات الملقحات، بينما يساعد البعض الآخر في حماية الأشجار والنباتات من الأمراض والأكل، هذه المركبات هي التي تعطي الأشجار مثل الصنوبر والتنوب والنباتات مثل الخزامى رائحتها المميزة وهي عادة المكونات الرئيسية للزيوت الأساسية، تبين أن التعرض للمبيدات النباتية والتربين يؤدي إلى: تحسين أداء الجهاز المناعي؛ يكون لها تأثير مضاد للالتهابات. تقليل التوتر والقلق. وتحسين المزاج، إن القرب من لحاء الشجرة الذي تحصل عليه عندما تعانق شجرة يعني أنك تزيد من قدرتك على استنشاق هذه الجزيئات المفيدة.
معانقة الأشجار يمكن أن تكون ممتعة
هناك عدة أسباب تجعل معانقة الأشجار أمرًا ممتعًا. أولاً، إنه مجاني. ثانياً، الأمر سهل. ثالثًا، إنها طريقة رائعة للتواصل مع الطبيعة، رابعا، إنه شيء يمكن للجميع القيام به. وخامسًا، إنها فرصة لتكوين صداقات جديدة (لقد أصبحت الآن رياضة تنافسية): إنها طريقة رائعة للتواصل مع العالم الطبيعي والعودة إلى الجذور التي يبدو أن الكثير منا نحن البشر قد نسيناها.
أما طرق العناق فعديدة ومنها:
الخد على جذع الشجرة
الطرق وضع وضغط الخد على الجذع والاقتراب بشكل حقيقي، يعد هذا جيدًا بشكل خاص للأشجار الكبيرة التي قد يكون جذعها كبيرًا جدًا بحيث لا يمكنك لف ذراعيك حولها.
عناق شجرة بالوجه
نهج أكثر قربًا وشخصيا، بالضغط على وجهك بالكامل على جذع الشجرة، قد تتمكن حتى من الشعور بالتنفس العميق.
اتكئ على الشجرة
بالنسبة للأشخاص الأكثر خجلًا بيننا، فإن مجرد الجلوس تحت شجرة مع الضغط على ظهرك بالقرب منها يمكن أن يؤدي إلى تبادل حيوي رائع.