إنها إحدى المبادرات المحلية الصغيرة التي يمكن أن تُفسّر كيف يمكن للمحفّزات الماليّة ان تكون طريقة فعّالة لتغيير عادات المجتمع. "دكانة الناس" عكست بطريقة أو بأخرى اتّجاه اللبنانيين الى تغيير عاداتهم في السنوات الاخيرة لما يمكن أن يخدم الحفاظ على البيئة والحدّ من السلوكيات المضرّة، وذلك في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية الحادّة التي بدأ يعاني منها لبنان منذ العام 2019.
"كنّا في صدد البحث عن بناء اقتصاد "يشبهنا"، يستطيع ان يزيد القدرة الشرائية للمواطنين اللبنانيين التي تآكلت بفعل التضخم الحاصل في الأسعار. هنا يمكنهم أن يحدّدوا بأنفسهم الكميات التي يحتاجونها وبأسعارِ منخفضة مقارنةً بالمتاجر المتبقّية. إضافةً الى أنّهم سيكتسبون عادات بيئيّة جيّدة ونمط حياة جديد صديق للبيئة".
أنور زين الدين، شابّ لبناني من بلدة غريفة قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، شارك على مدى سنوات في حملات بيئيّة عدة ونشط مع عدد من الشبّان على الصعيد الاجتماعي، فيما حاول معهم تكوين خلايا أزمة لتقديم الدّعم للمواطنين خلال الازمات الأخيرة.
منذ ثلاثة أشهر، عمد زين الدين مع شبّان آخرين وفي إطار تعاونيّ الى تنفيذ أحد المشاريع التضامنية المحلية على ارض الواقع بعد دراستها وتطويرها من كافة الجوانب. "دكانة الناس" هو المتجر الأوّل من نوعه في لبنان الذي يقوم على توفير سلع اساسية منها غذائية وأخرى من مواد التنظيف من خلال اتباع آلية جديدة في التغليف للحماية من التلوث البيئي بما يتناسب مع حاجة المستهلك، يقع في بلدة بعقلين قضاء الشوف.
كعضو مؤسس ومدير لـ "دكانة الناس"، يشرح زين الدين أنّ بناء النظام الداخلي لهذه المبادرة يقوم على أساس تعاوني ويؤمن هامش ربح ضئيل لضمان استمراريّة المتجر.
كيف يمكن لهذه المبادرة أن تحقّق فوائد بيئية؟
لعلّ أحد المبادئ الاساسية التي تقوم عليها هذه المبادرة هي تقديم خدمة تسوّق خالية من موادّ التغليف كالعبوات والأغلفة البلاستيكية، بحيث تسمح للزبائن بجلب أوعيتهم الخاصة من منازلهم لتعبئتها بالمنتجات التي يريدونها حسب حاجتهم الخاصة، مما يساهم في تقليل استخدام البلاستيك والابتعاد عن التغليف غير الضروري.
ولا يُحتسب وزن الأوعية الفارغة عند الدّفع، انّما يعمل أصحاب المتجر على احتساب وزنها قبل قيام المستهلك بتعبئتها لكي يدفع فقط كلفة محتوى العبوة.
يقول زين الدين : "نحن كناشطين بيئيّين، نُدرك تماماً الأثر السلبي لهذه الموادّ على البيئة، ولذلك فنحن نحاول أن نساهم بشكل أو بآخر أن نضع حداً لها من خلال مشاريعنا الصغيرة".
يمكن لتخفيف استهلاك البلاستيك والحثّ على إعادة استخدامها أن يصُبّ في خدمة البيئة وتقليل النفايات، فمادّة البلاستيك هي عبارة عن جزئيات كيميائية الصنع طويلة ومتكررة مما يجعل تحللها بشكل طبيعي صعبٌ للغاية وقد يستغرق أكثر من ألف عام.
وقد قدّرت الدراسات أن إنتاج البلاستيك يستهلك سنوياً حوالى 3 الى 5 بالمئة من مجمل الانتاج العالمي من النفط الخامّ. وتُعدّ النفايات البلاستيكية مصدر قلق بيئي رئيسي في العالم تسبّب في تدمير البيئة الحيوانية والنباتية والمائية.
وعلى الرغم من أنّ أعضاء المشروع يشجّعون على إعادة استخدام العبوات، فإنّهم يولون انتباهاً للموادّ الكيميائية كالكلور التي يمكنها أن تتفاعل مع البلاستيك وينبّهون المستخدمين من خطورة الأمر.
في السياق نفسه، يُشير زين الدين الى أنّ الاثر البيئي يمكن ان يظهر أيضاً على المدى البعيد عبر توفير كمية المحروقات التي يحتاجها نقل مواد ومنتجات مغلّفة : "نحن اليوم نستخدم وسائل نقل أصغر ليست بحاجة الى كميات كبيرة من الوقود".
وحتى اليوم، يُلفت النظر الى أنهم نجحوا في توفير 272 كيلوغرام من البلاستيك منذ انطلاق المبادرة، معتبراً أن هذه الأرقام هي خير دليل على حجم التأثير الذي يمكن أن تحصّله المبادرة في الأشهر المقبلة.
كيف تعاطى اللبنانيون مع هذه المبادرة؟
يشرح زين الدين كيف واجه وزملائه صعوبة في بداية المشروع لكسب ثقة الزبائن، خصوصاً لجهة جودة المنتجات التي لا تقلّ عن جودة المنتجات ذات العلامات التجارية المعروفة، لذلك عمد اغلبية الاشخاص في بادئ الامر الى تجربة كمية قليلة منها.
وعلى الرغم من ان عادات التسوق لدى اللبنانيين غالباً ما كانت تقترن باستهلاك العلامات التجارية المعروفة، يُوضّح أن نمط التسوق بدأ يتأثر بالازمة الاقتصادية الأمر الذي بدا واضحاً من خلال الاقبال الكبير الذي شهده المشروع، وُتابع : "المحفّز الاساسي لقسم كبير من المستهلكين هو ما يمكن تحقيقه من توفير مقارنة بالمنتجات في الخارج، أما القسم الآخر فَهُم من الناشطين البيئيين الذين يؤمنون بأهمية تلك المبادرات في التأثير الايجابي على البيئة".
من هنا، يؤكّد أن الازمة الاقتصادية لعبت دوراً بارزاً في تغيير عادات اللبنانيين التسوقية، أصبحوا اليوم أكثر اقتصاداً عندما يتعلق الأمر بالإنفاق وكذلك أكثر اتّباعاً للسلوكيات الصديقة للبيئة. عزّزت الأزمة بالفعل ثقافة الفرز وإعادة الاستخدام، وهي خطوات مهمّة يمكنها أن تساهم في الوصول الى مبدأ "صفر نفايات".
ماذا عن مستقبل المشروع؟
يؤكّد زين الدين أنّ خيار التوسّع في المشروع ليطال مناطق أخرى هو ضمن الأهداف التي يطمحون لتحقيقها في المستقبل، ويقول : "أطلقنا تجربة مصغّرة مشابهة للمشروع في مدينة صور لمعرفة ما إذا كانت قابلة للتطبيق، كما بدأنا العمل على التخطيط مع مجموعة من الشبّان في منطقة حاصبيا وأخرى في بيروت لدراسة إمكانية تطبيقها.
وأخيراً، رأى أن الحلول في تلك الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها لبنان لا يمكن أن تكون إلاّ تضامنية حتى تتمكّن من خدمة الاقتصاد والبيئة وتحارب الأفكار الخاطئة، مشدّداً على أن المجموعات وان كانت صغيرة تستطيع ان تؤثر بشكل كبير في المجتمع.
ملاحظة: تم إعداد هذه المادة كجزء من مشروع Her turnII الخاص بـ 15 من الصحافيات من أجل تغير المناخ من العراق وسوريا ولبنان، المقدم من منظمة Taz Panther Foundation.