info@zawayamedia.com
لبنان

الشرموقراطية

الشرموقراطية


للتوضيحِ قبل التفسيراتِ الموجَّهة، الشرموقراطيةُ تعني ديمومة ‏منظومة الشرّ. والإسمُ - احتراماً لحقوق الملكية الفكرية - من ‏إبداعاتِ الزميل بشارة شربل رئيس تحرير صحيفة "نداء ‏الوطن" اللبنانية.


لبنان، إذاً، هو الشرموقراطيةُ الأكبر في العالم حالياً. مثلثٌ، ‏ضلعُه الأولّ "شرُّ" سلطةٍ مستطير ضدّ جميع اللبنانيين، المغلوب ‏على أمرهم منهم أو المغسولة أدمغتهم. شرٌّ وَصَلَ إلى التباهي ‏بأخْذ البلد إلى جهنم وإفقار الناس والإمعان في إذلالهم، لبس فقط ‏بحاضرهم بل بمستقبل أجيالهم، حيث انقطعتْ التحويلاتُ ‏للدارسين في الخارج ولم يَعُدْ في الإمكان متابعة التعليم في ‏الداخل، وانهار سوق العمل، كما الماء ينسلّ من ثقوبِ المنْخل، ‏مع هروبِ الشركات وإفلاسها.‏ ‎ ‎


شرٌّ تَمَثَّلَ في استغلالِ معاناة الناس باتجاه حشْرهم في مساحاتهم ‏الطائفية المقيتة كون زعيم الطائفة وعطاياه ومِنَحِه وإكرامياته ‏قد يكون "تصبيرةً" في غياب الدولة، ناهيك عن أن بعض ‏المنظومات الطائفية تؤمّن رواتبَ متفاوتةً لمَن يُقْسِمُ بالروح ‏والدم على فداء الزعيم أو القائد أو الأمين.‏ ‎ ‎


أما المنظومةُ الحاكمة (مو)، فهي اتفقتْ على أمريْن لا ثالث ‏لهما: الشراكةُ في المَناصب والسرقات والصفقات وحصص ‏المساعدات الخارجية، وبالتالي إن تَحَقَّقَ هذا الأمرُ فإن الميثاقيةَ ‏بخيرٍ والبلدُ بخير، أو تهديدُ الاستقرارِ كلّ لحظةٍ إن تم اختراقُ ‏هذه الشراكة، فتصبح الميثاقيةُ في خبرِ كان والطائفةُ في خطرٍ ‏وحقوقُ المجموعات الدينية مُنْتَهَكَة. لا يقال في لبنان إن سلوكَ ‏هذا المسؤول أو ذاك أَوْصَلَهُ إلى الخسارةِ مثلاً، بل يَختبئ خلْف ‏طائفته ويُطْلِقُ نفيرَ "يا غيرة الدين" وتَصْدَحُ شعاراتٌ من وَزْنِ ‏ممنوعٌ ضرْبُ الطائفة، والفيديراليةُ وأخواتُها هي الحلّ. أما ‏المُضْحِكُ المُبْكي فهو أنه إذا ربح المسؤولُ في ميدانِ السلطةِ ‏يَتَصَدَّرُ بشخصه وتتوارى الطائفةُ ويقال إنه أذكى مَن فيها وإنه ‏ديناميكي وخبيرٌ وشاطرٌ ورؤيوي ومُلْهِمٌ ويستحقّ كل الثروة ‏التي هبطتْ عليه والعقارات التي امتلكها.‏ ‎ ‎


الضلعُ الأخير من المثلث، "قراطية"، أي ديمومة كراسي ‏المنظومة الحاكمة في لبنان. ومن المفارقات أن هذا الضلع هو ‏الإطارُ الأقوى الذي صَمَدَ رغم كل حملاتِ التراشُق والتخوين ‏وحتى الاشتباك المسلّح وسقوط ضحايا. هو الضلعُ الذهبيّ الذي ‏فَرَضَ الاتفاقَ وشَبْكَ الأيادي من فوق، بينما البلد يتدحْرج إلى ‏قاع جهنّم من تحت. أما نظريةُ أن لا مصلحةَ للمنظومةِ في ‏ديمومة التوافق على الانهيار كونه سيطال الجميع، فهذا كَذِبٌ ‏بيّنٌ وذرٌّ للرماد في العيون. فقط راقِبوا أبناء الزعماء وأحفادهم ‏أين يتعلّمون، وما هي الشركات التي يديرونها، وفخامة مَساكنهم ‏‏... لا حساباتهم في المَصارف جُمِّدَتْ ولا كهرباء انقطعتْ ولا ‏تَأثَّرَ أحدُهم بتحليقِ الدولار.‏ ‎ ‎


عودةٌ سريعةٌ الى انتفاضة 17 تشرين الأول (اكتوبر) عام ‏‏2019 توضح كيف تَوَحَّدَتْ المنظومةُ أمام طوفانٍ يهتف "كلّن ‏يعني كلّن". صار شعارُ "أوعى خيّك" ميثاقَ الجميع مِن أقصى ‏اليسار إلى أقصى اليمين مروراً بالتشكيلات المذهبية. ميثاقٌ ‏عنوانُه أن نبقى متّحدين ضد الانتفاضة كي لا تؤسس لحالةِ ‏رفْضٍ نهائيةٍ للمنظومةِ الحاكمةِ، وبعد إضعافها نعود إلى ‏متاريسنا السياسية.‏ ‎ ‎


الشرموقراطية هي ديمومةُ كراسي منظومةِ الشرّ في لبنان وليس ‏تَداوُل السلطة الحضاري والعلمي بالمعنى الذي أرادتْه ‏الديموقراطية، وهي تتجلّى في مسرحيةِ انتخابات الرئاسة وكأن ‏هذا الاستحقاق سَيُحْدِثُ فارقاً بين سين وجيم من المرشّحين ... ‏قواعدُ المنظومةِ حوتٌ يبتلع المبادرات والاستثناءات إن ‏حصلتْ.‏


كان نظامُ الممانعةِ في لبنان يَعتبر أن إسرائيل "شرٌّ مُطْلَق". ‏وبَدَلَ أن يردَّ عليها بدولةِ المؤسسات والعدالة والخير، اعتمد ‏الشرموقراطية وكأنه يريد تخصيبَها داخلياً إلى الحد الأقصى ثم ‏تصديرها للآخَرين ... لتدميرهم.‏


علي الرز – مستقبل ويب

"زوايا ميديا"

قسم التحرير

تابع كاتب المقال: