info@zawayamedia.com
بيئة

تسارع مقلق في ذوبان جليد القطب الجنوبي... ما دور الإحتباس الحراري؟ الجزء الثاني

تسارع مقلق في ذوبان جليد القطب الجنوبي... ما دور الإحتباس الحراري؟ الجزء الثاني

في تتمة للمقال المنشور سابقا، وفي الجزء الثاني منه حول تسارع ذوبان الجليد في القطب المتجمد الجنوبي (أنتاركتيكا)، فمن الجدير ذكره أن الدراسة الثانية التي أجراها باحثون أستراليون واستأثرت باهتمام عالمي، لدرجة أنها وكما ذكرنا كانت من العناوين الأبرز التي غطت على قضية لائحة اتهامات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خصوصا وأن حالة التسارع هذا قد تشكل حالة طوارئ بيئية وفقا لللباحثين.


فما يحدث في القطب الجنوبي لا يبقى في القطب الجنوبي وفقا لعالم جليد القطب الجنوبي البلجيكي فرانك باتين Frank Pattyn، ومع ارتفاع درجة حرارة المحيط، يذوب جليد القطب الجنوبي. يتدفق الماء الدافئ تحت الرفوف الجليدية، أي الحواف العائمة للغطاء الجليدي في أنتاركتيكا، لتذوب من الأسفل، وهذا يجعل الأرفف الجليدية أرق وأكثر عرضة للانهيار، وخصوصا في الجهة الجنوبية للقارة القطبية.


وعلى الرغم من دوره في تنظيم حرارة الأرض، يلعب ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي وهو أحد غازات الاحتباس الحراري دورا هاما في الإحترار المناخي، فإن كميته تتزايد، غالبًا نتيجة احتراق الوقود الأحفوري. في عام 2021، كان هناك المزيد من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي أكثر من أي وقت خلال الثمانمئة ألف عام الماضية.


وفي هذا المجال، فقد كان شهر آذار/مارس الماضي الشهر 529 الأكثر حرارة في التاريخ، فأنتاركتيكا تعاني من تغير المناخ بشكل أكبر. فإن ارتفاع درجات الحرارة عند خطوط العرض العليا أقوى بكثير من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية، وهو ما يساهم بزيادة الحرارة التي تتسبب بذوبان الثلوج في القطب تُعرف هذه الظاهرة بـ "التضخيم القطبي" Polar amplification لا سيما في القطب الجنوبي، أي أن معدل زيادة الحرارة في القطب هي أضعاف تلك في المناطق الأخرى في العالم، فالغطاء الجليدي البالغ من العمر 34 مليون عام وفقا للدراسات يتجه نحو انهيار جزئي طويل الأمد، ستستغرق العملية عقودًا وعلى الأرجح بعد نهاية هذا القرن.


وفي ثمانينيات القرن الماضي، فقدت القارة القطبية الجنوبية ما معدله 40 مليار طن من الجليد سنويًا، وبحلول عام 2020، زاد هذا بأكثر من ستة أضعاف، ليصل إلى 252 مليار طن سنويًا، وتاريخيًا، كان تساقط الثلوج الجديد وفقدان الجليد متوازنين تقريبًا وحافظ الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا على كتلة ثابتة. اليوم،  وقد وصل انخفاض الكتلة الجليدية إلى أقصى مستوى بمعدل 15 بالمئة خلال شباط الماضي، ويتزايد معدل فقدان الجليد ويتقلص الغطاء الجليدي بشكل أسرع كل عام، وقد يصل إلى نقطة اللاعودة.


الدراسة الثانية


وقد تمحورت الدراسة الثانية وفقا لتغريدة على حساب العالم ماثيو إنغلاند حول أن زيادة المياه الذائبة حول القارة القطبية الجنوبية والتي يتسبب بها الإحترار المناخي العالمي، مهيأة لإبطاء دوران تيار المحيط في الأعماق abyssal ocean circulation ودوران المياه في المحيطات حول القارة القطبية الجنوبية بشكل كبير (حوالي 40 بالمئة) بحلول العام 2050، مع إمكانية انهيار محتمل لهذه المنظومة في نهاية هذا القرن، إن لم يتم كبح هذه الإنبعاثات.



