تمكن السفير الفلسطيني في بريطانيا الدكتور حسام زملط من تغيير توجيه الإدانة للمجتمع الدولي الذي فضل أن يصم أذنيه ويشيح أنظاره عن الإنتهاكات ومعاناة الشعب الفلسطيني بأكمله وخصوصا في غزة خلال العقود الماضية، نحو الإحتلال الإسرائيلي الذي يتابع عدوانه على المدنيين في حملة عسكرية دموية على غزة.
وفي لقاء مع المذيع لويس فون جونز Lewis Vaughan Jones على قناة الإذاعة البريطانية BBC، أجاب الدبلوماسي الفلسطيني عند سؤاله عما شعر عندما شاهد ما فعلته حماس، والمتمثل بالهجمة يوم السبت الماضي تحت اسم "طوفان الأقصى" بأن "المجتمع الدولي لم يستجب للتحذيرات المتكررة خلال الأعوام الستة عشر السابقة، وأن هناك مليوني فلسطيني محتجزين كرهائن في غزة لدى إسرائيل"!
وقال: للأسف سمح المجتمع الدولي بهذا ليس خلال هذه السنوات فحسب، بل لعقود طويلة، وبدأ الإهتمام فقط حين أريقت الدماء، وأتمنى لو أننا لم نصل إلى هذه المرحلة"، وحين سأله المذيع حول إن كان يشعر بالأسف على حياة الإسرائيليين أجاب: "أشعر بالأسف لفقدان كل حياة، ولكن الأسئلة الأهم، هل يمكننا إيقاف هذه الفاجعة؟ هل يمكننا تقديم مسار بديل عما يحدث؟ وكيف يمكننا التعلم من أخطاء الماضي؟ وكيف نعامل الشعب الفلسطيني بعد مئة عام من المعاناة؟ هل يمكن التعامل بمساواة مثل الأمم الأخرى؟ كيف يمكننا إيقاف هذه الفوضى التي ذكرت؟ فلا يجب الإستهانة بإرادة ورغبة الشعب بالحرية وإنهاء الإحتلال والقيود، هذا لا يتعلق بحماس فقط ولا بالساعات الأخيرة فقط، هذا مستمر منذ أكثر من مئة عام، وقد حصل هذا الأمر هنا في هذه المدينة (لندن) وفي بريطانيا التي سلبت حقوقنا ومن دون استشارتنا، من ثم فإن هذا النهج الغربي الذي أثبت مقاربته الفاشلة للقضية الفلسطينية، فهذا هو الوقت لنهج جديد وبديل، وكما قال سفيرنا في الأمم المتحدة، نحن نريد العدل لا الإنتقام، والسلام وليس الحرب، ونحن في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي منظمة التحرير الفلسطينية عرضنا هذا الخيار منذ أكثر من 30 عاما، لقد اعترفنا بإسرائيل، والتزمنا بالمفاوضات ونبذ العنف، والتزمنا بالقوانين والقرارات الدولية، وكان على إسرائيل شيء وحيد، وهو إنهاء الإحتلال ووقف الإستيطان الإستعماري، ولكنها لم تفعل هذا ولا مرة واحدة في كل حكوماتها المتعاقبة، وكان من المفترض على المجتمع الدولي توفير الملاحقة القانونية والضمانات، ولكن المجتمع الدولي والذي تقوده الولايات المتحدة لم يقم بأي من هذا، ولعل السؤال الأهم اليوم، هو كيف نوقف المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين الأبرياء؟".
