info@zawayamedia.com
إقتصاد

الجفاف: معضلةٌ تهدّد مزارعي لبنان!

الجفاف: معضلةٌ تهدّد مزارعي لبنان!

من بلدة جنوب لبنان، تنطلق رحلتنا لاكتشاف أوضاع صغار المزارعين في ظلّ أزمة الجفاف التي يتأثّر بها لبنان من بين دول عدّة، في الوقت الذي تغطي فيه الاراضي الزراعية المستغلة أكثر من ربع مساحة لبنان الاجمالية، حيث تُعد الزراعة قطاعاً حيوياً يشغّل ما بين 20 الى 30 بالمئة من العمالة.


وقد اختصرت معاناة مزارعي التبغ في بلدة "عيتا الشعب" في قضاء بنت جبيل، محافظة النبطية، مشكلة امتدّت على صعيد قطاع الزراعة برمّته، حيث بدا لهم أنّ الندرة في سقوط الأمطار هذا العام انعكست سلباً على محاصيلهم الزراعية.


مقارنةٌ بسيطة بين العامين 2020 و2022 تُظهر لنا حالة تغيّر الأراضي الزراعية التي أخذت تُسجّل انخفاضاَ تدريجياً في كميّة الانتاج. الأمر كفيلٌ بتجسيد عناء المزارعين، حيث تشكّل زراعة التبغ مصدر رزق عائلات بأكملها.


No photo description available.


آب /أغسطس 2020 


May be an image of grass


آب /أغسطس 2022


في هذا السياق، يقول المزارع علي نصّار ان "العوامل الطبيعية أثّرت بشكل سلبي على الانتاج الزراعي، مشيراً الى ان "دونم الارض الواحد الذي كان ينتج ٢٠٠ كيلو غرام على الاقل، لن ينتج هذا العام اكثر من٥٠ كيلو".


بدوره، لفت مزارع التبغ عباس جعفر الى أنه على الرغم من تسميد الارض، الا أن التربة لم تمتص الاسمدة، مما اثر على نمو شتلة التبغ التي تعتمد بالدرجة الاولى على مياه الامطار والتي توقفت بدورها عن الهطول منذ منتصف شهر آذار/مارس 2022.


وتشكّل رقعة الأرض هذه صورة مصغّرة لما يُمكن أن يعانيه لبنان بأكمله، لذلك وجُب أن نسأل : ما أثر الجفاف على القطاع الزراعي في لبنان؟


عوامل تفاقم من أزمة الجفاف في لبنان


وُصف الجفاف على أنه واحد من أكثر الأخطار المستعصية بالنسبة للبلدان النامية، بحسب أمانة الأمم المتحدة المشتركة بين الوكالات المعنية بالاستراتيجية الدولية للحدّ من كوارث الجفاف.


ويعرّف بأنه فترة من عدم كفاية الموارد المائية التي تنجم عن انخفاض هطول المطر، مما يؤدي الى نقص المياه اللازمة لنشاط ما أو جماعة أو قطاع بيئي.


وعليه، يُشكّل تدنّي مستوى هطول الأمطار عاملاً أساسياً في حدوث موجات الجفاف. الاّ أن الموارد المائية في لبنان تتعرّض للضغط بسبب عوامل عدة، تأتي على الشكل التالي :


May be a graphic of map and text


تأثير الجفاف على القطاع الزراعي في لبنان


ان القطاع الزراعي في لبنان هو أكثر القطاعات استهلاكاً للمياه اذ يستخدم 60 بالمئة من اجمالي المياه العذبة المستهلكة في المنتجات الزراعية، وذلك بحسب تقرير بحثي نشره معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت.


يُشير الخبير والمهندس الزراعي سليم مراد الى ان القطاع الزراعي يعاني اليوم من ازمة حقيقية ومن المتوقع ان تزداد خلال الاعوام المقبلة، أما السبب فيعود الى عوامل عدة منها : الجفاف، فقدان المواد الاولية على مستوى العالم، وغلاء مستلزمات الزراعة.


ويشرح لنا مراد ان انقطاع مياه الامطار منذ النصف الاول من شهر آذار في لبنان أدى الى تأثير سلبي على الكثير من المحاصيل الزراعية، فعادةً ما تستمرّ الامطار بالهطول في لبنان حتّى النصف الثاني من شهر آذار/مارس والنصف الاول من شهر نيسان/أبريل.


