أورد موقع Our World in Data مقالا تحت عنوان ملايين الحيوانات يتم ذبحها من أجل اللحوم يوميا، وقد وجد الموقع أن العدد هائل ويصل لمئات الملايين من الأطنان سنويا!
وعدا عن قتل مئات الملايين من الحيوانات من أجل اللحوم يوميا فإن حجم استهلاك البشرية للحوم سنويا يصل إلى 360 مليون طنا!
استهلاك الحيوانات
وقد فند الموقع بالتفاصيل الإستهلاك البشري معتبرا أن هذا الرقم كبير جدًا لدرجة أنه من المستحيل فهمه، وما يساعد في جعل هذه الأرقام أكثر ارتباطًا هو تحويلها من وزن اللحم إلى عدد الحيوانات، ومن الإجمالي السنوي إلى العدد اليومي، وهذا ما قام الموقع بفعله في الرسم أدناه، ويبين عدد الحيوانات من الأنواع المختلفة التي يتم ذبحها وبالمتوسط في أي يوم.
يتم ذبح حوالي 900 ألف بقرة يومياً، فإذا كان طول كل بقرة 2 متر، وسارت جميعها خلف بعضها البعض، فإن هذا الصف من الأبقار سيمتد لمسافة 1800 كيلومتر، وهذا يمثل عدد الأبقار التي يتم ذبحها كل يوم.
بالنسبة للدجاج، فالعدد اليومي كبير للغاية – 202 مليون دجاجة يوميًا، لفهم المقياس، من الأفضل خفضه إلى متوسط الدقيقة، حيث يتم ذبح 140 ألف دجاجة كل دقيقة.
أما بالنسبة لعدد الأسماك التي يتم قتلها كل يوم فغير مؤكد للغاية، ولكن على الرغم من ضخامة الشكوك، فمن الواضح أن عدد الأسماك التي يتم اصطيادها كبير للغاية، ومن المؤكد أن مئات الملايين من الأسماك تُقتل كل يوم.
وهنا نريد الإلتفات إلى المقياس الأخلاقي الذي بدأ الكثيرون في العالم الإتجاه إليه باعتماد النظم الغذائية النباتية، فإذا كنت تعتقد أن ذبح الحيوانات يتسبب في معاناتها وتنسب حتى قدرًا صغيرًا من الأهمية الأخلاقية إلى معاناتها، فإن المقياس الأخلاقي لهذا الواقع هائل.
فلا يتعلق الأمر بعدد حيوانات المزرعة التي تُقتل فحسب، بل يتعلق أيضًا بالمعاناة التي تحملتها أثناء تربيتها، حيث تتم تربية غالبية حيوانات المزرعة في العالم في ظروف مزرية، فمثلا، يتم احتجاز الخنازير في ظروف ضيقة ومرهقة، وتعيش حياة في حالة من الانزعاج والضيق المزمن، تحرم الأبقار من عجولها لإنتاج الحليب للاستهلاك البشري، وهي ممارسة تعاني منها الأم والعجل، كما يتم إخصاء (تعقيم) العديد من الحيوانات بدون مخدر، وغالبًا ما يتم نزع منقار الدجاج لمنعه من القتال مع الدجاج الآخر ما يسبب الإنزعاج والألم الشديد.
ما هي فوائد تقليل استهلاكنا للحوم؟
إنتاج اللحوم له عدد من الآثار السلبية الكبيرة على البيئة والحياة البرية وصحتنا، فعدا عن استهلاك المياه بكميات كبيرة للغاية، ما يترتب عليه ضغطا مائيا خصوصا في المناطق التي تعاني من الجفاف، ويساهم باستنزاف المياه من المسطحات المائية العذبة، عدا عن المساهمة بنسبة تقارب بربع الإنبعاثات الغازية المتسببة بالإحتباس الحراري، فضلا عن استخدام الأراضي، فمثلا تزال مناطق شاسعة من غابة الأمازون (رئة العالم) لاستحداث مزارع للماشية، وهنا فالضرر ضعفين، فعدا عن حرمان الأرض من "بالوعة" ومخزن للكربون، فإن هذه المساحات تتسبب بانبعاثات إضافية، وهناك غابات ومستنقعات تم تحويلها لأراض زراعية، ما أثر على التنوع البيولوجي الطبيعي، كما وأنه وفقا للموقع فإن نصف الأراضي حول العالم تستخدم في الزراعة.
وقد أورد الموقع في بيانات في مقال آخر، أن 94 بالمئة من الكتلة الحيوية للحيوانات في العالم في الماشية والدواجن، ما يعني أن نسبة كتلة الحياة البرية بالنسبة للحيوانات المدجنة هي 1/15، وهذه تدل على مقدار تدخلنا السلبي في الطبيعة!
