مع التحول شبه الكلي لأغلب الانهار الفرعية لمدينة البصرة لمياه غير صالحة للاستخدام، خصوصاى مع تلوثها بمياه البزل (الصرف الصحي) وشحة المياه، تمكنت عالمة أحياء وبمبادرة مبتكرة من إستغلال أحد مستنقعات المياه الآسنة وتحويلها لهور (وهو مسطح مائي يتشكل في أراض منخفضة) مصغر، ما يساهم في زيادة المساحات المائية التي يمكن أن تشكل موئلا للنباتات والحيوانات وتساهم في التنوع البيولوجي.
تقضي عالمة الاحياء حليمة جبار الحاصلة على شهادة الماجستير والدكتوراه باختصاص زراعة الأنسجة النباتية والتقانات (التقنيات) الإحيائية ساعات عدة في المختبر بالعمل على التجارب والبحوث المفيدة للبيئة، تتلمس احدى النباتات التي زرعتها في حديقة الجامعة ثم تسرد عن شغفها وتقول "استهوتني فكرة حماية البيئة من التلوث، وتابعت عدة ابحاث لمعالجة مياه الصرف الصحي، وفي الوقت عينه، أستخدم تقنية زراعة الأنسجة واستعمال نباتات مائية طبية كنموذج للمعالجة الحيوية، وكنت أول من استخدام تقنية لتكثيف النباتات المائية بطريقة زراعة الانسجة النباتية على مستوى العراق حيث عملت على زيادة التحمل الملحي لنباتات العنطران وبربين الجداول التي باتت على حافة الانقراض من ضفاف شط العرب، حيث تابعت تجارب ساهمت في زيادة تحملها الملحي".
إنشاء الأهوار المصطنعة لا تحتاج مياه عذبة
وتابعت جبار: "راودتني فكرة مشروع الهور المصطنع عند مروري اليومي بالقرب من بوابة مركز علوم البحار التابع لجامعة البصرة، ورؤيتي المبزل بعد أن أصبح مرتعا للنفايات وعلب الماء الفارغة، وتتمحور حول طريقة لتحويل هذا المستنقع لشيء مفيد للبيئة، وفي يوم طلب منا تقديم فكرة لرئاسة الجامعة، فتقدمت بطلب لتنفيذ فكرة المشروع بإنشاء هور اصطناعي محاكي للبيئة في الأهوار الطبيعية، وقد تم قبول المشروع، وعملت على تنفيذه في العام 2020"
يشير الدكتور ساجد سعد النور عميد كلية الزراعة: "إن إنشاء الاهوار المصطنعة لا تحتاج مياه عذبة فلدينا كميات كبيرة من مياه البزل يمكن الاستفادة منها رغم السنوات غير الثابتة لمعدل هطول الامطار، فقد تأتي سنة رطبة تليها سنة جافة، ولكن من الممكن ان تعيد جزء من الأهوار الطبيعية".
محمية طبيعية بأنواع النباتات والكائنات الحية
وقد تمكنت جبار من إنشاء محمية طبيعية تشكل النباتات والكائنات الحية المتنوعة بيئة متوازنة وتغذية ذاتية ضمن نظام بيئي متوازن، حيث اجتهدت جبار في زراعة النباتات المتنوعة مثل الشعير، ورد الصباح بمختلف الوانه ونبات الالوفيرا وهو حاصل النباتات المكثرة نسيجيا في المختبر عن طريق الإكثار الطبيعي وتحمله ظروف قياسية صعبة، ويستخدم في التجميل لكونه نبات طبي ويساهم بانخفاض مستوى الكوليسترول والسكر في الدم خصوصا وأن هذا النوع من النباتات لا يتكاثر بالظروف الطبيعية وانما بطريقة زراعة الانسجة، حيث كل جزء قد يشكل مئتي نبات مستقل، ثم انتقلنا من زراعة الأنسجة إلى العبوات المزروعة الى البيئة النهائية، بعملية التقليم وثم نقلها بعد نجاحها بالسنادين الى الهور الصناعي، وهناك نباتات عاشت وتجاوزت مرحلة الأقلمة، ومنها زراعة القطن والحنة والياس والاگاف وأصابع العروس والعنطران والمانغروف وايبوميا المتسلقة والأقحوان وعين البقر ولعل أهمها الشعير الذي قدم كغذاء للأرانب التي تمت تربيتها في أقفاص، وكذلك الأسماك كالبلطي والمولي، والسلاحف، وأوز المزارع البيضاء، وقد شكلت جميع هذه الحيوانات والنباتات بيئة متوازنة وتغذية ذاتية فيما بينها في الهور".
امكانية انشاء هذا المشروع في أي مسطح مائي
ساهم المشروع في حماية البيئة المحيطة بالمركز وذلك بتحويل المبزل الذي يحتوي على مياه آسنة وحشرات ضارة الى بيئة نظيفة ومتكاملة حيث يتم سقي النباتات بالمياه التي تحتوي على فضلات الاسماك والطيور، وبالتالي عدم الحاجة للأسمدة كما يتم تغذية الطيور والاسماك من الفضلات العضوية التي احصل عليها من منتسبي المركز بقايا الطعام من خبز وخضروات، وهذا يستنتج منه امكانية انشاء هذا المشروع في أي مسطح مائي مثل مستنقع ضحل أو مجرى مياع لمياه الصرف الصحي بشرط عمل سياج لحماية المشروع من الحيوانات السائبة.
توعية نساء الارياف تقنيات طمر النفايات العضوية
تضيف جبار قمنا بحملة تطوعية وبجهود ذاتية انا وبعض التدريسيات من مختلف الاختصاصات لتوعية نساء الارياف لحماية البيئة في مناطق مختلفة من البصرة مثل القرنة وشط العرب والمناطق الشمالية، التي تتركز بها المناطق الريفية بطرق وتقنيات للتخلص من فضلات وبقايا الاكل، والاستفادة منه بطمره في الارض الزراعية وتوعيتهن بفائدة هذا الشيء، حيث ان طمر النفايات العضوية يتحلل بعد مدة في التربة ويحولها لتربة خصبة وغنية بالمواد العضوية، وكذلك يقلل من التبذير والهدر في الطعام ويحمي البيئة من التلوث، وبدل تحول هذه الفضلات الى بكتيريا وأمراض وفيروسات تعود بضرر على الصحة والبيئة، تطمر لتتحول مادة عضوية في التربة، فضلا عن عدم رمي العلب البلاستيكية وجمعها واعطائها لجماعة اعادة التدوير فهذه العلب غير قابلة لتحلل نهائيا، ولكن يمكن الإستفادة منها في معامل التدوير" .
تختم حليمة حديثها قائلة "بأيدينا نستطيع ان نحول بيئتنا لنظام بيئي نظيف ومتكامل وبتكاليف رمزية وزهيدة، وأطمح مستقبلا بتحويل البيئة الى جنة نظيفة وزرع المناطق الصحراوية بالنباتات المتحملة للملوحة والجفاف، ومعالجة مياه الصرف الصحي باستعمال أنظمة بيولوجية لري المزروعات" .