حذرت دراسة جديدة من أن مليارات الأشخاص معرضون لخطر تجاوز درجات الحرارة حدود البقاء على قيد الحياة إذا زادت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة (1.8 درجة فهرنهايت) أو أكثر فوق المستويات الحالية، ووجدت الدراسة أنه حتى الشباب الأصحاء يمكن أن يجدوا الجو حارا بشكل لا يطاق خلال جزء من العام.
الإجهاد الحراري الرطب
وقد وجدت الدراسة، التي نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences يوم أمس الاثنين، أن درجات الحرارة آخذة في الارتفاع وأن موجات الحرارة أصبحت "أكثر تواترا وشدة وأطول أمدا بسبب تغير المناخ"، كما وأن ارتفاع درجات الحرارة فوق درجتين مئويتين، فسيكون جزءًا كبيرًا من سكان العالم عرضة لـ "الإجهاد الحراري الرطب" مع عواقب مدمرة على صحة الإنسان، وفقًا للدراسة التي نشرت يوم الاثنين في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، علما أنه قد ارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بحوالي 1.2 درجة مئوية.
وقد أشار الباحثون إلى أن مناطق الشرق الأوسط وجنوب آسيا "ستشهد وطأة الظروف المميتة أو التي لا تطاق". وفي نهاية سيناريوهات الاحترار الأعلى، "يمكن أن تنتشر مجموعات قاتلة من الحرارة والرطوبة" إلى مناطق بما في ذلك ولايات الغرب الأوسط الأميركي والصين.
وبالفعل تجاوزت بعض المناطق حدود قدرة جسم الإنسان على تحمل التأثيرات المجتمعة للحرارة والرطوبة والتعرض لأشعة الشمس وعوامل أخرى، تُعرف باسم درجة حرارة البصيلة الرطبة wet bulb temperature، والتي تقيس مقدار الإجهاد الحراري الذي يمكن التعرض له.
فعندما تكون مستويات الحرارة والرطوبة مرتفعة، يتبخر العرق بشكل أبطأ بكثير من المعتاد، مما يعني فقدان تأثير التبريد الخاص به ويمكن أن يصبح الجسم غير قادر على تنظيم درجة حرارته، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق الحراري وضربة الشمس، والتي يمكن أن تسبب النوبات القلبية وفشل الأعضاء، وفي هذه الحالة، فإن كبار السن والصغار وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية موجودة مسبقًا هم الأكثر عرضة للإصابة بأمراض ناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة.
وذكر التقرير أن درجات الحرارة التي تتجاوز قدرة الإنسان على التحمل لم يتم تجاوزها إلا مرات قليلة في تاريخ البشرية، ولعدة ساعات في كل مرة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ولكن مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، سيتعرض المزيد من الأشخاص لفترات أطول بكثير، حسبما وجدت الدراسة.
وقد شهد العالم هذا العام بعضًا من أكثر درجات الحرارة حرارة في الصيف وأوائل الخريف على الإطلاق، حيث تجاوز متوسط درجات الحرارة السطحية العالمية مؤقتًا هدف درجة الحرارة في اتفاق باريس البالغ 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة عدة مرات في عام 2023.
وقد قام الباحثون باستخدام بيانات درجة الحرارة والرطوبة جنبًا إلى جنب مع النماذج المناخية لتحليل تعرض البشرية للحرارة القاتلة المحتملة مع ارتفاع درجة حرارة العالم، وبوضع نموذج لسيناريوهات درجات الحرارة تتراوح بين هدف اتفاقية باريس المتمثل في ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية إلى 4 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وحددوا المناطق حول العالم الأكثر عرضة لخطر ارتفاع الحرارة والرطوبة للدراسة.
وقد اعتمد الباحثون عتبة "درجة حرارة البصيلة الرطبة"، والتي يجد البشر صعوبة كبيرة في البقاء على قيد الحياة بعدها، واستخدموا درجة حرارة أقل قليلاً من 35 درجة مئوية (95 درجة فهرنهايت) المذكورة غالبًا - استنادًا إلى فكرة أن البشر قد يكونون أكثر حساسية للرطوبة والحرارة مما كان يعتقد سابقا.
الحرارة الرطبة
وقال تشينكين كونغ من جامعة بوردو والمؤلف المشارك في الدراسة في بيان: "في جميع أنحاء العالم، تركز الاستراتيجيات الرسمية للتكيف مع الطقس على درجة الحرارة فقط، لكن هذا البحث يظهر أن الحرارة الرطبة ستشكل تهديدا أكبر بكثير من الحرارة الجافة."
وقال دانييل فيسيليو، المؤلف الرئيسي للدراسة وباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة جورج ميسون، لشبكة CNN : "كل عُشر درجة أو أي شيء من هذا القبيل بعد ذلك يلعب دورًا، ونريد تقليل ظاهرة الاحتباس الحراري بأسرع ما يمكن، وإذا توصلنا إلى خفض الانبعاثات بشكل أسرع، فإليك كل الأشخاص الذين يمكننا إنقاذهم، وإليك جميع أنماط الحياة التي لا يلزم تغييرها."
وقالت كيم كوب، عالمة المناخ في جامعة براون والذي لم يشارك في الدراسة ولكنه كان المؤلف الرئيسي لأحدث تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، إن استنتاجات الدراسة "مقنعة" ولكنها ليست مفاجئة. وقال كوب لشبكة CNN: "الحرارة الشديدة مسؤولة بالفعل عن عدد لا يحصى من الوفيات في جميع أنحاء العالم كل عام".
ووجد التقرير أن إبقاء ارتفاع درجة الحرارة أقل من درجتين مئويتين عن طريق خفض التلوث الناجم عن التدفئة على كوكب الأرض سيقلل بشكل كبير من التعرض العالمي للحرارة والرطوبة التي تهدد الحياة.
مليارات البشر معرضون للموت .
وقد وجد الباحثون أن المناطق التي من المتوقع أن تكون الأكثر تضررا في السيناريوهات التي التي تصل إلى درجتين مئويتين هي المناطق الاستوائية والساحلية في أفريقيا وشرق الصين، وفقا للدراسة، حيث سيواجه 2.2 مليار شخص يعيشون في باكستان ووادي نهر السند في الهند، ومليار شخص في الصين، و800 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ساعات طويلة من الحرارة والرطوبة سنويًا تتجاوز مستويات تحمل الإنسان، وعند 3 درجات - والتي يقول مؤلفو الدراسة إنها المستوى الأكثر احتمالا لارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2100 إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء - هناك زيادة حادة في عدد الأشخاص المعرضين للحرارة والرطوبة التي تهدد حياتهم، أما عند ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات، وهو السيناريو الأسوأ للدراسة، وجد الباحثون أن 1.5 مليار شخص حول العالم سيواجهون شهرًا من الإجهاد الحراري الرطب كل عام، وسيواجه ما يقرب من 2.7 مليار شخص أسبوعًا على الأقل من هذه الظروف القاسية، ويشير الباحثون إلى أن هذه "نتيجة قابلة للتطبيق بحلول نهاية القرن، وربما قبل ذلك، إن لم يتجه العالم لتخفيضات جذرية في انبعاثات الغازات الدفيئة".
وبحسب الدراسة، فإن "استمرار ارتفاع درجات الحرارة فوق 3 درجات مئوية و4 درجات مئوية، على التوالي، يتسبب في تعرض أميركا الشمالية والجنوبية، وكذلك شمال أستراليا، لفترات طويلة من الحرارة الخطيرة".
وقد وجدت دراسة أخرى نُشرت في عام 2020 أن الحرارة غير المحتملة كانت تحدث بالفعل في بعض أجزاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، وتتزايد وتيرتها.
كما وتظهر البيانات الأولية الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ ان متوسط درجة حرارة السطح العالمية خلال الفترة من شهر يونيو/حزيران إلى آب/أغسطس هو الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث أظهرت الدراسات أن تغير المناخ أدى إلى زيادة الحرارة القاتلة في الولايات المتحدة وأوروبا.
الخلاصة "القاتمة"!
وفي الخلاصة ووفقا للدراسة فإنه "في المستقبل، سوف تقع درجات الحرارة الرطبة المتطرفة خارج حدود التجربة البشرية الماضية وتتجاوز الاستراتيجيات الحالية لتخفيف الحرارة لمليارات الأشخا، وفي حين أن بعض التكيف الفسيولوجي من العتبات الموصوفة هنا أمر ممكن، إلا أنه ستكون هناك حاجة إلى تكيف سلوكي وثقافي وفني إضافي للحفاظ على أنماط حياة صحية."
وفي هذا المجال، قالت عالمة الغلاف الجوي جين بالدوين من جامعة كاليفورنيا إيرفين، والتي لم تشارك في البحث، لرويترز: "سيكون هذا معيارًا حاسمًا للدراسات المستقبلية، ولسوء الحظ، إنها صورة أكثر كآبة إلى حد ما مما كنت ستحصل عليه مع حد 35 درجة مئوية."
وعلى الرغم من أن البلدان حول العالم التزمت خلال مؤتمر المناخ في باريس، ومؤتمرات المناخ الأخرى بالحد من ظاهرة الانحباس الحراري العالمي بحيث لا تتجاوز درجتين مئويتين، بهدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية، فإنها ما زالت بعيدة عن المسار الصحيح، وحتى لو تم الوفاء بتعهدات المناخ العالمي، وهو ما ليس العالم في طريقه إلى تحقيقه حاليا، فمن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بما يتراوح بين 2.1 و 2.9 درجة مئوية، وفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة.
بتصرف عن CNN، رويترز، الواشنطن بوست ووكالات