تشكل الأنواع الغريبة الغازية تهديدات عالمية كبرى للطبيعة والإقتصادات والأمن الغذائي وصحة الإنسان، وتجتاح هذه الكائنات الغازية النظم البيئية في كافة أنحاء العالم، وقد وجد فريق علمي تابع للأمم المتحدة في تقرير حول هذه الكائنات الغازية صدر يوم أمس 4 أيلول/سبتمبر، أن التكاليف الاقتصادية التي تترتب على هذا الغزو تبلغ الآن ما لا يقل عن 423 مليار دولار سنويًا في العام 2019، والتي تضاعفت 4 مرات منذ العام 1970، كما من المتوقع أن تتضاعف بهذه النسبة كل عقد من الزمان.
ويشير تقرير المنبر الحكومي الدولي المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية The Intergovernmental Platform on Biodiversity and Ecosystem Services (IPBES) لفريق مكون من 86 باحثًا من 49 دولة والذي يصدر تقييما مدته أربع سنوات، إلى أن التهديد العالمي الخطير الذي تشكله الأنواع الغريبة الغازية لا يحظى بالتقدير الكافي، أو التقليل من شأنه، أو عدم الاعتراف به في كثير من الأحيان، وأنه تم إدخال أكثر من 37 ألف نوع بسبب الأنشطة البشرية في جميع أنحاء العالم، ووجدت الدراسة أن الأنواع الغازية هي واحدة من أهم خمسة "دوافع مباشرة" لفقدان التنوع البيولوجي، إلى جانب التغيرات في استخدام الأراضي والبحر، والاستغلال المباشر للأنواع، وتغير المناخ، والتلوث.
وتناول هذا التقرير التأثيرات العالمية لنحو 3500 نوع غازٍ ضار يشكل تهديدا كبيرا على التنوع البيولوجي، وأشار إلى أن هناك 200 نوع غاز جديد يتم التبليغ عنه سنويا، وأن الكائنات الغازية تساهم بـ 60 بالمئة من الإنقراضات التي يتم الإبلاغ عنها سنويا، والمحرك الوحيد في انقراض 16 بالمئة منها في كافة أنحاء العالم، كما وجدت الدراسة أن ما لا يقل عن 218 نوعًا غريبًا غازيًا كان سببًا في انقراض أكثر من 1200 نوع، مشيرة إلى أن 85 بالمئة من تأثيرات الأنواع الغازية على الأنواع المحلية سلبية، كما أنه منذ العام 1970 تم التبليغ عن 37 بالمئة من هذه الكائنات الغازية حول العالم.
يؤكد مؤلفو التقرير على أن الأنواع الغريبة ليست جميعها تصبح غازية - فالأنواع الغريبة الغازية هي مجموعة فرعية من الأنواع الغريبة التي من المعروف أنها أصبحت راسخة ومنتشرة، والتي تسبب آثارًا سلبية على الطبيعة وفي كثير من الأحيان أيضًا على البشر، وهناك حوالي 6 بالمئة من النباتات، 22 بالمئة من اللافقاريات، 14 بالمئة من الفقاريات، ومن المعروف أن 11 بالمئة من الميكروبات الغريبة غازية، مما يشكل مخاطر كبيرة على الطبيعة والناس، وأن تأثير الكائنات الغازية الموثقة هي سلبية في 80 بالمئة من الحالات، كما تبين أن الأشخاص الذين يعتمدون بشكل مباشر على الطبيعة، مثل الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، معرضون لخطر أكبر، تم العثور على أكثر من 2300 نوع غريب غازي في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الشعوب الأصلية - مما يهدد نوعية حياتهم وحتى هوياتهم الثقافية.
وقالت البروفسورة هيلين روي Helen Roy، في مركز المملكة المتحدة للبيئة والهيدرولوجيا والرئيسة المشاركة في تقرير المنبر الحكومي الدولي، في بيان: "إن التهديد المتزايد المتسارع الذي تشكله الأنواع الغريبة الغازية على التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية والتنمية المستدامة ورفاهية الإنسان غير مفهوم بشكل عام، وسيقدم هذا التقرير الرسمي مساهمة كبيرة في سد الفجوات المعرفية الحرجة، ودعم صناع القرار وزيادة الوعي العام لدعم الإجراءات الرامية إلى التخفيف من آثار الأنواع الغريبة الغازية".
وقال البروفسور أنيبال باوتشارد Anibal Pauchard، الأستاذ في معهد تشيلي للبيئة والتنوع البيولوجي والرئيس المشارك للمنبر الحكومي الدولي: "الخبر السار هو أنه، في كل سياق وموقف تقريبًا، هناك أدوات إدارية وخيارات حوكمة وإجراءات مستهدفة ناجحة حقًا، فالوقاية هي الخيار الأفضل والأكثر فعالية من حيث التكلفة - ولكن الاستئصال والاحتواء والسيطرة فعالة أيضًا في سياقات محددة".
باوشارد: "يمكن لاستعادة النظم البيئية أيضًا تحسين نتائج إجراءات الإدارة وزيادة مقاومة النظم البيئية للأنواع الغريبة الغازية في المستقبل، في الواقع، يمكن أن تساعد إدارة الأنواع الغريبة الغازية في التخفيف من الآثار السلبية لمحركات التغيير الأخرى".
وقد أورد التقرير أمثلة لهذه الكائنات الغازية، حيث تكافح أستراليا منذ سنوات للتخلص من ضفدع القصب الغازي Cane toad (الظاهر في الصورة الرئيسية في هذا المقال)، ولكن دون جدوى، حيث تبيض الأنثى 30 ألف بيضة سنويا، وقد تم إدخال هذا الكائن من أمريكا الجنوبية والوسطى لأول مرة في ولاية كوينزلاند في عام 1935 للسيطرة على الخنافس التي كانت تدمر محاصيل قصب السكر المربحة.
وسرعان ما هرب إلى البرية، والآن، على الرغم من حملات الإبادة المنتظمة والوحشية في بعض الأحيان، قام بتوسيع مدى انتشاره عبر الساحل الشمالي والغرب.
وأشار التقرير إلى أن مثل هذه الأنواع تنشر أمراضًا مثل حمى الضنك، التي تنقلها البعوضة المصرية Aedes aegypti ، كما وتعرض الإمدادات الغذائية وسبل العيش للخطر، بتناقص خطير لأسماك التيلابيا نتيجة انتشار ورد الماء الغازي hyacinth عبر بحيرة فيكتوريا في أفريقيا.
وحذر التقرير من أن أزمة المناخ من المرجح أن تؤدي إلى تكثيف تأثير الأنواع الغريبة مثل الأعشاب، والتي تم إلقاء اللوم عليها بالفعل في الحرائق المدمرة التي اجتاحت هاواي الشهر الماضي.
ويقدم التقرير الأدلة والأدوات والخيارات لمساعدة الحكومات على تحقيق هدف عالمي جديد طموح بشأن الأنواع الغريبة الغازية، وأشار إلى أن تدابير الوقاية يمكن أن تساعد في وقف الغزوات البيولوجية المستقبلية.
وفي لبنان العديد من الأنواع الغازية، ونورد منها من الطيور طائر الماينا الغازي، ومن الأسماك سمكة الأسد والنفيخة، ومن النباتات اللانتانا Lantana camara التي رصدت في حمى المنصوري والتي تعد من أكثر النباتات الغازية انتشارا حول العالم، وكانت قد استقدمت لتزيين الحدائق والجرذ الأسود Ratus ratus وكثير غيرها، تحتاج للمزيد من الأبحاث للإطلاع على آثارها الإقتصادية وعلى التنوع البيولوجي في لبنان.
للإطلاع على التقرير كاملا هنا
الصورة الرئيسية من Queensland Department of Environment and Science/AFP