ازدادت السجالات المحيطة بالقضايا المتعلقة بالمثلية أو بمجتمع "الميم" أو LGBTQ+في الآونة الأخيرة، ما أجج المزيد من سوء الفهم والمشاحنات في المجتمع اللبناني المنقسم بشدة حول هذه المواضيع، وليس ذلك فحسب، بل يبدو وأن هناك حملة ممنهجة لتسليط الإهتمام حول كل ما يتعلق بهذه القضية على حساب قضايا ملحة تمس كل المجتمع، وبقصد إلهائه عن مخاطر ملموسة تتهدده، وأهمها لقمة العيش والبطالة والأزمة الإقتصادية خصوصا على أبواب الشتاء، وهجرة الشباب، وأموال المودعين التي تنهبها المصارف والسلطة الحاكمة، ولعل أهمها قضية انفجار مرفأ بيروت، التي حتى الآن لم تصل إلى تقديم متهم واحد للمحاكمة على حساب آلاف الجرحي ومئات القتلى وتدمير نصف العاصمة!
ولسنا هنا، نحاول اتخاذ موقف أو اتجاه معين حول هذه القضية، بل نحاول مقاربتها بطريقة موضوعية، وفي سياق الهجوم على الجامعة وبرنامجها حول أبحاث الجندر، فلا نقول أن هذه القضية ليست مهمة مجتمعيا، ولكن أن تكون على حساب القضايا المعيشية والمماطلة والتسويف في حوادث أمنية متفرقة مشبوهة، فيبدو أنها وسيلة إضافية خصوصا من بعض وسائل الإعلام لاحتلال المواقع المتقدمة في الأنباء، على حساب الحقيقة، والترويج لمحتوى ربما يكون غير دقيق تماما، خصوصا وأن الرسالة مجزوءة وأن هذا البرنامج بالذات عمره ثلاثة سنوات وأكثر، ويهدف إلى تخريج باحثين في مجال الجندر.
الحملة
وفي سياق الحملة على الجامعة الأميركية، فقد اضطرت الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) إلى نفي في نهاية الأسبوع الماضي معلومات خاطئة نقلها موقع صوت كل لبنان (VDL News، لا ينبغي الخلط بينه وبين VDL(صوت لبنان)La Voix du Liban ووفقا للمقال المنشور، فقد قررت إدارة الجامعة منح منح دراسية "حصراً للمثليين جنسياً" وكذلك "للطلاب الذين يتابعون دراسات النوع الاجتماعي"، وقد تم تداول مقال VDL News على نطاق واسع في مجموعات المراسلة الفورية، وفي مواقع إخبارية عدة، وعملا بالموضوعية، ومتابعة الخبر الدقيق، فقد آثرنا الإنتظار قبل نقل الخبر، أو نقله على موقعنا "زوايا ميديا" لسماع الرأي الآخر، أو رد الجامعة الأميركية في بيروت.
عادت القصة إلى واجهة أخبار يوم الثلاثاء الماضي (3 تشرين الأول/أكتوبر) بعد أن دعا البروفسور رائف رضا، رئيس التجمع الطبي الاجتماعي اللبناني، وهي جمعية محلية، وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال القاضي عباس الحلبي إلى اتخاذ خطوات لتوضيح الوضع، واعتبر الدكتور، في بيان نقلته الوكالة الوطنية للإعلام، أنه من غير المقبول أن تشترط جامعة عاملة في لبنان منح المنح الدراسية بهذه المعايير، معللا ذلك بمخالفة المادتين 9 و10 من الدستور اللتين تكرسان حرية التعبير، الضمير والتعليم المجاني مع حظر الاعتداء على "كرامة" المعتقدات الدينية.
ولتأكيد شكواها في مقالتها المنشورة يوم الجمعة الماضي (29 أيلول/سبتمبر)، نشرت VDL News لقطة شاشة مقدمة كمقتطف – بدون ترويسة وغير كاملة – من رسالة بريد إلكتروني منسوبة إلى الجامعة الأميركية في بيروت والتي كان من الممكن أن ترسلها إدارة المؤسسة إلى الطلاب، وأعلنت الرسالة عن فتح عملية القبول للمنح الدراسية التي تغطي سنة دراسية في إطار برنامج محدد، موضحة أن حقيقة متابعة "دورات حول الهوية الجنسية" سابقًا لم تكن شرطًا أساسيًا ولكن مع ذلك تم الاعتراف بها عملية في الاختيار ".
وقد احتوت الرسالة على عناصر كثيرة كانت كافية لتستنتج VDL News أن "المنح المدرسية أصبحت حكراً على المنحرفين جنسياً" وأن "فضلو خوري رئيس الجامعة الأميركية في بيروت كان يروج للمثلية الجنسية في لبنان" عبر برنامج ممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID.
رد الجامعة
وقبل تناول رد الجامعة، لنوضح البريد الإلكتروني المنشور بناء على محتواه ، فوفقا للنص لا تفرض الجامعة، شروطًا جندرية على المتقدمين للحصول على كافة المنح والبرامج، ويتضح ذلك برسالة البريد الإلكتروني المتداولة نفسها، والتي تنص على وجوب حضور مساق الدراسات الجندرية لدى المتقدمين لبرنامج "رواد الغد بحاثة الجندر" فقط والذي تعرضه المنحة.
كما تنص الرسالة على أن حضور المساقات حول دراسات المرأة والجندر، ليست ضمن المتطلبات المسبقة للقبول في البرنامج، لكن حضور مساق في أحد تلك المجالات سيكون مطلوبًا أثناء حضور البرنامج، بالإضافة إلى المحافظة على معدل تراكمي لا يقل عن 3.0 في كافة الفصول الدراسية.
ووفقا لصحيفة "لوريون لو جور" وفي اتصال معها من قبل مصدر في المكتب الإعلامي للجامعة الأميركية في بيروت فقد نفى مرة أخرى الاتهامات الموجهة إليه، ووصفها بأنها "خارجة عن سياقها ولا أساس لها من الصحة"، وبحسب الجامعة، فإن هذه الادعاءات تأتي من "أشخاص مجهولين يسعون إلى الاستفادة من سمعة الجامعة الأميركية في بيروت".
وأوضحت أن برنامج مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية لرواد الغد بحّاثة الجندر، الذي يتضمن قسم الدراسات الجندرية، بأنه برنامج للمنح الدراسية بالتعاون مع المبادرة التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، لكن الجامعة أشارت إلى أنه مجرد واحد من العديد من برامج المنح الدراسية التي تقدمها الجامعة الأميركية في بيروت، والذي يتم من خلاله منح طلاب البكالوريوس الفرصة للتقدم إليه.
وفي بيان صحفي بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر، دافعت الجامعة الأميركية في بيروت عن نفسها من خلال تقديم الخطوط العريضة للبرنامج المعني، والذي يسمى مبادرة الشراكة الأميركية في الشرق الأوسط (MEPI) – برنامج قادة الغد، والذي يركز بشكل محدد على دراسات النوع الاجتماعي. ويتم تمويل هذا البرنامج، الذي اختتمت دورته السابقة في شهر تموز/يوليو الماضي، من قبل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، التي تستمد هي نفسها أموالها من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وتوضح الجامعة الأميركية في بيروت أن البرنامج "يعد برنامج قادة الغد الشباب للدعوة إلى إصلاحات السياسات التي تعطي الأولوية للتنوع والشمول، وتسهيل التحولات الديمقراطية الشاملة، وتشجيع مشاركة المرأة في القوى العاملة"، كما حدد البيان الصحفي أنه "تم تقاسمها مع الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) والجامعة الأميركية في القاهرة (AUC) وقد منحت حتى الآن أكثر من 500 منحة أكاديمية كاملة للطلاب المستحقين، فقط في الجامعة الأمريكية في بيروت".
ويؤكد البيان الصحفي أن "الجامعة الأميركية في بيروت لا تزال ملتزمة التزاما راسخا بمبادئها المتعلقة بحقوق الإنسان والكرامة". وخلص البيان إلى أنه "من خلال التعليم فقط يمكننا تحدي المعلومات المضللة وخلق مساحات وفرص مفتوحة للشباب في لبنان والمنطقة"، كما أكدت في بيانها أن لديها "التزامًا طويل الأمد بتمكين المرأة ودراسات النوع الاجتماعي"، لافتةً إلى أنها "أول جامعة في العالم العربي أتاحت فرص التعليم للنساء، وتقوم بتخريج قيادات نسائية من المنطقة منذ نحو مئة عام". ولم تتمكن صحيفة "لوريان لو جور" من الاتصال بمدير موقع VDL الإخباري للعودة إلى استنتاجاته المستندة إلى المقتطف غير الكامل من البريد الإلكتروني المنشور.
والحقيقة هي أن هذا هو البرنامج الثاني الذي يتم تمويله من خلال هيكل أميركي يدور حول موضوعات تعتبر تقدمية والذي تعرض لهجوم من قبل وسائل الإعلام في غضون أسابيع قليلة. وفي نهاية سبتمبر/أيلول، توقفت منظمة "Hardwired" الأميركية غير الحكومية - التي أسسها أحد أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي واستثمرت في مكافحة الظلم الاجتماعي والتمييز في العالم - برنامجًا حول "الشمولية"، تم تنفيذه بالتعاون مع وزارة الخارجية، ووزارة التعليم بعد تعرضه لهجوم في جدل مماثل.
ومن الجدير ذكره، أن برنامج "قادة الغد بحاثة الجندر" مستمر منذ العام 2020، وقد احتفلت الجامعة مؤخرا بتخريج 34 باحثا في الجندر، في الحفل الختامي الثالث وذلك في أوائل شهر تموز/يوليو الماضي.
وقد شهدت مظاهرة تدعو لحماية الحريات في بيروت هجومًا من قبل بعض الأشخاص الأسبوع الفائت من قبل أشخاص ينتمون إلى ما يسمى "جنود الفيحاء"، كما حاصرت ميليشيا "جنود الرب" المسيحية المسلحة حانةً للمثليين وهددت مرتاديها، كما تم تقديم اقتراحَيْ قانون منفصلين وفي آب/أغسطس2023، يُجرّمان صراحةً العلاقات الجنسية المثلية الرضائية بين الراشدين، ويعاقبان أيّ شخص "يروّج للمثلية الجنسية" بالحبس حتى ثلاث سنوات.
وأتى تقديم الاقتراحين في أعقاب سلسلة من حوادث الاعتداء خلال العام الماضي، وحظر وزاري غير قانوني للفعاليات المتعلقة بالمثلية، كما سبق أن وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات إنسانية أخرى، عشرات الانتهاكات بحق المثليين.
ورغم عدم تجريم السلوك الجنسي المثلي بالتراضي صراحةً في لبنان، تُعاقب المادة 534 من قانون العقوبات "كل مجامعة على خلاف الطبيعة" بالسجن حتى سنة واحدة، وذلك رغم سلسلة أحكام أصدرتها المحاكم بين 2007 و2018 وخلصت إلى أنّ العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي لا تشكل جريمة.
وكان قد قدّم تسعة أعضاء في مجلس النواب في يوليو/تموز2023، اقتراح قانون لإلغاء المادة 534، وتعرّض الموقعون منذئذ لحملة مضايقات عبر الإنترنت من قبل السلطات السياسية والدينية أدت إلى سحب أحدهم توقيعه.