البصرة... وهي عاصمة محافظة البصرة في أقصى جنوب العراق، والغنية بالموارد الطبيعية، فضلا عن موقعها الجغرافي المتميز، حيث تعتبر العاصمة الإقتصادية للعراق، وعدا عن كونها سلة العراق الغذائية، تعتمد الدولة العراقية بنسبة كبيرة عليها لرفد ميزانيتها من خلال الصناعات الاستخراجية، وكذلك تتواجد في البصرة 4070 شركة مختلفة التخصص، إلا أن البصرة لا تعاني فحسب من هواء غير صالح للإستعمال، بل أنها ضحية الغاز المنبعث من منشآتها النفطية!
فهناك أكثر من 600 شركة نفطية تزاول عملها في البصرة مما يجعل المحافظة في خطر مستمر جراء الانبعاثات بسبب الصناعات الإستخراجية للنفط لا سيما خطورة الغاز المنبعث نتيجة هذه الصناعات على حياة الانسان، حيث يتسبب التلوث البيئي بأمراض مختلفة لكافة الفئات العمرية، بالإضافة إلى تشوهات خلقية لدى الأطفال، فضلا عن التلوث الذي طاول التربة والمياه والهواء مما يتسبب في زيادة الأمراض المزمنة ومنها الأمراض السرطانية.
دور الجهات الحكومية البيئية
وفي هذا المجال، قالت مديرة إعلام مديرية حماية وتحسين البيئة للمنطقة الجنوبية رشا عبد الحسين: " يوجد في البصرة سبعة حقول نفطية تنتج النفط، وعلى مقربة من المناطق السكنية وتعتبر من اهم مصادر التلوث للتربة التي تتعرض بشكل متواصل للمخلفات النفطية، مما يؤدي الى تعرضها الى التصحر وقلة الغطاء النباتي، وعند تطاير المواد المنبعثة من هذه الصناعات في الجو يستنشقها الاهالي، وهو ما يشكل تحديا رئيسيا وخطرا على صحة الانسان".
وأضافت: "من أسباب التلوث أيضا المياه الناتجة عن الشركات النفطية وتشمل مياه الصرف الصحي، ومحطات الكهرباء التي تصب في مياه شط العرب، علما أن العراق هو ثاني بلد بحرق غاز ثاني أوكسيد الكاربون بعد روسيا، حيث تعتبر السحب والدخان نتيجة الاستخراج النفطي من أكثر العوامل التي تؤدي الى الإصابة بالأمراض المختلفة وتحديدا الامراض الخبيثة".
وأشارت عبد الحسين إلى أن " الاحصائيات لدى دائرة صحة البصرة تنفي ان تكون العوامل السابقة هي اسباب الاصابات الكثيرة التي تبلغ ألفي حالة في السنة، حيث يعتبر هذا معدلا طبيعيا بالنسبة للدول المجاورة، وبالنسبة للمحافظات الأخرى، ولكن لا يجب أن ننسى أن الخدمات المقدمة وزيادة الوعي والكشف المبكر تساهم في متوافقة، بينما في العراق، وفي جميع محافظات البلد توجد إصابات سرطانية متقدمة، مما يؤدي إلى الموت بشكل سريع لعدم الكشف المبكر عن الامراض".
وتشير الدراسات إلى أن العراق يخسر جراء انبعاث الغاز المصاحب لاستخراج النفط 12 تريليون دينار بسبب هدر تلك الطاقة والإهمال المتعمد، كما تشير احصائية للمنظمة الالمانية العراقية لحقوق الانسان ونتيجة دراسة تم رصدها 1650 حالة سرطان وحالات إصابة بالربو ومن ضمنها حالات وفاة نتيجة التلوث البيئي في مناطق شمال البصرة.
المواطن على خط التماس
ويسكن محمد علي وهو مواطن بصري شمال المحافظة، قرب الحقول النفطية، وتعاني عائلته من الإصابة بأمراض السرطان حيث تعاني زوجته منذ 6 سنوات مع اخيه وابن اخيه من آثار هذا المرض القاتل، وينتقد علي سياسة الشركات النفطية بعدم وجود بيئة خضراء مجاورة للحقول، ويقول "عدم احترام مبادئ حقوق الإنسان، وذلك بعدم توفير مراكز صحية تخصصية لمعالجة الأمراض التي سببتها وتسببها الشركات النفطية، حيث يتسبب تلوث الهواء في موت الحيوانات والقضاء على الثروة الزراعية حيث تم هجر الأراضي الزراعية بسبب سيطرة الشركات النفطية عليها".
خبراء البيئة بين التحليل وتشخيص المشكلة
وقال الخبير البيئي خالد سليمان في حديثه لموقع "زوايا ميديا" محللا الوضع العام:" بشكل اساسي تعد الصناعة النفطية وصناعة الغاز وكذلك الفحم من المصادر الأساسية التي تتسبب بالاحترار العالمي، هذه المصادر الثلاثة هي مصادر غير متجددة تسمى بالوقود الاحفوري، ومنذ القرن التاسع عشر الى اليوم تساهم في المزيد من الانبعاثات الى الغلاف الجوي، مما أدى إلى كثافة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ما نتج عنه الإحترار العالمي الذي نراه في كل مكان، ليس في الدول النفطية فحسب بل في جميع انحاء العالم لأننا لا نملك سوى غلافا جويا واحد وكوكبا واحدا ".
وأشار سليمان إلى أن " أي نشاط صناعي في أي بلد كان، سواء في الصين أو العراق او أي بلد آخر، له تأثير مباشر على الكوكب وعلى الغلاف الجوي وبالتالي على البيئة والمناخ، واذا تحدثنا عن العراق، فبالإضافة إلى مساهمة العراق في الانبعاثات الحرارية بسبب الصناعة النفطية، هناك ايضا آثار أخرى لهذه الحقول النفطية والتلوث الناتج جراء الصناعة النفطية إذ تنعكس بنتائج سلبية وتعود بالأخطار على الصحة العامة، التربة، مصادر المياه، والإقتصاد ووغيرها، فعلى سبيل المثال جميع المناطق الجنوبية التي تتواجد فيها حقول نفطية هي مساحات وأراضٍ واسعة تفتقد الى الغطاء النباتي وتفتقد الى خصائص بيئية تساهم في تحسين وضع السكان المحللين الساكنين في تلك المناطق بالإضافة إلى المساهمة في المزيد من الإنبعاثات".
وختم سليمان " يعد العراق من البلدان الرئيسية في توليد المزيد من الانبعاثات، بالإضافة لخمس دول في منطقة الشرق الأوسط وهي مصر وتركيا وإيران والعراق والسعودية وذلك بسبب الصناعات النفطية والصناعات الأخرى بشكل عام ".