على قمة جبل من جبال بلدة معاصر الشوف، وعلى تخوم محمية أرز الشوف، تابع المهندس الزراعي شبلي أبو عاصي حلم والده الطبيب في طب الأطفال والراحل الكبير عادل أبو عاصي، واستطاع أن يتوسع في الحلم ليشمل أحد أكثر الحيوانات مظلومية وهي الحمير عبر استحداث مزرعة الحمير الأولى من نوعها في الشوف.
فقد أثرى تخصصه في علم الحيوان الذي درسه في الجامعة الأميركية، ليس بأن تحول إلى نباتي في غذائه فحسب، بل أن يحاول تحقيق حلم والده، وهو منشأة عبارة عن مزرعة تتكامل في عناصرها بحيث تحقق الإكتفاء الذاتي، وبالفعل قام شبلي أبو عاصي بالتنفيذ ومتابعة مسار والده معتمدا على مناقشاتهما في هذا المجال، وكأن هذا الحلم مكتوب في الجينات لينتقل من جيل إلى جيل، وليضيف شبلي المزيد بما يخدم الفكرة الأصلية.
وفي هذا المجال، فلا يبالغ محبو الحيوانات عند قولهم أن لكل حيوان خلقه الله شخصية مميزة، يستطيع من خلالها أن يبتعد من المشاعر وخصوصا السلبية منها التي تحكم علاقاتنا مع بعضنا البعض كبشر، وأن يجعل الشخص يتغير ويتحول ربما من مؤذٍ وقاتل للحيوانات إلى محب لها، تلهمه وتجعله إنسانا أفضل، ولكن في حالة شبلي أبو عاصي، فقد قام باستحداث مزرعة الحمير هذه من حيوانات معنفة قام بإنقاذها من أصحابها الذين كانوا يعاملونها بقسوة، ليكتشف بعدها أن لكل من حميره الـ 14 شخصية خاصة به، محببة على طريقتها، لا بل يعبر كل منها بصوت معين، وبتصرف مختلف، ويحاول شبلي من خلالها أن يتعرف على ما يحدث معها، متأسفا على طبائع البشر القاسية، وقال، هي تشعر بنا وتحترم بعضها البعض وتتفاعل مع المعاملة الحسنة، وتتغير نحو الأفضل، فبعد أن كانت عدائية في البداية، بدأت تتغير شيئا فشيئا وتهدأ، لا بل أن تعبر عن الحنان والمحبة.
يؤكد شبلي أنه عندما بدأ بالفكرة منذ أربع سنوات، كان هدفه تحقيق الإكتفاء الذاتي المعتمد على الطبيعة، ولذا اعتمد المنهج البيئي، بأن يخفف من الإنبعاثات قدر الإمكان، فالحمير لديها معدة واحدة ولا تجتّر، وبالتالي لا تؤثر في الإنبعاثات كالحيوانات المجترة الأخرى، فضلا عن أن حليب الأتان (انثى الحمار) كميته قليلة للغاية أي أن هدفه غير تجاري، وحليب الأتان الأكثر مقاربة في تكوينه للحليب البشري، ولكنه بالمقابل ذات خواص علاجية هامة، منها تقوية المناعة وخصوصا في حالات الربو والتهاب القصبات الهوائية ومشاكل الرئة، فضلا عن تأثيره على صحة القلب لاحتوائه على مركب الأوميغا 3، وخواص وقائية في بعض أنواع السرطان، وكذلك تأثيره على البشرة وصفائها، ولذا يستخدم في التجميل وقد استخدمه شبلي مؤخرا في تصنيع الصابون.
وتتكون المزرعة من 14 حمارا، وهي وردة، جديدة، زكي، بيوتي، سوسي، شمس، قمر، عزوز، أغبر، هارت، كيرلي، سعدونة وسلطانة، وبالطبع النجم "عزيز"، وهي من أنواع مختلفة منها البلدي والقبرصي، ونوع مختلط بين البلدي والقبرصي، ويبلغ عمر 6 منها عشر سنوات (خمس إناث وذكر وهو عزيز)، و8 حمير ولدوا في المزرعة أكبرها السنتين ونصف السنة، وتشكل الإناث النسبة الأكبر فهي 9 إناث والباقي ذكور ويبلغ الحمار بين سنتين وثلاث سنوات، ومعظم الإناث حوامل حاليا، حيث تحمل الأتان لمدة سنة قبل أن تلد، وبالعادة تلد صغيرا واحدا، وقد يكون ذكرا أو أنثى، في العام الماضي كانوا إثنين من الذكور، أما العام الحالي فهما إثنتين من الإناث، ووفقا لشبلي، لا يستخدم الحليب إلا بعد ثلاثة أشهر من عمر الصغير، حتى يستفيد من المناعة الذي يوفره حليب والدته، ثم يمكنه أن يحلب بين نصف والكيلو من حليبها يوميا، ويأتي إلى المزرعة الكثيرون لشراء هذا الحليب، بينما يتم تصنيع الباقي كصابون، ولا يفكر بإنتاج الجبن، لأن الكميات محدودة وتحتاج إلى وسائل متطورة أكثر، بالإضافة إلى المزيد من الأيدي العاملة.