تضاؤل هطول الأمطار.. السبب الوحيد؟


يُشير الاستاذ الجامعي في كلية الزراعة داني عبيد الى أنه بالاضافة الى تضاؤل كمية الأمطار عن السنوات السابقة، من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار التغيّر في توزّع كميات الأمطار خلال السنة. ويوضح :"بسبب عدم الاستقرار المناخي، فإنّ هطول الأمطار في غير أوانها (أي النصف الثاني من شهر نيسان/أبريل والنصف الاول من شهر أيار/مايو) يُصيب الموسم الزراعي بأضرار مادية جسيمة، ويتسبّب بتلف بعضها، وكذلك الأمر، فإنّ عدم هطول الأمطار في مواسم معيّنة ينعكس سلباً على المزروعات".


وتابع: "على سبيل المثال، تنتظر زراعة الزيتون امطار نصف ايلول/سبتمبر أو أوائل تشرين الأول/أكتوبر، فإذا تأخر هطول الأمطار تأثرت انتاجيتها، اضافة الى ذلك، أن كمية استهلاك المزروعات للمياه تعدّ عاملاً مهماً، حيث أن بعض الزراعات معرّضة لنقص كميّة انتاجها مع الوقت بسبب استهلاكها الكبير للمياه مثل التفاح، ويُضيف :"نحنُ بتصديرنا انتاج التفاح، نقوم بتصديرٍ غير مباشر لمياهنا".


ما هي الزراعات الأكثر تأثراً؟


يستبعد عبيد أن تكون الاشجار المثمرة قد لاقت ضرراً كبيراً، ويشير الى أن الأثر الأكبر للجفاف كان على مستوى الزراعات البعليّة مثل القمح، الحمص، الشعير، التبغ. اضافة الى الأشجار البعلية كالزيتون.


مع الاشارة الى أن الزراعات البعلية هي التي تعتمد بالكامل على الأمطار المحلية، بعكس الزراعات المروية التي تعتمد على المياه الجوفية أو مياه الأنهار والمسطحات المائية.


المناطق الأكثر تأثراً


أشارت دراسة أجريت في العام 2016 تحت عنوان "تغير المناخ في لبنان: آثار إقليمية واسعة النطاق" مصدرها القطاع الزراعي الى أنّ القطــاع الزراعي هو الاكثر تأثرا بالتغير المناخي في لبنان اذ سيشهد انخفاضاً مستمراً فــي الانتاجية بقيمة 105.9 مليار ليرة لبنانية بحلول عام 2030.


ومن حيث التداعيات على المناطق المختلفة، أكّدت هذه الدراسة أن القطاع الزراعي سيكون أكثر تأثراً في المحافظات الجنوبية، التي تضم جنوب لبنان والنبطية مع تراجع بنسبة 66.9 بالمئة و98.9 بالمئة على التوالي، نظراً لهشاشة مزيج المحاصيل التي تحتوي هناك على نسبة عالية من المحاصيل الصناعية، وهو النوع الاكثر هشاشة.


في ظلّ أزمة الجفاف، كيف يمكننا العمل على استدامة نُظم الزراعة؟


يعدّد مراد 4 دعائم أساسيّة يجب مراعاتها لتحقيق الاستدامة في الزراعة، وهي :


- زيادة الانشطة للتكيّف مع تغيير المناخ وتشجيع الاستثمارات الخاصة بما يتلائم مع ما هو ممكن


- العمل على ترشيد الموارد كالمراعي والغابات والاحراج والثروة السمكيّة


- زيادة كميات المياه لاستخدامها من خلال برك زراعية وسدود، والتقليل من هدر المياه


-استخدام الطاقة المتجددة


هل من حلول لأزمة الجفاف؟


في الواقع ، يؤكّد عبيد أن الطبيعة في تغيّر دائم، وبالتالي فإنّ البحث يجب أن يتركّز حول ايجاد تقنيات


مناسبة للتأقلم مع أزماتها. ويضيف : "يجب ايجاد الطرق المناسبة لتجميع الامطار التي تهطل في غير موسمها الطبيعي، مع اهميّة ترشيد استخدام المياه"، لافتاً الى "وجود طريقة جديدة بدأ استخدامها في دول أخرى كقبرص والسعودية، وهي الاستمطار الاصطناعي التي تقوم على إجراء بعض التغييرات في الطقس مما يؤدي إلى هطول أمطار.


وأشار عبيد الى أن "هناك تجارب تجري اليوم في بشري - شمال لبنان، للتمكّن من تجميع قطرات المياه من الضباب".


يبدو لنا من كلّ ما سبق أن أزمة الجفاف في لبنان باتت معضلة يُخشى أن تزداد سوءاً، خصوصاً لما يمكن أن تتركه من أثر سلبي على قطاع الزراعة. وإن تواجدت الحلول، فهل ستكون كافية لوضع القطار على سكّة العمل دون تدخّل فعّال للدولة من أجل تطبيقها؟

كلارا نبعة

كلارا نبعة

صحافية

تابع كاتب المقال: