قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل صادقة ومعبرة، عن ألم العنصرية التي عانى منها شعب جنوب أفريقيا لعقود، بمواجهة فريق قانوني إسرائيلي حاول التلاعب وانتقاء الألفاظ والأحداث التي تثبت وجهة نظره، وصولا للتشكيك بصلاحية المحكمة للبث ومناقشة هذه القضية!
وهناك ملاحظة لا بد من إبرازها هنا، بأن هذه هي مطالعة مختصرة، ووفق ما استطعت فهمه وأحاول إيصاله للمهتمين، ولا تفي المرافعات ولا القضية ولا الأحداث حقها، ولو أردنا الإحاطة بكل ما يتعلق بهذه القضية، وأسبابها ومسولاتها ونتائجها وعدا ذلك، فسوف نحتاج للكثير من المقالات، تتداخل فيها المصطلحات القانونية ولا سيما الدولية منها، والتي تتطلب مراجعة قانونية فذة، وفي هذا المقال، حاولت أن أوصل المعلومة بطريقة سهلة، ليتمكن أي شخص من التعرف على جوانبها، سواء الإدعاء من قبل جنوب أفريقيا والقضية المحكمة التي قدمها لمحكمة العدل الدولية، ودفاع الفريق القانوني الإسرائيلي، الذي حاول التبرير من جهة ومهاجمة المحكمة من جهة ثانية، مع ضغوط دولية قد يتم الإستعانة بها لرفض الدعوة على القضاة والدول بالترهيب والترغيب.
وفي هذا المجال، هناك مصطلحين استخدما في مقابلة لموقع "الديمقراطية الآن" Democracy Now، مع الناشطة الحقوقية المحامية الأميركية من أصل فلسطيني ديالا شماس وهي محامية أولى في مركز الحقوق الدستورية the Center for Constitutional Rights (منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة) حول ما اعتمده الفريق القانوني الإسرائيلي وهي Gas Lighting وCherry Picking، وصفة Gas Lighting يوصف بها الشخص الذي يميل للنرجسية ويتلاعب بضحاياه لخدمة مصالحه ونواياه، وبالمقابل فمصطلح Cherry Picking هو اختيار المواد والبيانات التي تخدم مصالح الشخص أو الدولة وفي هذا الحال، الكيان الصهيوني.
وفي المرافعة القانونية للكيان الصهيوني، اعتمد الهولوكوست وكعادته، بأنه تم استخدام أداة دولية وهي في هذه الحالة محكمة العدل الدولية، من قبل المجموعات الإرهابية مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم "التي لا اعتبار للإنسانية والقانون لديها"، وبالنسبة لإسرائيل، فما يمكن أن ينتج أن هذه المجموعات ستتمكن من مهاجمة إسرائيل والإبقاء على 136 أسير في أوضاع غير مقبولة ولاإنسانية، ومنع عشرات الآلاف من الإسرائيليين من العودة لمنازلهم، وأن اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وبسلطة القانون، وأن جنوب أفريقيا تتعامل كالذراع القانوني لحماس.
وفي هذا المجال فإن ادارة بايدن ستمثل أمام المحكمة الفيدرالية في 26 كانون الثاني في دعوى مقدمة من قبل CCR في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لدورها في الإبادة وتورطها ومشاركتها فيها، فلولا الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري لإسرائيل لما استمرت، مع الدعوة لوقف هذا الدعم، وهو امتحان عسير لهذه الإدارة خصوصا مع توقع صدور حكم أولي من محكمة العدل الدولية.
وقد أوردت جنوب أفريقيا تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، ومنها تغريدة نشرها عضو الكنيست عن حزب "الليكود" ناسيم فاتوري في تشرين الثاني الماضي على منصة "إكس" مطالبا بـ "إحراق غزة"، وأعادها أمس الجمعة في لقاء في برنامج على القناة 13 الإسرائيلية، وتمسك بما كتبه وحاول تبرير قوله، إلا أن المذيع طرده قائلا: "شكرا جزيلا لحضوركم إلى الأستوديو الخاص بنا، وشكرا لكم على الضرر الذي ألحقتموه بدولة إسرائيل"، وقد دافع الفريق القانوني بمحكمة العدل الدولية وحاول التبرير أمس بقوله إن هذه التصريحات لا تمثل الحكومة وقراراتها".
وبدأت مرافعة فريق جنوب أفريقيا القانوني وفق المادة 2A من الإتفاقية، علما أن المادة الأولى التي وقعت عليها اسرائيل تنص على أن الإبادة سواء في السلم والحرب هي جريمة وفق القوانين الدولية، وقد قدم وزير العدل الجنوب أفريقي رونالد لامولا مداخلة أشار فيها إلى أن العنف ضد الفلسطينيين بدأ من 76 عاما تابعت بعده عديلة حاسيم مرافعتها بأنه لليوم الـ 96 تتابع اسرائيل عدوانها على غزة لما يمكن وصفه بأضخم قصف تتعرض له منطقة في العالم في العصر الحديث، وأن المدنيين معرضين للقصف من الجو والأرض وبأكبر منظومة أسلحة بالتاريخ، ومنع المساعدات المحدودة من الوصول بسبب القصف، عدا عن خطر الموت بسبب المجاعة والجفاف والأوبئة والأمراض بسبب الحصار والمعونات غير الكافية التي لا تصل إلا الشحيح منها للمدنيين، بسبب القصف المتواصل، ما أدى إلى قتل جماعي للمدنيين وفقا للجزء A2 من اتفاقية الإبادة الجماعية وهو ما أوضحه أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ خمسة أسابيع بأن لا مكان آمن في غزة، وقد وصل عدد الضحايا من المدنيين في غزة وأنا أقف أمامكم اليوم إلى 23100 شخص، 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال، و7 آلاف مفقود تحت الركام ويتوقع أنهم قد فقدوا حياتهم، والفلسطينيون يتعرضون للإبادة في منازلهم، وفي الأماكن التي يبحثون فيها عن ملجـأ وفي المستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس وخلال بحثهم عن الطعام والمياه لعائلاتهم، كما ويتم قتلهم عند فشلهم في النزوح من أماكن نزحوا اليها، وحتى خلال نزوحهم نحو مناطق آمنة أعلنتها إسرائيل، ومستويات القتل المتزايدة أدت إلى مدافن جماعية للضحايا، حيث دفنوا دون معرفة أسمائهم، واستخدمت اسرائيل ستة آلاف قنبلة بالأسابيع الثلاث الأولى، قنابل بوزن ألفي رطل وهي من أكثر القنابل تدميرا وقد استهدفت في قصفها مناطق شمال القطاع أيضا"، مشيرة إلى أن "هذا منفردا وبصورة جماعية يوثق النية والفعل الذي يؤدي إلى الإبادة الجماعية ومنها استهداف المدنيين بنية القتل المتعمد وعلى نطاق واسع وحتى في مناطق النزوح الآمنة، تزامنا مع حظر المساعدات الإنسانية، من غذاء ومياه وعناية صحية من مستلزمات صحية وعلاجات ووقود والتواصل، وتهديم البنية التحتية الإجتماعية من منازل ومدارس وأماكن عبادة ومستشفيات وقتل عائلات بأكملها وترك الكثير من الأطفال الأيتام".
وأشارت إلى أن الإبادة الجماعية لا يتم الإعلان عنها مسبقا، ولكن الأسابيع الـ 13 الماضية كانت هناك إثباتات كافية أسلوبا ونية مرتبطة بالإبادة الجماعية، ولم تتردد المحكمة في حالة غامبيا وميانمار في التصرف والحكم على الإبادة الجماعية التي حصلت هناك، وللأسف في هذه الحالة فالأدلة واضحة، وفي كل يوم يمر يكون هناك مزيد من الضحايا وفقدان للكرامة والإنسانية والممتلكات للشعب الفلسطيني، وأصبحت الأخبار التي تصلنا من الصعب مشاهدتها، ولن يوقف هذا العذاب إلا تدخل المحكمة وإجراءاتها لمنع العدوان الإسرائيلي الذي تمت الإشارة إلى انه قد يستمر لعام.
وتبع حاسيم مرافعات لعدد من الحقوقيين والأكاديميين الذين وثقوا خلال 3 ساعات النية والفعل الحقيقي للإبادة الجماعية.