أما النجم الأكبر في المزرعة فهو أحد أبطال واحدة من حلقات برنامج "مرحبا دولة" الذي يبث على إحدى القنوات التلفزيونية، وهو الحمار "عزيز"، الذي تم وضعه في زريبة خاصة حاليا، خوفا من أن يؤذي الحوامل من الأتان، وكما هو الحال في مملكة الحيوان، يحاول الذكر السيطرة، وبالتالي قد يؤذي الحمير الأخرى والصغار الذي يبلغ عددهم 2 من الإناث حاليا وأعمارهما 3 أشهر، وبدأتا بالإعتماد على الأعلاف والحشائش ولكنهما لا تزالان ترضعان من أمهاتهما.
ومن الحيوانات الأخرى في المزرعة الماعز والوز والبط والدجاج والأرانب والحمام ويشير شبلي إلى نيته أن يبدأ بتربية النحل، حيث خضع هو وفريقه من العمال إلى دورات في تربية النحل، خصوصا لخصوبة المرعى من النباتات العطرية والبرية فضلا عن السنديان والندوة العسلية من الحشرات (المن) الذي يتغذى على هذه الأشجار، كما يمكن أن يجلب أنواع حيوانات أخرى، ويعمل لديه 3 أشخاص بصورة مستمرة خلال العام للعناية بالمزرعة وفي الصيف قد يصلوا إلى 10 أشخاص.
وعن الزراعة، فهناك مجموعة كبيرة من الأشجار المختلفة مثل البندق والجوز والصنوبر والأشجار المثمرة كالتين لأنها لا تتطلب الكثير من المبيدات، بالإضافة إلى الخضار الموسمية والنباتات العطرية، أما الخدمات الأخرى التي تقدمها المزرعة، فهي تستقبل الأشخاص الذين يرغبون بالتماس مع الطبيعة والعزلة العلاجية الوقائية والتأمل والمشي في الطبيعة مع فرصة للمنامة في غرفتين مجهزتان بطريقة تراثية وتقليدية، كما في الفيديو المرفق، حيث يتم تقديم الفطور المكون من إنتاج المزرعة، المكون من البيض البلدي وحليب وألبان وأجبان الماعز بالإضافة إلى الصنوبر والجوز والتين المجفف، بالإضافة إلى الخضار والفواكه الطازجة والتي يصنعها بطريقة طبيعية من مربيات وغيرها، كما يشتري من جيرانه حليب الأبقار ويقوم شبلي بتصنيعها ليقدم المواد البلدية الأصلية، ويقدم مشروب المتي مضافا إليه أعشاب طبية مثل الحبق والمردكوش وإكليل الجبل والمريمية (القصعين) أو وفقا للموسم، كما وأنه يتجه لنشاط خلال الصيف تحت عنوان "من المزرعة إلى المائدة" Farm to table حيث يقطف الضيوف الخضار والأعشاب ويقومون بطبخها بأنفسهم، ومن النشاطات الخاصة بالعائلات المشي في الطبيعة وصولا إلى العرزال، حيث يركب الصغار فقط الحمير، بينما يقوم الكبار بالمشي، مستمتعين بالطبيعة البرية والنقية، ويتعرفون على النباتات المختلفة مثل النباتات العطرية والقرص عني والهندباء البرية والهدال والعشبة الذهبية التي تتمتع بخواص علاجية وطبية كثيرة.
ويؤكد شبلي أن هناك مجالات كثيرة للتطور مع الوقت، خصوصا وأن العائق الإقتصادي بسبب الأوضاع يبطئ هذا الأمر ولكنه بالمقابل يأمل بتحقيق الكثير في المستقبل القريب.
لمتابعة شبلي أبو عاصي على موقع التواصل الإجتماعي إنستاغرام: @ chibli_abou_assi ، وعلى يوتيوب هنا.
لمتابعة مزرعة الحمير في الشوف على موقع التواصل الإجتماعي إنستاغرام: @Maasserdonkeyfarm
لطلبات الحليب وصابون الحمير على الرقم التالي: 03915313
الصورة الرئيسية وبعض الصور من تصوير لما س. ريمان، للمتابعة على موقعها على موقع التواصل الإجتماعي إنستاغرام: Insta: lamasrimanphotography