ويعد دوران المحيط السحيق abyssal ocean circulation مكونًا رئيسيًا للدورة الانقلابية العالمية global meridional overturning circulation، بما في ذلك دورة الحرارة، والكربون، والأكسجين، والمغذيات في جميع أنحاء محيطات العالم، وقد لوحظ أقوى اتجاه في التاريخ في المحيط السحيق لجهة الاحترار عند خطوط العرض الجنوبية المرتفعة، ومع ذلك فمن غير الواضح ما هي العمليات التي أدت إلى هذا الاحترار، وما إذا كان هذا الاحترار مرتبطًا بتباطؤ دوران المحيط، علاوة على ذلك، فإن ربط هذا التغيير بدوافع معينة أمر صعب بسبب القياسات المحدودة، ولأن النماذج المناخية المقترنة تظهر تحيزات في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، لا يزال التغيير المستقبلي غير مؤكد.


وبقدر تدفق تيار القطب الشمالي أكبر بمئة مرة من نهر الأمازون، قال أحد مؤلفي الدراسة: "في الماضي، استغرقت هذه التدفقات أكثر من 1000 عام أو نحو ذلك لتغييرها، لكن هذا يحدث خلال بضعة عقود فقط، وهي طريقة أسرع مما كنا نظن أن هذه التدفقات يمكن أن تتباطأ."


ومع أحدث توقعات نماذج المناخ المنسقة التي لا تأخذ في الاعتبار ذوبان الغطاء الجليدي الديناميكي، فقد استخدمت الدراسة نموذجًا عابرًا وعالي الدقة مقترنًا بين المحيط والجليد البحري لإظهار أنه في ظل سيناريو الانبعاثات العالية، فمن المتوقع أن يتسارع الاحترار السحيق على مدار الثلاثين عامًا القادمة، وقد وجدت الدراسة أن مدخلات المياه الذائبة حول القارة القطبية الجنوبية تؤدي إلى تقلص مياه قاع القارة القطبية الجنوبية (AABW)، مما يفتح مسارًا يسمح للمياه العميقة القارية الدافئة بوصول أكبر إلى الجرف القاري، ويؤدي الانخفاض في تكوين AABW إلى الاحترار والشيخوخة في المحيط السحيق، بما يتفق مع القياسات الأخيرة، في المقابل، فإن الرياح المتوقعة والتأثير الحراري لهما تأثير ضئيل على خصائص وعمر وحجم AABW. تسلط هذه النتائج الضوء على الأهمية الحاسمة لمياه الذوبان في القطب الجنوبي في إحداث تغييرات في دوران المحيط السحيق، مع آثار على الكيمياء الجيولوجية الحيوية للمحيطات العالمية والمناخ مع ما يرافقه من ارتفاع في منسوب مياه البحار، والتي يمكن أن تستمر لقرون ولا رجعة فيها.


وقد قام فريق من العلماء الأستراليين من جامعة نيوساوث ويلز  University of New South Wales بفحص تيار المحيط العميق (على عمق حوالي 4  آلاف متر) والذي ينشأ في المياه الباردة والعذبة والكثيفة التي تغرق أسفل الجرف القاري لأنتاركتيكا وتنتشر إلى أحواض المحيطات حول العالم.


وفي هذا المجال، قال البروفيسور مات إنغلاند  Matthew England، من مركز أبحاث تغير المناخ بجامعة نيو ساوث ويلز والمؤلف المشارك للبحث المنشور في دورية Nature، إن "تيار أعماق المحيط بأكمله يتجه نحو الانهيار في مساره الحالي"، وأنه "في الماضي، استغرقت هذه التدفقات أكثر من 1000 عام أو نحو ذلك لتغييرها، لكن هذا الأمر يحدث خلال عقود قليلة فقط حاليا، إنها طريقة أسرع مما كنا نظن وبأن هذه التدفقات يمكن أن تتباطأ"، وخلص إلى نتيجة مرعبة قائلا: "نحن نتحدث عن الانقراض المحتمل على المدى الطويل لكتلة مائية مميزة".


ووفقا للدراسة فمع ارتفاع مستويات سطح البحر، سيتم غمر جزء كبير من الأرض تحت الماء. إذا ذاب كلا الصفيحتين الجليدية، سيرتفع مستوى سطح البحر العالمي بحوالي 68 مترًا. هذا من شأنه أن يضع معظم أوروبا تحت الماء، إلى جانب أجزاء كبيرة من آسيا وكندا وأميركا الجنوبية.


وقد تطرق البحث إلى ما يمكن أن يحدث في أعماق المحيط حول القارة القطبية الجنوبية إذا تمت إضافة المياه العذبة الذائبة من الصفائح الجليدية إلى النمذجة المناخية، وافترضت النمذجة الخاصة بالدراسة استمرار انبعاثات غازات الدفيئة العالمية على مسارها الحالي، لكن إنغلاند قال إن "انخفاض الانبعاثات يمكن أن يقلل من كمية ذوبان الجليد الذي - بدوره - يمكن أن يبطئ الانخفاض"، حيث يرتبط التباطؤ في تيار المحيط العميق بكمية المياه التي تغرق إلى القاع ثم تتدفق شمالًا، وتتجه نحو محيطات العالم.


كان الدكتور كيان لي Qian Li، الذي كان يعمل سابقًا في جامعة نيو ساوث ويلز والآن في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، المؤلف الرئيسي للبحث الذي نسقه إنغلاند.


لم تحاول الدراسة شرح أو تحديد التأثيرات غير المباشرة، لكن المؤلفين كتبوا أن التباطؤ "سيغير بشكل عميق عملية انقلاب الحرارة والمياه العذبة والأكسجين والكربون والمغذيات في المحيط ات، مع آثار محسوسة في جميع أنحاء المحيط العالمي لقرون".


وأكد الباحثون إن تيارات أعماق المحيطات أثرت على المناخ في جميع أنحاء العالم، مع احتمال حدوث تحول جذري في هطول الأمطار، وقال إنغلاند إن تباطؤ تيار أعماق المحيط تسبب في ارتفاع درجة حرارة المياه العميقة.


وعندما تصبح هذه المياه العميقة معزولة، يمكن أن تتسبب بعد ذلك في زيادة حرارة المحيط العلوي حول القارة، مما يؤدي إلى بدء حلقة تغذية مرتدة حيث يؤدي المزيد من الذوبان إلى تباطؤ التيار المتسارع، مما يؤدي بعد ذلك إلى مزيد من التسخين وذوبان المزيد من الغطاء الجليدي.


قال إنغلاند إن المياه العميقة التي تسخن بأسرع ما يمكن في الدراسة كانت في نفس المناطق - خصوصا في غرب القارة القطبية الجنوبية - حيث كانت الصفائح الجليدية معرضة بالفعل بالذوبان، مضيفًا أن التباطؤ يؤدي فعليًا إلى ركود في أعماق المحيط، مما يحرمه من الأكسجين ويؤدي إلى نفوق الكائنات الحية.


عندما تموت الكائنات الحية في المحيط، فإنها تضيف العناصر الغذائية إلى مياه المحيط التي تغرق في القاع وتدور حول محيط العالم، يتم إرجاع هذه العناصر الغذائية في التيارات المائية التي تغذي العوالق النباتية - وهي أساس السلسلة الغذائية البحرية، وتباطؤ هذه التيارات مع المياه العذبة التي تطفو على السطح وتمنع تمازج السطح مع القاع مع عملية إفقار بالأوكسجين، قد تؤدي إلى ركود وزيادة المياه الآسنة وبالتالي نفوق الكائنات التي تتواجد في تلك المناطق.


وأخيرا وفقا للتقييم السادس لـ "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC) حول وضع القطب الجنوبي وغرينلاند، فإنه من المتوقع أن يزداد هذا الذوبان عند مستويات الاحترار المستمر بين 2 درجة مئوية و 3 درجات مئوية،


وقد تفقد الصفيحة الجليدية غرب أنتاركتيكا بالكامل تقريبًا وبشكل لا رجعة فيه على مدى آلاف السنين ؛ كما وأن احتمال الخسارة الكاملة ومعدل فقدان الكتلة تزداد مع ارتفاع درجات حرارة السطح.


 

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: