info@zawayamedia.com
علوم

إكتشاف رسائل سرية تحذر بها النباتات بعضها البعض في حالة الخطر!

إكتشاف رسائل سرية تحذر بها النباتات بعضها البعض في حالة الخطر!

يبدو الأمر أشبه بالخيال وكأنه مشهد من فيلم "سيد الخواتم"، يبدأ العدو بمهاجمة شجرة، تتصدى له الشجرة وترسل رسالة تحذير، وتجهز الأشجار القريبة دفاعاتها الخاصة، وبالتالي يتم الحفاظ على الغابة.


لكنك لا تحتاج إلى ساحر لاستحضار هذا المشهد، حيث يمكن للأشجار على أرضنا أن تتواصل وتحذر بعضها البعض من الخطر، وتشرح دراسة جديدة كيفية قيامها بذلك.


ووجدت الدراسة أن النباتات المصابة تنبعث منها مركبات كيميائية معينة، والتي يمكن أن تتسلل إلى الأنسجة الداخلية للنبات السليم وتنشط الدفاعات من داخل خلاياها، إن الفهم الأفضل لهذه الآلية يمكن أن يسمح للعلماء والمزارعين بالمساعدة في تحصين النباتات ضد هجمات الحشرات أو الجفاف قبل وقت طويل من حدوثها.


وقال ماساتسوجو تويوتا Masatsugu Toyota، كبير مؤلفي الدراسة، التي نُشرت يوم الثلاثاء الماضي في مجلة Nature Communications، إن "هذه الدراسة تمثل المرة الأولى التي يتمكن فيها الباحثون من "تصور التواصل بين النباتات"، وربما يمكننا اختطاف هذا النظام لإعلام النبات بأكمله بتنشيط استجابات الإجهاد المختلفة ضد تهديد مستقبلي أو تهديدات بيئية، مثل الجفاف."


بعد أن تلتهم اليرقة ورقة نبات، يحفز نبات الأرابيدوبسيس Arabidopsis أيون الكالسيوم، حيث تنتشر إشارة الجرح لمسافات طويلة في جميع أنحاء جسم النبات وتنشط الاستجابات الدفاعية الجهازية (كما هو موضح هنا بشكل متزايد في التألق الأخضر)، المصدر (ماساتسوجو تويوتا/تويوتا وآخرون، العلوم 2018)


بدأت فكرة الأشجار "الناطقة" تتجذر في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث قام اثنان من علماء البيئة بوضع مئات من اليرقات وديدان الويب على أغصان أشجار الصفصاف وجار الماء لمراقبة كيفية استجابة الأشجار، ووجدوا أن الأشجار المهاجمة بدأت في إنتاج مواد كيميائية جعلت أوراقها غير شهية وغير قابلة للهضم لردع الحشرات.


لكن الأمر الأكثر إثارة للفضول هو أن العلماء اكتشفوا أشجارًا سليمة من نفس النوع، تقع على بعد 30 أو 40 مترًا، وليس لها جذور متصلة بالأشجار المتضررة، كما أنها تضع نفس الدفاعات الكيميائية للاستعداد ضد غزو الحشرات، وجدت مجموعة أخرى من العلماء في ذلك الوقت نتائج مماثلة عند دراسة أشجار القيقب والحور التالفة.


كان لدى هذه الفرق البحثية المبكرة فكرة ناشئة: ترسل الأشجار إشارات كيميائية لبعضها البعض عبر الهواء، وهو ما يُعرف اليوم باسم التنصت النباتي plant eavesdropping، على مدى العقود الأربعة الماضية، لاحظ العلماء هذا التواصل من خلية إلى أخرى في أكثر من 30 نوعًا من النباتات، بما في ذلك فاصوليا الليما (الفاصولياء العريضة)، والتبغ، والطماطم، والمريمية، والنباتات المزهرة في عائلة الخردل، لكن لم يكن أحد يعرف ما هي المركبات المهمة التي تقوم بهذا الأمر وكيف تم استشعارها، حتى الآن.


May be an image of text


وقال أندريه كيسلر André Kessler، عالم بيئة النبات والذي لم يشارك في البحث: "كان هناك هذا النوع من الجدل في هذا المجال". "أولاً، كيف يتم امتصاص تلك المركبات بشكل عام (من قبل النبات)، ومن ثم كيف تكون قادرة على تغيير عملية التمثيل الغذائي للنبات استجابةً لإدراكها"، وقال كيسلر إن هذه الدراسة ساعدت في الإجابة على بعض هذه الأسئلة التي طال أمدها.


من الواضح أن النباتات ليس لها آذان وعيون، لكن الأبحاث السابقة أظهرت أنها تتواصل مع محيطها عن طريق إطلاق مواد كيميائية تعرف باسم المركبات العضوية المتطايرة، والتي يمكننا شمها، ولكن كما يستطيع الناس التحدث بالكثير من الكلمات، يمكن للنباتات إنتاج مجموعة من هذه المركبات لأغراض مختلفة، يستخدم بعضها لجذب الملقحات أو كوسيلة للدفاع ضد الحيوانات المفترسة.