وعند سؤاله عن دعمه لما قامت به حماس في هجومها المسمى طوفان الأقصى، أجاب: "هذا ليس السؤال الصحيح أو الأهم، فحماس هي مجموعة وحركة مسلحة، أنت تتحدث مع ممثل عن الحكومة الفلسطينية وموقفنا معروف وواضح، وهذا ليس متعلقا بدعمنا أو عدم دعمنا لهذا الهجوم، فأنا هنا لتمثيل شعبي، الشعب الفلسطيني، وهو ما أعبر عنه، ولست هنا لأدين أحدا، وإن كان هناك إدانة فهي للديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وهي إسرائيل والتي تقوم به من استهداف للمدنيين، وهذا لم يحدث منذ يوم السبت فقط"، وعندما قاطعه المذيع لويس بأن حماس تهاجم الفلسطينيين، أجابه بأن "حماس ليست الحكومة الفلسطينية، بالمقابل فإن الحكومة الإسرائيلية تعطي أوامرها لجيشها المنظم، فليس هناك مساواة هنا أو تماثل، فلا يمكنك المساواة بين المحتل والشعب الواقع تحت الإحتلال، فهذا لا يخدم العدالة، وليتمكن المشاهدون من رؤية وفهم الصورة الحقيقية، فمنذ تأسيس دولة إسرائيل كان لديها مذهب عسكري واحد، فعندما تحارب تقوم بقتل المدنيين، من أجل الضغط على المحاربين، وذلك منذ العام 1948 ويمكنك الرجوع إلى السجلات، وقد تم استخدام هذه الإستراتيجية في غزة وسيتم تكرارها، لذا فإنها ليست لعبة إلقاء اللوم على الآخرين، ولن ألقي اللوم على الضحية هنا، فالسؤال الأهم هو كيف يمكننا وقف دورة العنف المميتة هذه؟"
وعاد ليكرر لويس سؤاله بأن زملط أدان الإسرائيليين لقتلهم المدنيين ولكنه لم يدن حماس، أجابه: "كم مرة استضفت مسؤولين إسرائيليين هنا؟ مئات المرات، وكم مرة قامت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ومباشرة هنا على شاشتكم، فهل طلبت منهم أن يدينوا أنفسهم؟ لم تفعل، وأنا سأجيب عنك لم تفعل، هل تعلم لماذا أرفض الإجابة على هذا السؤال [حول عدم إدانة حماس]؟ لأنني أرفض الفرضية التي يقوم عليها. لأن في جوهره يوجد تحريف وتشويه للأمر برمته. لأن الفلسطينيين هم المتوقعون دائمًا إدانة أنفسهم، هذا صراع سياسي، وقد حرمنا من حقوقنا لمدة طويلة، لذا فهي منطلق خاطئ لبدء الحوارات، بل المنطلق الصحيح هو التركيز على جذر المشكلة، وأن نحاول الخروج من هذا النفق المظلم، على عكس هذا العمل الذي قامت به هيئة الإذاعة البريطانية ووسائل الإعلام الرئيسية لمدة 75 عامًا".
وتابع: "فأنتم تدعوننا إلى هنا [في البرنامج] كلما قُتل إسرائيليون، هل أحضرتني إلى هنا عندما قُتل العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، أكثر من 200 شخص، في الأشهر القليلة الماضية، هل قمتم بدعوتي بعد الإستفزازات الإسرائيلية الكثيرة في مدينة القدس وغيرها، فما واجهه الإسرائيليون والذي وصفناه منذ البدء بالمأسوي، فالفلسطينيين يواجهونه يوميا ومنذ اكثر من 50 عاما، أنت تعرف الوضع في غزة، فقد وصفته للتو، إنه أكبر سجن في الهواء الطلق. لقد احتجزت إسرائيل هؤلاء الأشخاص، البالغ عددهم مليوني نسمة، كرهائن طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي، أي آخر 16 سنة".
وقال المبعوث الفلسطيني "لذلك أقول هذا فقط، ربما حان الوقت لنتخلى عن هذا الخطاب، وهو خطير للغاية، وهذا الإطار، ونبدأ في إعطاء الناس الحقيقة القبيحة في بعض الأحيان".
وعند سؤاله عن الحل، أجاب الدبلوماسي الفلسطيني: "القانون الدولي، أي التطبيق المتساوي للقرارات الدولية، والشرعية الدولية وكما حصل في أوكرانيا، هل كنت ستدعو السفير الأوكراني هنا ليدين بعض المقاتلين الأوكرانيين؟ نحن بحاجة لتطبيق عادل وشامل للقواعد التي تم وضعها من قبل عصبة الأمم المتحدة بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، نحن بحاجة ألا تكون إسرائيل الإستثناء وكما حصل لأكثر من 75 عاما، يجب أن نضمن ألا يكون هناك أحدا فوق القانون، بريطانيا مشهورة بسيادة القانون، أعتقد أن هذا هو الحل، فإسرائيل دولة احتلال، وهي مسؤولة عن حماية الشعب الواقع تحت احتلالها، وإن قامت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الساعات والأسابيع القادمة، فيجب أن تخضع للمساءلة من قبل المجتمع الدولي والنظام القضائي الدولي".
ومن الملاحظ أنه في عدة لقاءات لوكالات إعلامية عالمية فقد تم التركيز على سؤال محدد وهو إدانة حماس، في محاولة لتوجيه الأنظار عن القصف الإسرائيلي الذي استهدف المدنيين ليصل عدد الضحايا في غزة إلى 765 والجرحى إلى نحو 4 آلاف، كما سوى مجمعات سكنية بأكملها بالأرض، وهو ما توعد به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بأنه سينتقم بقوة لهذا اليوم الأسود، ومع استمرار توسع نطاق المعركة، ومع الساعات والأسابيع المقبلة، فإن الحسم سيكون لإرضاء الداخل الإسرائيلي بعد هذه الهجمة الدموية، والثأر من هذا الهجوم الذي أتاها على حين غفلة.
وفيما يلي المقابلة مع السفير الفلسطيني في بريطانيا
This is why we refuse the condemnation paradigm repeated by mainstream media for decades including on @BBCNews last night. pic.twitter.com/LervbPPyZT
— Husam Zomlot (@hzomlot) October 9, 2023