قد يمر خبر وفاة الطفل جود سمير حويجي علينا، كآلاف الأخبار التي تتناول الموت والقتل والبشاعات حول العالم، وقد نتأثر بهذا الأمر وغيره ولهنيهات، لنتلهى بحادث آخر، إلا أن الفتى الباسم في الصورة، وفق صفحة قريته العين في قضاء بعلبك في محافظة البقاع، والذي قضى بسلاح كان يلهو به في منزله وبين أهله، لازمتني وكان لا بد من مناقشتها على إحدى مجموعات التواصل الإجتماعي، حيث ناقشنا كمجموعة أسئلة لا بد من تناولها، فإلى متى علينا أن نسمح بهذه الحوادث التي تقتنص الطفولة والأبرياء؟ خصوصا وأنه قد بلغ عددهم أربعة هذا العام، فهذه القضايا لا يجب أن تمر مرور الكرام، ويجب أن يتم اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق من له صلة باقتناء الأسلحة واستخدامها بطريقة مستهترة!
فكيف يسمح أهله له باللهو بسلاح قاتل؟ كيف يقتنون هذه الأسلحة ويضعونها في متناول طفل؟ كيف سيتمكن أهله من العيش مع أنفسهم بعد هذه الحادثة المفجعة؟ وهل سنظل نختبئ كمجتمع ودولة خلف المماطلة والتسويف في هذا الملف؟ ومن سنحاسب بالنهاية، فهذه حادثة موت، لا تختلف عن حادثة موت بحادث سير أو خلافه، فلا بد من وقف لحوادث القتل المتسلسلة هذه، والبدء من مكان، وهو تقنين استخدام واقتناء الأسلحة مع العقوبة الرادعة للمخالفين، خصوصا وأن ضحاياها بمعظمهم متفرجون أبرياء أو أطفال، أو مارون بالمكان، كان سوء حظهم أو قدرهم أن وجدوا في هذه اللحظة بالذات!
ولكن هل نلوم القضاء والقدر؟ وهناك شخص سمح لابنه باللهو بسلاح قاتل؟ سمح له باستخدام بندقية الصيد لأنها عنوان الرجولة والفحولة؟ هل سنبكي بسمة هذه الطفل البرئ ونتجاوز الأمر دون أي تحرك أو محاسبة؟
الأهل جناة، ولكن الدولة التي سمحت بهذا الأمر مجرمة أيضا، وبجريمة "قتل مع الإصرار والترصد"، الحكومة التي تتلهى بكل شيء، وهناك طفل نزف حتى الموت لأنها لا تأخذ قرارا رادعا بوقف السلاح المتفلت بين البيوت والأحياء السكنية، وزارة الشؤون الإجتماعية التي يجب أن تحمي هؤلاء الأطفال، ووزارة التربية والتعليم التي لم تثقف الأطفال حول ظاهرة العنف ومواجهتها، ووزارة الداخلية التي لم تتابع تقنين الأسلحة على كافة أنواعها وخصوصا بنادق الصيد، ووزارة العدل والقضاة والمشرعون لقانون رادع في حالات الموت بالسلاح سواء إطلاقه فرحا أو حزنا أو خطأ، ومحاسبة كل من يعطي أو يحض طفلا على استخدام الأسلحة القاتلة بأي حجة!
ليس على المنظومة أن تتغير فحسب، بل على المجتمع ومسلماته وغيرها، وهنا أورد قصة قصيرة، حدثت معي خلال زيارتي للولايات المتحدة، فمن بين الهدايا التي أخذتها، لعبة لابن أخي الصغير، وكالعادة كانت عبارة عن جنود وبندقية وغيرها، فهي من المسلمات في مجتمعنا أن تقتني الطفلة دمية لتكون أما، والطفل بندقية وجنودا ليكون رجلا، وهنا انتاب احدى صديقات عائلة أخي نوعا من الهستيريا، وقالت هذه اللعبة مصيرها القمامة، لماذا تربون أطفالكم على العنف والقتل؟ وبالفعل اقتنعت برأيها ورميت اللعبة لأجلب له لعبة يمكنه فيها استخدام خياله وتفكيره.
ليس هذا المقال بهدف التجريم لهذه الممارسات المجتمعية فحسب، بل بهدف التوعية والتغيير البناء، فإن أردنا أن نصل إلى مجتمع حقيقي يحاسِب ويحاسَب، لا بد من البدء من العائلة، ولنتخذ هذه القضية وعلى دمويتها، بداية لتغيير إيجابي ونبذ العنف في بيوتنا ومجتمعاتنا وبلادنا.
ملاحظة: معظم الأفكار الواردة في هذا المقال، تمت مناقشتها حول القضية في مجموعة "المرصد الأخضر" التابع لموقع "زوايا ميديا" على موقع التواصل الإجتماعي "واتساب" للمهتمين بالإنضمام على الرابط "هنا" مع الشكر لجميع المشاركين ومنهم الناشطة في مجال الرفق بالحيوان غنى نحفاوي، الناشط روجيه سعد والأستاذ منير القنطار!