فيما كان العالم بصدد التغلب على جائحة كورونا، قبل نحو عامين، ظهر خطر "جديد" على الصحة العامة، حيث بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن فيروس غير معروف، اسمه جدري القردة (أم بوكس).
تحول هذا المرض بسرعة، وأصبح محل اهتمام العالم، فبينما كان يسبب إصابة بضع عشرات فقط من الناس سنويا، أضحى يصيب أكثر من 87 ألف شخص حول العالم، معظمهم في بلدان ليس لها تاريخ سابق مع الإصابة به.
أدى ذلك، إلى إعلان منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الجدري حالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية في 23 تموز (يوليو) 2022، ولكن بعد بلوغ الذروة في أواخر صيف عام 2022، انخفضت الحالات بشكل كبير وبعد عشرة أشهر فقط، تم الإعلان عن انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة.
فهل كان تفشي مرض الجدري مجرد تهديد عابر؟ وهل هناك سبب للاعتقاد بأن تفشيا عالميا آخر مثل العام الماضي قد يحدث؟
يقول خبراء تحدثوا للإذاعة الأميركية العامة "آن بي آر" إن مرض الجدري لم يختف بعد. وربما لم يسمع كثير من العالم عن مرض الجدري حتى العام الماضي، رغم أنه كان موجودا منذ أكثر من 50 عاما.
وتم اكتشاف المرض لأول مرة في القرود ومن هنا جاء الاسم الأصلي لجدري القردة، الذي غير بعدها ليصبح "جدري أم بوكس".
ولعقود من الزمان، كانت حالات الإصابة بالجدري نادرة الحدوث، وتسجل في الغالب عند الأطفال الذين من المحتمل أن يكونوا قد لامسوا حيوانا مصابا، يُفترض أنه قارض أو أي حيوان ثديي صغير آخر.
"ثم تغير شيء ما في المعادلة"، يقول ديمي أوغوينا، الطبيب النيجيري الذي حذر العالم من مرض الجدري قبل سنوات من ظهوره القوي عام 2022.
ويلفت الرجل قائلا "في عام 2017، بدأنا نرى تفشي مرض الجدري سنويا في نيجيريا" ومنذ تلك السنة، تم الإبلاغ عن مئات الحالات الجديدة لمرض الجدري في نيجيريا.
بدلا من الأطفال، كان العديد من مرضى الجدري في نيجيريا رجال بالغين من الطبقة المتوسطة الذين يعيشون في المدن.
كان المصابون يعانون من الثآليل والبثور حول أعضائهم التناسلية بدلا من وجوههم وأطرافهم، مما دفع أوغوينا للاشتباه في أن مرض الجدري ينتشر عن طريق الاتصال الجنسي.
في أيار (مايو) 2022، بدأ هذا الفيروس الذي كان محصورا في إفريقيا بالظهور في أماكن أخرى. وتم الإبلاغ عن عدة حالات في المملكة المتحدة، ثم أصيب عدة أشخاص في أكثر من 100 دولة.
ديميتر داسكالاكيس، نائب منسق فريق البيت الأبيض الوطني للاستجابة لمرض الجدري، قال: "في الولايات المتحدة تم الإبلاغ عن أكثر من 30 ألف حالة العام الماضي".
وبحلول نهاية عام 2022، أبلغت نيجيريا عن أكثر من 800 حالة مؤكدة، وهو "أكثر بكثير من الحالات التي تم الإبلاغ عنها في السنوات الخمس السابقة"، كما يقول أوغوينا.
ويشير الرجل أيضا إلى أن هذا العدد، من المحتمل أن يكون أقل من الواقع بالنظر إلى المشكلات التي تواجهها نيجيريا مع مراقبة ومتابعة الأمراض.
وأوضح أوغوينا أنه تم العثور على ما يقرب من 98 بالمئة من الحالات في الرجال المثليين وثنائيي الجنس النشطين جنسيا وغيرهم من الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال.
تراجع كاذب؟
يوجد لقاح فعال ومعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وهو لقاح "جينيوس" Jynneos، متكون من جرعتين مصمم لمنع العدوى.
وعلى الرغم من انخفاض عدد الحالات في نيجيريا ودول أفريقية أخرى، فإن مختصين يرون بأن العديد من الحالات تمر دون الإبلاغ عنها.
يقول أحد الخبراء "أعتقد أن هذا تراجع كاذب" ثم يتابع "أعتقد أنه في نيجيريا والعديد من البلدان الأفريقية الأخرى لدينا انتقال مستمر".
يوافق الدكتور أميش أدالجا، خبير الأمراض المعدية والباحث البارز في مركز جامعة جونز هوبكنز للأمن الصحي، على أن الحالات لا تُحصى في جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية، على الرغم من أنه يقول إن الوضع قد تحسن خلال العام الماضي.
ويقول أيضا "لقد زادت القدرة التشخيصية لمرض الجدري في كل مكان وأصبح لديك اهتمام أكبر به أكثر من ذي قبل" ثم يتابع "وعلى الرغم من أن اختبار الإصابة غير كافٍ، إلا أنه على الأرجح أفضل الآن مما كان عليه في أي وقت مضى".
منظمة الصحة العالمية أيضا تشارك تلك المخاوف، ففي ندوة عبر الإنترنت استضافتها المنظمة الأممية في 28 حزيران (يونيو)، أقر خبراؤها أن "تفشي المرض محليا لم ينته بعد" خصوصا في إفريقيا حيث المراقبة غير كافية.
لذلك، فإن نهاية حالة الطوارئ الصحية العامة أثارت قلق أوغوينا من أن الاهتمام العالمي بمرض الجدري سينخفض، مما يترك البلدان الأفريقية للتعامل مع هذا المرض بمفردها.
في المقابل هناك مختصون أكثر تفاؤلا بأن يظل مرض الجدري يحظى بالاهتمام المستمر الذي يستحقه، ويقول أحدهم تعليقا على هذه المخاوف "في عام 2023 لا يزال هناك وعي بمرض الجدري، حتى دون إعلان حالة طوارئ صحية عامة"، بحسب "الحرة".