وصف سوريون معارضون عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وترحيب القادة العرب برئيس النظام، بشار الأسد، بـ "خذلان من المجتمع الدولي" للقتلى والمشردين في الحرب السورية خلال أكثر من عقد.
وقالت الناشطة السورية - البريطانية رزان صفور (30 عاما) لصحيفة واشنطن بوست "لقد خذلنا المجتمع الدولي"، حيث كان حضور الأسد في قمة الزعماء العرب التي استضافتها جدة، الجمعة، بمثابة "انتصار رمزي لمنبوذ سياسي سابق" متهم باستخدام أسلحة كيميائية واستهدف مستشفيات ومدنيين في حرب مستمرة منذ 12 عاما.
ورغم ترحيب دول خليجية بعودة الأسد إلا أن بعضها كانت داعمة لتدريب وتسليح فصائل معارضة للإطاحة بالأسد، ولكن استطاع النظام السوري وبدعم من ميليشيات إيرانية والقوة الجوية الروسية استعادة جزء كبير من المدن.
وأنهى حضور الأسد للقمة العربية عزلة عربية فرضت عليه منذ اندلاع النزاع في البلاد العام 2011 إثر قمع قوات النظام لاحتجاجات شعبية ضخمة طالبت بتنحيه.
في بداية اجتماع جدة، رحب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للجامعة العربية، بعودة الأسد، بحسب موقع "قناة الحرة".
وقال "يسرنا حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة"، مضيفا "نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها".
من جانبه قال الأسد في كلمته "ونحن نعقد هذه القمة في عالم مضطرب، فإن الأمل يرتفع في ظل التقارب العربي العربي والعربي الإقليمي والدولي والذي توج بهذه القمة".
وأضاف "أتمنى أن تشكل القمة بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن في مـا بيننا للسلام في منطقتنا والتنمية والازدهار بدلا من الحرب والدمار"، معتبرا أنها "فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي".
وتشير الصحيفة إلى أن العديد من السوريين الذين عانوا من الحرب، يرون في إعادة تأهيل الأسد "خيانة" لما عانوا منه، وكأن ما عاشوه من أهوال تم "محيه من الذاكرة" والتاريخ تماما.
وفاء علي مصطفى (32 عاما) التي اضطرت للهرب من سوريا إلى ألمانيا قالت "بدلا من تحميل الأسد المسؤولية عن جرائمة البشعة.. يتم الترحيب به ويكافأ كما لو أن 12 عاما من المعاناة وإراقة الدماء لم تحدث قط".
وتشير إلى أن "والدها علي مصطفى كان يعمل بائعا للفواكه ولكنه اختفى بشكل قسري على أيدي نظام الأسد منذ تموز (يوليو) 2013"، مؤكدة أن عودة تطبيع العلاقات مع الأسد "لا تعني السلام" في سوريا.
وقال المحامي، أنور البني، الذي يساعد في ملاحقة السوريين المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب في ألمانيا لوكالة رويترز "الهدف من خطوة التطبيع هذه هو نشر اليأس والإحباط في صفوف السوريين".
وأضاف أن السجلات الهزيلة للقادة العرب في مجالي حقوق الإنسان والديموقراطية جعلت من عودة الأسد أمرا متوقعا، مضيفا أن دعم الدول الخليجية للمعارضة السورية صب في النهاية لصالح الأسد من خلال تحويل جماعات المعارضة إلى جماعات متشددة قامت بدورها بقمع أي ميول أو نشاط ديمقراطي داخل صفوفها.
وأشار إلى أن دفء العلاقات بين القادة العرب والرئيس السوري لا يثير قلق الكثير من السوريين في أوروبا من حدوث تقارب مماثل بين الغرب والأسد بسبب وجود عقبات قانونية.
وأضاف "بالنسبة لأوروبا.. الخطوات القانونية اللي اتخذت باتهام بشار الأسد و60 واحد من مجموعته من قيادته الأمنية والسياسية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أوروبا وصدور مذكرات توقيف بحق عدد منهم هو مانع قانوني الآن وليس سياسيا فقط. مانع قانوني من إعادة تأهيل المجرمين".
وحكمت محكمة ألمانية العام الماضي بالسجن مدى الحياة على ضابط سابق في المخابرات السورية لإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أول إدانة بحق متهمين بالتعذيب مدعومين من الدولة خلال الحرب الأهلية السورية.
ويشعر العديد من السوريين بأن قضيتهم أصبحت "منسية" إذ تحول انتباه العالم إلى أزمات أخرى "جائحة كورونا، الغزو الروسي لأوكرانيا".
وتظاهر مئات السوريين، الجمعة، في مدن عدة خارجة عن سيطرة السلطات في شمال وشمال غرب البلاد، احتجاجا على مشاركة الأسد في القمة العربية، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
وخرج المئات إلى الساحات في مدن أعزاز وعفرين والباب تحت سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها.
في مدينة أعزاز، هتف متظاهرون "الشعب يريد إسقاط النظام"، أحد أبرز الشعارات التي رفعت خلال احتجاجات العام 2011. ورفع المتظاهرون لافتات عدة كتب على إحداها "دول التطبيع والتطبيل، إن كنتم تظنون أن الثورة انتهت فأنتم واهمون".
وفي مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، تظاهر المئات تحت شعار "سوريا لا يمثلها الأسد المجرم"، وحملوا لافتات كتب عليها "لا للتطبيع".
ووجهت إحدى المتظاهرات وتدعى، حلا إبراهيم، برسالة للدول العربية تقول إن ما حصل هو "نقطة سوداء تضاف إلى ملفاتكم".
وأودى النزاع المتواصل، بأكثر من نصف مليون شخص وشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. وتحولت سوريا إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية.
وتتطلع الدول العربية إلى أداء دور في التوصل إلى حل سياسي للنزاع رغم أن الطريق لا يزال طويلا أمام تسوية سياسية في بلد مقسم، تتنوع القوى المسيطرة فيه.