ومن ناحية أخرى، فإن هذا يعني أن فوائد تقليل استهلاك اللحوم كبيرة، فماذا ستكون بعض هذه الفوائد؟
استخدام أقل للأراضي لأغراض الزراعة يساهم بزيادة التنوع البيولوجي
يعتبر استخدام الأراضي لأغراض الزراعة المحرك الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي. واليوم، يتم استخدام ما يقرب من نصف الأراضي الخالية من الجليد والصحاري في العالم للزراعة، ويتم استخدام معظم هذه الأراضي لأغراض تربية الماشية، ويصل إجمالي استخدام الأراضي العالمية لإنتاج اللحوم ومنتجات الألبان إلى 37 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل مساحة الأمريكتين بأكملها - من ألاسكا في الشمال إلى كيب هورن في الجنوب وبالتحديد في دولة تشيلي.
وقد أشارت الكاتبة في الموقع هانا ريتشي Hannah Ritchie في مقال آخر، إلى أنه إذا لم نقوم بأكل اللحوم، فمن الممكن تقليل مساحة الأراضي الزراعية من 4 إلى مليار هكتار، سيكون للتغييرات نحو تقليل استهلاك اللحوم فوائد كبيرة للحيوانات في جميع أنحاء العالم حيث يمكن أن تنمو الحياة البرية من جديد لتوفير موائل لها.
الفوائد التي تعود على المناخ العالمي
إن تقليل الاستهلاك العالمي للحوم من شأنه أن يساعد أيضًا في معالجة تغير المناخ، فهو سيقلل من الانبعاثات المباشرة الناتجة عن تجشؤ الأبقار وأوكسيد النيتروز من السماد، ولكنه سيقلل أيضًا من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتغيير استخدام الأراضي.
مقاومة أقل للمضادات الحيوية
إن تقليل استهلاك اللحوم في العالم من شأنه أن يقلل من استخدام المضادات الحيوية في تربية الماشية، وهي ممارسة تساهم في ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وهذا التخفيض يمكن أن يحافظ على فعالية المضادات الحيوية الموجودة وصحة الناس في جميع أنحاء العالم.
انخفاض خطر الإصابة بالأوبئة
تنشأ العديد من الأمراض المعدية في حيوانات أخرى، تخلق ظروف الكثافة العالية في العديد من مرافق إنتاج اللحوم بيئات مثالية لطفرة وانتشار مسببات الأمراض، فالحد من الاستهلاك العالمي للحوم من شأنه أن يقلل من خطر الإصابة بالأمراض الحيوانية المنشأ ومخاطر التعرض لجائحة أخرى.
معاناة أقل للحيوانات
بالعودة إلى نقطة البداية لهذا النص القصير، فإن استهلاك اللحوم الأقل يعني معاناة أقل للحيوانات، فمن الممكن أن يكون هذا المستقبل ممكنا بالحد من استهلاك اللحوم، ويجادل كاتب المقال ماكس روزر Max Roser أنه يستطيع أن يتخيل مستقبلاً، ينظر فيه أحفادنا إلى عصرنا، ويجدون صعوبة في تصديق أننا نعيش اليوم في عالم نقتل فيه مئات الملايين من الأسماك، و900 ألف بقرة، و1.4 مليون من رؤوس الماعز، و1.7 مليون رأس من الخراف، و3.8 مليون خنزير، و11.8 مليون بطة، وأكثر من 200 مليون دجاجة كل يوم!
خلاصة
لن ندخل في هذا المقال إلا بالبيانات الواردة، حول الماشية المدجنة التي يتم ذبحها يوميا، ولكن لا بد من الإشارة إلى الممارسات التي تحدث في بلدنا لبنان، لجهة الصيد الجائر، الذي يساهم في ندرة الطيور والحيوانات البرية إلى حد كبير، وهنا لا نشير إلى الصياد المسؤول الذي يعرف كيف يصطاد وماذا يصطاد، بل إلى كل من تسول له نفسه استخدام وسائل الصيد الجائر، كالدبق وأضواء الليزر، والإنارات الكهربائية ووسائل خداع عدة، بهدف قتل وليس اصطياد الطيور وغيرها، فهذه الوسائل لا تحرمها الشرائع السماوية فحسب، بل الحس الإنساني والمنطقي، فهي بكل ما تعنيه الكلمة "فطائس" أي مقتولة بصور تخالف الشرائع والإنسانية، وعددها هائل، يتجاوز وفقا لآخر بيانات 2,6 مليون طائر سنويا، وهو ما يساهم بانتشار الآفات الزراعية والأمراض، وخصوصا وأن هذه الطيور لاحمة أي تتناول الحشرات والزواحف فضلا عن تغذيها على الحيوانات النافقة التي تتسبب بالأمراض، ومن هنا ندق ناقوس الخطر ليقوم المعنيون في بلادنا وعلى مسارات الهجرة، باعتماد عقوبات رادعة بحق كل مخالف، لنحافظ على بيئاتنا بصورة سليمة.
بتصرف عن موقع Our World in Data