ومع ذلك، تنبعث فئة واحدة من هذه المركبات عند إصابة النبات: المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء، تنبعث هذه، كما يوحي الاسم، من كل النباتات الخضراء ذات الأوراق تقريبًا، ويتم إنتاجها عندما يتعرض النبات لضرر مادي، مثال على هذا المركب هو الرائحة المنبعثة من العشب الطازج.


في الدراسة الجديدة، قام تويوتا وزملاؤه بسحق الأوراق يدويًا، ووضعوا اليرقات على نبات الخردل الأرابيدوبسيس، أو نباتات الطماطم لتحفيز انبعاث العديد من المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء، ثم يقومون بنشر أبخرة فردية على النباتات السليمة لمعرفة ما إذا كانت النباتات ستتفاعل.


ولتتبع استجابات النباتات السليمة، قام الفريق بتعديل النباتات وراثيًا بحيث تتألق أيونات الكالسيوم عند تنشيطها داخل الخلايا الفردية، تعد إشارات الكالسيوم مهمة للوظائف الخلوية في معظم الكائنات الحية على الأرض، بما في ذلك البشر، وعندما يتم إرسال إشارة كهربائية إلى الخلايا العصبية الحركية لدينا، تفتح القنوات الأيونية وتسمح للكالسيوم بالتدفق إلى الداخل، هذه الزيادة في الكالسيوم يمكن أن تؤدي إلى إطلاق الناقلات العصبية، مما يؤدي إلى تقلص العضلات في الخلية العضلية.


وقالت تويوتا إن إشارات الكالسيوم تلعب دورًا مماثلاً في النباتات، اعتمادًا على النبات، يمكنه إطلاق رسائل لإغلاق أوراقه أو هضم حشرة.


وبعد اختبار العديد من المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء، وجد الفريق أن اثنين فقط يبدو أنهما يزيدان أيونات الكالسيوم داخل الخلايا، بالإضافة إلى ذلك، وجدوا أن إشارات الكالسيوم زادت لأول مرة في الخلايا الحارسة التي تشكل مسام أوراق النبات، أو الثغور، وهو اكتشاف مهم، لأنه يظهر أن المركبات يتم امتصاصها في الأنسجة الداخلية للنبات.


وقال كيسلر، الأستاذ في جامعة كورنيل: "لا يمكنها التسرب عبر سطح النبات بسهولة،عليها المرور عبر المسامات stomata، التي تسمح للنبات باستنشاق ثاني أوكسيد الكربون وإخراج الأوكسجين من أجل عملية التمثيل الضوئي."


وقالت تويوتا إن إشارات الكالسيوم تشبه مفتاحًا لتشغيل الاستجابات الدفاعية من النباتات. وبعد زيادة الإشارة، وجد الفريق أن النبات زاد من إنتاج تعبيرات جينية معينة للحماية، على سبيل المثال، قالت تويوتا إن النبات قد يبدأ في إنتاج بروتينات معينة لمنع الحشرات من مضغها، مما يسبب الإسهال للحشرات.


وقالت تويوتا: "إذا كان النبات يحتوي على الكثير من هذه الجينات، فهي الآن قوية جدًا ضد الحشرات العاشبة".


ومع هذا الفهم الجديد، يقول الباحثون إنه يمكن تحصين النباتات ضد التهديدات والضغوطات قبل حدوثها، وهو ما يعادل إعطاء النبات لقاحًا، على سبيل المثال، قال كيسلر إن تعريض النباتات السليمة لنباتات موبوءة بالحشرات أو المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء المرتبطة بها يمكن أن يعزز دفاعاتها الوراثية، لذلك يمكن أن يستخدم المزارعون مبيدات حشرية أقل، ويمكن أن يساعد هذا الاكتشاف أيضًا في جعل النباتات أكثر مرونة أثناء الجفاف، مما يشير إلى النباتات للاحتفاظ بمزيد من المياه.


وقال كيسلر: "إذا كان لديك نبات تعرض للجفاف في وقت مبكر من حياته، فإنه سيتعامل مع الجفاف بشكل أفضل من النبات الذي لم يتعرض لذلك، وهذا أيضًا نتيجة للتغير التام في عملية التمثيل الغذائي للنبات."


وقالت تويوتا إن الدراسة زرعت العديد من "البذور" للأبحاث المستقبلية، على سبيل المثال، ليس لدى الباحثين أي فكرة عن سبب دخول اثنين فقط من المواد المتطايرة ذات الأوراق الخضراء إلى المسامات وتحفيز إشارات الكالسيوم. والخطوة التالية هي تحديد المستقبلات المختلفة في النباتات، والتي قد تكون خاصة بالتركيب الكيميائي للمركبين.


ردًا على هجمات الحشرات، يمكن للنباتات أيضًا أن تنتج استجابات محددة بناءً على أنواع الحيوانات العاشبة التي تتغذى عليها، وهو سلوك مثير للإعجاب يدرسه كيسلر بشكل أكبر.


وقال كيسلر: "إذا كان هذا النبات قادراً على تقديم استجابة تكيفية، فهذا هو تعريف الذكاء"، وختم "إذا فهمنا هذه الأنواع من الأمور وكيف تفعلها النباتات، فسيوصلك ذلك إلى مستوى حول كيفية فهمنا للعالم."


بتصرف عن The Washington Post

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: