قبل أيام أطلقت الفنانة الشابة أنجي شيا أغنيتها الجديدة بعنوان "قهوة صباح الخير"، وهي من كلمات الشاعرة سهام الشعشاع، ألحان سليم سلامة، وأرفقتها بفيديو كليب حمل توقيع شقيقها المخرج الشاب أمير شيا، في أوّل إطلالةٍ مباشرةٍ له في هذا المجال، بعد مجموعةٍ من الأعمال التي طرح من خلالها رؤيته الفنية الخاصة.
تمتلك أنجي موهبةً في الغناء بالفطرة، وأنقل عنها قولها إنها بدأت الغناء قبل أن تجيد نطق الكلمات، دون أن نغفل الرعاية والتوجيه اللذين لقيتهما من والديها الإعلاميين وسام شيا وهيام أبو إسماعيل، والإشارة كذلك إلى إصرارها على إتمام مشوارها العلميّ الذي قطعت مختلف مراحله بتفوّق، وصولاً إلى نيلها إجازةً في الإعلام والتواصل، كما أنها لم تستكن إلى امتلاكها الموهبة، بل صقلتها بالدراسة الموسيقية عزفاً وأصول غناء، لتبدأ مشوارها واثقة الخطى.
مع أغنية "قهوة صباح الخير" تستكمل أنجي مسيرةً فنية بدأتها قبل سنوات، تتميّز بأربع سمات يمكن لمتابعيها ملاحظتها: الأولى هي التأنّي المدروس؛ فلم تستعجل التقاط أيّ كلام ولحن لمجرّد القول "أنا هنا فاسمعوني"، وراكمت بالتالي خبرةً أنتجت المزيد من القدرة على حسن الاختيار. الثانية هي الرصانة والرقيّ، فلم تنجرف أنجي في موجةٍ تكاد تكون سائدة لدى الوجوه الفنية الجديدة، بل حرصت على أن تعكس أغنياتها شخصيتها كشابةٍ تمتلك مقوّماتٍ تجيد توظيفها، من دراسة علمية، وخبرة عملية، وقدرة على التفاعل الإيجابيّ والتواصل البنّاء، وعلى طرح أفكارها الخاصة وإجادة مناقشة الآخرين أفكارهم. الثالثة هي التنويع، فلم تحصر ذاتها في إطار الشابة الجميلة أو المعشوقة أو العاشقة أو القوية أو الرومانسية الحالمة أو المتمرّدة، وهو ما عكسته خياراتها وأفكار وكلمات أغنياتها. والسمة الرابعة هي وضع هدف والسعي الجدّي والمدروس إلى تحقيقه، وصعود السلّم درجةً فدرجة، بدءاً من خوضها في البدايات تجارب التحدّي مع كتّاب أغنية وملحنين مغمورين، وصولاً إلى تعاملها مع شعراء وملحنين معروفين، نذكر منهم الشاعرة سهام الشعشاع والملحنين سليم سلامة وجهاد عقل وزياد برجي.
المخرج الشاب أمير شيا
الصورة توأم الصوت
تأتي الرؤية الإخراجية لأمير شيا متوائمةً مع صوت وشخصية أنجي، ومحتضنةً لكلمات الشعشاع ومنسجمةً مع لحن سلامة، ومجسدةً لتلك السمات الآنفة الذكر، فلا بهرجة ولا صرعات ولا مبالغة أو بهرجات، ولا بذخ في غير محلّه. هنا نشعر أننا لسنا أمام صيغة تعامل تقليدية بين نجمةٍ ومخرج يقول لها "بتأمري ستنا"، أو تقول له "مثل ما بتأمر يا أستاذ"، بل يأخذنا هذان الشقيقان إلى لعبةٍ شيّقة بينهما يمارسانها بعفوية - معطوفة على حِرفية - لنرافق في هذا الفيديو كليب "أنجي" التي تعمل نادلة في نزلٍ في إحدى القرى اللبنانية، وتترقّب بفارغ الصبر دعوة حبيبها لها إلى فنجان "قهوة صباح الخير" يتناولانه معاً ليس في مقهىً يعجّ بالروّاد، بل وسط الطبيعة، وفي صندقٍ مكشوف لـ "بيك آب"، حيث ينضمّ إليهما رفاقٌ يماثلونهما عمراً ورغبةً في المرح، قبل أن يكتشف السائق وجودهم ويقوم بمطاردتهم في حركةٍ تلقائية للكاميرا تنتقل بنا بين المناظر الطبيعية، وتدور على تعابير الوجوه المسكونة ببراءة الحب وتوق النفوس إلى المرح، كما في مشهد رمي الحبيب وردةً لحبيبته تصيبها في وجهها، بدل تقديمها لها بأسلوبٍ رومانسي معهود، وكما في الأجواء الراقصة والبسيطة التي تجمع هؤلاء الشباب خلال سهرة نار في الهواء الطلق، وليس وسط صخب وأضواء نايت كلوب.
أنجي شيا
الأساس في هذه التوليفة الناجحة هو كلمات الشاعرة سهام الشعشاع، التي تمتلك قدرةً فريدة في سكب المفردات لترسم صوراً مبتكرة، تماماً كما تنسكب القهوة في الفنجان، قبل أن تخلّف تلك الرسوم التي تطرح أسئلةً وتفضح أمنياتٍ وأحلاماً نبصّر في قراءة معانيها وأبعادها، ويُضاف إلى ذلك نجاح سليم سلامة في رصف نوتاتٍ موسيقية تنقّلت فوقها الكلمات والعبارات بسلاسةٍ ممهورة بحنجرة أنجي التي تؤكد حضورها أكثر فأكثر، وتجعلنا نلمس تبلور قدراتها وخياراتها أغنيةً بعد أغنية.