مما لا شك فيه، أن العدو الصهيوني يحاول بشتى السبل تقطيع أواصر العيش الكريم للسكان اللبنانيين وخصوصا جنوبا، ويتبع سياسة الأرض المحروقة حيث طاولت الحرائق 50 بلدة حدودية منذ 15 تشرين الأول/أكتوبر، ضاربا بعرض الحائط الإتفاقات الدولية والبيئية وحقوق الإنسان، خصوصا لجهة استخدام الفوسفور المحرم دوليا، ومن المتوقع صدور تقرير اليوم 23 كانون الثاني/يناير، سينشر في حينه، ويشمل 8 عينات من تربة الجنوب.
وفي هذا المجال، ووفقا للتقرير، فقد أظهرت نتائج الفحص الذي أجرته وزارة البيئة على عيّنات أُخذت من تربة ثمانية مواقع جنوبية قصفها العدو الإسرائيلي بالقذائف الفوسفورية "وجود نسب كبيرة من الفوسفور في التربة وصلت إلى أربعين ألف جزيئية في المليون، مقارنة مع النسبة الطبيعية التي تبلغ حوالي 100 جزيئية في المليون، أي بزيادة 400 ضعف"، وهو ما يؤثّر في سلامة الزراعة في تلك التربة الملوّثة التي تحتاج إلى سنوات طويلة لتنظيفها من هذا التلوث الكبير، وقد أجرى الدراسة فريق خبراء مشترك من الوزارة ومن مختبر البيئة والزراعة والغذاء في الجامعة الأميركية، وقال وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين إن "نتائج الفحوصات التي ستعمّمها الوزارة اليوم ستُضم إلى ملف الشكوى الذي تجهّزها الدولة اللبنانية ضد إسرائيل أمام مجلس الأمن بتهمة استخدام القذائف الفوسفورية المحرّمة دولياً".
وعدا عن التأثير البيئي الكبير، ووفقا لوزير البيئة في صحيفة نداء الوطن والمكلّف تنسيق خطة الطوارئ، من خلال تعاون وخطة طوارئ بين الدولة والمنظمات الدولية، أنه حتى تاريخ 3 كانون الثاني/يناير 2024، فقد أدى القصف إلى تهجير 82012 نسمة (52 في المئة منهم نساء)، وعدد الضحايا والشهداء 135 (منهم 24 مدنياً)، وعدد الجرحى 612، إضافة إلى مقتل 3 صحافيين، وإلى إقفال 50 مدرسة رسمية بشكل كامل أو شبه كامل في القرى الحدودية، كما تعدّت الحرائق الـ600 هكتار زراعيّ حتّى الآن كما تهدّمت 300 مزرعة مواشٍ ودواجن.
ولم تقتصر الأضرار على الثروة الحرجية فحسب، حيث تعدّتها لتشمل البيئية والحيوانية والمائية أيضاً، وحتى 28 تشرين الثاني ووفقا لـ "نداء الوطن"، فقد تسبب القصف بإحراق أكثر من ألف دونم من الأراضي بشكل كامل، 60 بالمئة منها أشجار صمغية وحرجية والباقي أشجار زيتون وأشجار أخرى مثمرة.
ووفقا لتقرير وزارة الزراعة فإن الأضرار شملت حتى تاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر/2023:
القضاء على 50 ألف شجرة زيتون، تدمير ما يزيد على 600 متر مربع من مستودعات الأعلاف، القضاء على 250 قفير نحل، تدمير أكثر من 60 خيمة بلاستيكية، نفوق حوالى 700 رأس غنم وماعز وبقر، نفوق حوالى 300 ألف طائر.
من جهته، ووفقا للمصدر السابق قال مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، الدكتور جورج متري "لغاية التاريخ السابق (16/11) اشتعل أكثر من 500 هكتار من الغابات والأراضي الزراعية، منها أراضٍ حرجية تتضمن غابات كثيفة من السنديان والصنوبر والتي تتمتع بقيمة جمالية وإيكولوجية وبيئية كبيرة، ومنها أيضاً الأراضي المزروعة بمعظمها أشجار زيتون، ذات القيمة الاقتصادية المهمّة بالنسبة للعائلات التي تعتاش منها وتعتمد عليها كزراعة رئيسية"، علما أن هناك عدّة اتفاقيات ومعاهدات دولية معنيّة بهذه المسألة، وهي تتناول مجمل الأمور البيئية بما فيها ضرورة الحفاظ على الغابات وعدم التعرّض لها وقطع أشجارها وإحراقها. ومنها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحّر، والاتفاقية الدولية للتنوّع البيولوجي، هذا إضافة إلى المحاكم الدولية التي تنظر وتبتّ في هذا النوع من الاعتداءات والأضرار الناجمة عنها.
وأشار متري إلى أن "تكلفة زراعة (وحماية وصيانة) هكتار واحد يحتوي على 750 شجرة تفوق الـ4 آلاف دولار تقريباً، ولنا أن نتخيّل هول الخسائر الناتجة عن اشتعال مئات الهكتارات من الغابات وتفحُّم ثروتها الخشبية، لا بل يُضاف إلى ذلك تضرُّر وتلَف المنتجات غير الخشبية، من نباتات طبيّة وعطرية وموارد طبيعية أخرى تحتضنها الغابات، وقيمتها المادية المباشرة والاقتصادية غير المباشرة، وعلى الصعيد الشخصي ودون أن نتطرّق إلى الخسائر غير المباشرة، أقدّر تلك المباشرة الناجمة عن الحرائق لغاية اليوم بأكثر من 20 مليون دولار".
كما ولفت متري إلى أن: "التأثير على التربة لا سيّما وأن الحرائق طالت المنحدرات، ما يفاقم من تدهور حالة الأراضي خصوصاً على ضوء صعوبة التدخل في هذه المناطق للقيام بعملية الاستصلاح وإعادة التأهيل، تدهور حالة المياه والتربة والهواء بسبب توسُّع رقعة الحرائق، التأثير على الحياة البرّية والتنوّع البيولوجي، الذي سيمتدّ لسنوات ما يحتاج مراقبة ورصداً من خلال زيارات ميدانية للمناطق التي طالتها الحرائق. وفوق هذا وذاك، هناك طبعاً الخسائر الاقتصادية المباشرة اللاحقة بالأراضي المتضرّرة".
وكانت وزارتا البيئة والزراعة نشرتا في الشهر الأول للعدوان، مسحاً أولياً لبلدات قضاء صور الحدودية من الناقورة إلى مروحين وشيحين والبستان، والتي استهدفتها القذائف الفوسفورية في الفترة الممتدة من الأسبوع الثاني للعدوان حتى مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وأظهر المسح أن حوالي 460 هكتاراً من أشجار الزيتون والصنوبر والبلوط والأشجار والأعشاب البرية، قد احترقت. في حين أحصت وزارة الزراعة احتراق حوالي 40 ألف شجرة زيتون. علماً أن العدو في الأسابيع اللاحقة استخدم القذائف الفوسفورية في كل البلدات الحدودية من يارون وعيترون إلى ميس الجبل وكفركلا وحولا والخيام وسهلَي الوزاني والخيام