info@zawayamedia.com
إقتصاد

اكتشاف لمعدن الليثيوم في إيران... عامل استراتيجي محتمل لتغيير قواعد اللعبة!

اكتشاف لمعدن الليثيوم في إيران... عامل استراتيجي محتمل لتغيير قواعد اللعبة!

يعتبر معدن الليثيوم Lithium ورمزه الكيميائي Li، والذي يُطلق عليه نفط القرن الـ 21، مكونًا أساسيًا لصناعة بطاريات الأجهزة والسيارات الكهربائية، وقد ازداد الطلب عليه بشكل كبير ضمن توجه عالمي للطاقة النظيفة بهدف خفض الانبعاثات والتحول الأخضر، وبعد الإكتشاف لإحتياطيات كبيرة في محافظة همدان غرب إيران، فمن الممكن أن يشكل عاملا استراتيجيا محتمل لتغيير قواعد اللعبة لا سيما في مجال الإقتصاد الأخضر!


أهمية معدن الليثيوم


وقد تجد أستراليا نفسها على حبل مشدود سياسيًا واقتصاديًا حيث تتطلع الصين إلى تنويع خياراتها للنفط الجديد في عصرنا، بعد هذا الإكتشاف في إيران، خصوصا وأن اكتشاف إيران مؤخرًا لمخزون ضخم من الليثيوم - يحتمل أن يكون ثاني أكبر رواسب في العالم - أدى إلى إحداث موجات من الصدمة عبر مشهد التنافس العالمي على معدن الليثيوم العالمي، وسط التيارات المتغيرة لهذه التطورات، حيث تعتبر الصين أكبر مستورد ومعالج لليثيوم في العالم، ولا سيما في مجال تصنيع بطاريات الليثيوم، أما أستراليا فهي المصدر الرئيس لتزويد الصين به.


إحتياطات العالم من الليثيوم


وقد قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) احتياطيات الليثيوم المحددة في جميع أنحاء العالم في عامي 2020 و 2021 لتكون 17 مليون و 21 مليون طن على التوالي، ومن الصعب تقدير احتياطي الليثيوم في العالم بدقة. أحد أسباب ذلك هو أن معظم مخططات تصنيف الليثيوم تم تطويرها لرواسب الخام الصلبة، في حين أن المحلول الملحي عبارة عن سائل يمثل مشكلة في معالجته بنفس مخطط التصنيف بسبب التركيزات المتفاوتة وتأثيرات الضخ.


وتشير التقديرات إلى أن دولة تشيلي (2020) لديها أكبر احتياطيات حتى الآن (9.2 مليون طن)، بالمقابل فإن أستراليا لديها أعلى إنتاج سنوي (40 ألف طن)، كما توجد واحدة من أكبر قواعد احتياطي الليثيوم في منطقة سالار دي أويوني في بوليفيا، والتي تبلغ 5.4 مليون طن، ومن بين الموردين الرئيسيين الآخرين أستراليا والأرجنتين والصين، واعتبارًا من عام 2015، اعتبرت هيئة المسح الجيولوجي التشيكية جبال ركاز بأكملها في جمهورية التشيك كمقاطعة ليثيوم، حيث  تم تسجيل خمسة رواسب، أحدها بالقرب من Cínovec  والتي تعتبر وديعة اقتصادية محتملة، مع 160 ألف طن من الليثيوم، وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، أفادت شركة التعدين الفنلندية Keliber Oy أن رواسب الليثيوم Rapasaari قد قدرت احتياطيات الخام المؤكدة والمحتملة بـ 5.280 مليون طنا!


وفي حزيران/يونيو 2010، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الجيولوجيين الأمريكيين أجروا مسوحات أرضية على بحيرات الملح الجافة في غرب أفغانستان معتقدين أن رواسب كبيرة من الليثيوم موجودة هناك، وتستند هذه التقديرات " أساسًا إلى البيانات القديمة، التي تم جمعها بشكل أساسي من قبل السوفييت أثناء احتلالهم لأفغانستان من 1979 إلى 1989، وقد قدرت وزارة الدفاع أن احتياطي الليثيوم في أفغانستان يصل إلى تلك الموجودة في بوليفيا وأطلق عليها اسم "المملكة العربية السعودية من الليثيوم، وفي كورنوال بإنجلترا، كان وجود محلول ملحي غني بالليثيوم معروفًا جيدًا بسبب صناعة التعدين التاريخية في المنطقة، وقد أجرى مستثمرون من القطاع الخاص اختبارات للتحقيق في إمكانية استخراج الليثيوم في هذه المنطقة.


إيران والليثيوم


وبالعودة إلى إيران، فيُقدّر احتياطي الليثيوم على شكل أيوديد الليثيوم Lithium Iodide في إيران بـ 8.5 مليون طن، وفي ظل النمو المتزايد للطلب العالمي على الليثيوم، يشكل هذا الاكتشاف آفاقًا واعدة للاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت وطأة العقوبات الغربية والأميركية منذ زمن طويل، فضلا عن أن المعركة الإستراتيجية للسيطرة على سلاسل توريد الليثيوم الآن تحتل مركز الصدارة في المنافسة الجيوسياسية العالمية، ما يعكس النزاعات النفطية في العقود الماضية، وفي "مباراة الشطرنج" المستمرة هذه حول أمن سلاسل إمداد الليثيوم، تمثل احتياطيات الليثيوم الإيرانية عامل تغيير محتمل في قواعد اللعبة لاعتماد الصين الحالي على الموردين الأجانب مثل أستراليا والبرازيل وكندا وزيمبابوي، والتي تشكل 70-74 بالمئة من وارداتها من الليثيوم، في مواجهة حاجز من العقوبات الدولية، خصوصا من الولايات المتحدة، تمتلك بكين فرصة ذهبية محتملة لتقليل اعتمادها على مورديها الحاليين والاستثمار في صناعة الليثيوم الوليدة في إيران.


ويشير اكتشاف الليثيوم في إيران إلى أنه يجب تقييم ديناميات سلسلة إمدادات الليثيوم العالمية من منظورين زمني ومكاني، فمن المحتمل أن يؤدّي اكتشاف الليثيوم في إيران إلى تقليل اعتماد الصين على أستراليا التي تصدّر 95 بالمئة من احتياجات بكين من الليثيوم، وانطلاقا من هذا النقطة، يمكن لليثيوم الإيراني أن يصبح موازنة حاسمة ضد التحالفات الغربية ويساعد في تقليل اعتماد الصين على أستراليا وبلدان أخرى لاستيراد الليثيوم، وقد يسرع تخزين الليثيوم الإيراني التحول العالمي نحو مصادر الطاقة الأكثر نظافة.


وفي حال عززت الصين علاقاتها الاقتصادية مع إيران عبر مبادرة الحزام والطريق، يمكن إقامة شراكات واعدة تتعلق بسلاسل توريد مواد الطاقة النظيفة ومنها الليثيوم.


وحول معدن الليثيوم، أشار رئيس شركة تيسلا الأميركية للسيارات الكهربائية إيلون ماسك Elon Musk في تصريح، فإن العامل الأهم في إنتاج بطاريات الليثيوم ليست في السيطرة على موارد الليثيوم، ولكن في القدرة على المعالجة، بما في ذلك تنقية وتكرير عناصر الليثيوم"، وفي هذا السياق، تمتلك الصين مزايا تضعها في مقدمة منافسيها العالميين بسنوات، إن لم يكن عقوداً.


وعلى الرغم من عدم وضوح معالم الليثيوم الإيراني وموعد وتكلفة إنتاجه وتكريره، فإنه يحمل في باطنه إمكان تغيير مشهد سلاسل توريد الليثيوم العالمية، ليقل الاعتماد على أستراليا لصالح إيران.


وفي حال صحة حجم مخزون الليثيوم في إيران، ربما قد تجد أستراليا نفسها بين شقي رحى من الناحية السياسية والاقتصادية، فهي حليفة قديمة للولايات المتحدة، وقد تواجه ضغوطًا من قبل واشنطن لتحجيم صادرات الليثيوم إلى الصين، وهو ما سيؤدي إلى تصعيد حدة التوترات، واقتصاديًا، ربما يهدد اكتشاف الليثيوم في إيران استمرار أستراليا في تصدّر قائمة منتجيه في العالم.


وقد احتلت أستراليا المركز الأول بقائمة أكبر الدول المنتجة لليثيوم في العالم، بحجم إنتاج بلغ 61 ألف طن، أي ما يعادل 46.9 بالمئة من الإمدادات العالمية خلال العام الماضي 2022.


تحالف عالمي مستدام للمعادن النادرة


وبقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة لاعبين كبار مثل كندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة، تأسست "تحالف المعادن النادرة (الحرجة) المستدامة" Sustainable Critical Minerals Alliance  في العام 2022، وبهدف إزاحة الصين من موقعها السائد في سلسلة إمدادات الليثيوم العالمية، في هذا السياق، يمكن أن يقدم اكتشاف الليثيوم في إيران للصين حركة دفاعية حاسمة.


الصين والليثيوم


وليس دور الصين القيادي في مجال سلاسل المعادن النادرة مسألة صدفة، بل هو ثمرة لتخطيط استراتيجي مقصود، فهي دروس مستمدة من موقعها في وسط السلسلة العالمية لصناعة الحديد والصلب والتي أثرت في استراتيجياتها الصناعية في مجال التحول إلى الطاقة النظيفة، بما في ذلك المركبات الكهربائية وبطاريات الليثيوم، وفي مجال صناعة الحديد والصلب، تم جني معظم الأرباح من قبل شركات التعدين الفوقية مثل ريو تينتو Rio Tinto  وإف إم جي FMG الأستراليتين، ومن التطبيقات الفرعية مثل السيارات، في حين كانت حصة الصين، على الرغم من إنتاجها أكثر من 50 بالمئة من إنتاج الحديد والصلب العالمي، صغيرة نسبياً عندما يتم قياسها لكل وحدة من استهلاك الطاقة وساعات العمل.


وقد دفعت هذه التجربة جهود الصين للاستحواذ على مناجم الليثيوم في جميع أنحاء العالم، مما يبرز نواياها الاستراتيجية للسيطرة على اسلسلة الكاملة لليثيوم وتجنب موقف مشابه لموقفها في صناعة الحديد والصلب، وتتحكم شركتي غانفينج Ganfeng  وتيانكي Tianqi اللتين تعدان من أفضل خمس شركات في العالم في مجال الليثيوم، بنسبة 30 بالمئة من موارد الليثيوم العالمية (16 و 14 بالمئة على التوالي)، مما يؤكد دور الصين المحوري في السوق العالمي لليثيوم، وعلاوة على ذلك، أتاحت الأرباح المستمدة من تعدين الليثيوم لشركات معالجة الليثيوم الفرعية ومصنعي البطاريات زيادة استثماراتهم في التطوير التكنولوجي، مما يعزز من عمليات تكرير وتنقية الليثيوم، وكذلك إدارة النفايات، وذلك بدعم من السياسات الصناعية والدعم في الصين.


ويسلط اكتشاف الاحتياطات الجديدة من الليثيوم، سواء في إيران أو أفريقيا أو في مكان آخر الضوء على تناقض، ألا وهو أن السعي نحو الطاقة النظيفة يعتمد على عملية قد تلحق الضرر بالبيئة.


علما أن احتياطات الليثيوم في إيران لا تزال ملفوفة بالغموض، ومع ذلك تحمل القدرة على تعكير ديناميات القوى الحالية في سباق الليثيوم العالمي، ومع تعزيز الصين لروابطها الاقتصادية مع إيران من خلال مبادرة الحزام والطريق، تبدو احتمالية تكوين شراكات في سلاسل إمدادات التحول إلى الطاقة النظيفة، وتحديدا في إنتاج ومعالجة الليثيوم، واعدة بشكل متزايد، ومع ذلك، لم يتم تسجيل هذه الفرص بالكامل بعد، وتبقى تكاليف التعدين المرتبطة غير معروفة، والإنتاج المحتمل لا يزال مرتبطا بالتطورات في المستقبل، وبالتالي تأثيره الإقتصادي على المدى البعيد!


المصادر: Wikipedia، Lowy Institute ووكالات.


تمت الترجمة بتصرف في موقع "زوايا ميديا".


الصورة الرئيسية من مناجم للتعدين في تشيلي (AFP)

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: