info@zawayamedia.com
بيئة

تسارع مقلق في ذوبان جليد القطب الجنوبي... ما دور الإحتباس الحراري؟ الجزء الأول

تسارع مقلق في ذوبان جليد القطب الجنوبي... ما دور الإحتباس الحراري؟ الجزء الأول

لم تكن قصة لائحة اتهامات ترامب القضية الأكبر الأسبوع الماضي، فقد استأثرت دراستان حديثتان مقلقتان حول تغير المناخ والإحتباس الحراري وتأثيرهما على تسارع ذوبان الكتلة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية أو "أنتاركتيكا"  Antarctica بالإهتمام الكبير، خصوصا لجهة مساهمتها بارتفاع مستوى البحار في العالم، ما يدل على زيادة الوعي لدى عموم الشعب بالقضايا المصيرية للكوكب ولا سيما البيئية منها.


وسنبحث في مقال من جزئين هذه الظاهرة، ننشر الجزء الأول منه هنا، لننشر الجزء الثاني قريبا.


وقد كانت مساحة الرقعة الجليدية في أنتاركتيكا في أيلول/سبتمبر من العام  2014 حوالي 7،7 مليون متر مربع، ولكن في وقت مبكر من هذا العام وصلت إلى 700 ألف متر مربع وفقا لوكالة "ناسا"، ويتحكم القطب الشمالي والقطب الجنوبي بحرارة العالم، ونظرًا لأن هذه المناطق مغطاة بالثلج الأبيض والجليد الذي يعكس الحرارة مرة أخرى في الفضاء، فإنهما يوازنان ما تقوم به أجزاء أخرى من العالم بامتصاص الحرارة، وهذا الذوبان المتسارع نتيجة الإحترار المناخي العالمي، يؤدي إلى حوادث مناخية متطرفة، فانخفاض الجليد يعني انعكاس حرارة أقل، مما يعني موجات حر أكثر شدة في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا يعني أيضًا فصول شتاء أكثر قسوة: نظرًا لأن التيار النفاث القطبي - وهو عبارة عن رياح شديدة الضغط تدور حول منطقة القطب الشمالي - يتزعزع بفعل الهواء الأكثر دفئًا، وبالمقابل يمكن أن ينخفض جنوباً، مصحوبًا بالبرد القارس.


وهناك مؤشرات كثيرة لهذا الأمر، منها أن معدل ذوبان الجليد في أنتاركتيكا قد يصل إلى ألفي قدم (أكثر من 600 مترا) في اليوم، ما قد يرفع منسوب المياه في المحيطات والبحار العالمية إلى نسبة غير مسبوقة، فأكثر من 6،4 تريليون طن من الجليد فقدتها القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند منذ تسعينيات القرن الماضي ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في المسطحات المائية إلى 17،8 ميلمترا، حيث ساهمت هاتين الكتلتين الجليديتين بما يقدر بثلث ارتفاع سطح البحر عالميا، خصوصا مع توقعات بارتفاع درجات حرارة الهواء والمحيطات حول أنتاركتيكا، ما يؤدي استمراره وفقا لباحثين إلى انهيار المزيد من الكتل والأنهر الجليدية وارتفاع غير مسبوق في مستويات البحار العالمية، ووفقا لتحليلات في قاع المحيط أشارت إلى أن "الأسوأ لم يأتِ بعد"!


الدراسة الأولى


وقد تناولت دراسة في مجلة Nature  العالمية مقارنات لذوبان الجليد في جامعات إنجلترة والنروج في الفترة بين 11 و20 ألف عام، والوضع الحالي، وإشارات إلى إمكانية تكرار الحدث نفسه، مع استبعاد فريق من الباحثين حصول ذلك وان ارتفاع سطح البحار في الماضي كان أسرع، وأن التراجع يحدث بأنماط قصيرة ومكثفة ومن المحتمل أن تحصل بينها فترات توقف طويلة، وحذروا من أن رواسب العصر الجليدي الأخير توفر "تحذيرًا من الماضي" حول ذوبان الكتلة الجليدية للقارة القطبية الجنوبية وارتفاع مستوى سطح البحر اليوم.


وقالوا إن الاكتشاف يظهر أن بعض الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية ولا سيما الجهة الجنوبية منها، بما في ذلك نهر ثويتس الجليدي أو نهر "يوم القيامة" Doomsday المعروف باسم Thwaites glacier، وتقارب مساحته مساحة ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، قد تعاني فترات من الانهيار السريع في المستقبل القريب، مما يسرع من ارتفاع مستوى سطح البحر.


ويعد ارتفاع منسوب مياه المحيطات من بين أكبر التأثيرات طويلة المدى للاحترار العالمي لأن مئات المدن الرئيسية في كافة أنحاء العالم تقع على السواحل وتتعرض بشكل متزايد للعواصف الشديدة والفيضانات. ربما تكون الصفيحة الجليدية في غرب أنتاركتيكا قد تجاوزت بالفعل النقطة التي لا يمكن فيها وقف الخسائر الكبيرة، مما سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل أمتار.


وفي هذا المجال، قالت الدكتورة كريستين باتشيلور Christine Batchelor من جامعة نيوكاسل Newcastle University في المملكة المتحدة، التي قادت البحث لموقع "الغارديان": "يقدم بحثنا تحذيرًا من الماضي بشأن السرعة التي يمكن للصفائح الجليدية التراجع فيها، فهو يظهر أن نبضات التراجع السريع يمكن أن تكون أسرع بكثير من أي شيء رأيناه حتى الآن".


وتابعت: "تُترجم هذه النبضات إلى ارتفاع في مستوى سطح البحر ويمكن أن تكون مهمة حقًا للدفاعات البحرية"، مشيرة إلى أن معدل الخسارة أمر بالغ الأهمية، على سبيل المثال، إذا كان من المتوقع حدوث زيادة متوقعة على مدى 200 عام، فإنها يمكن أن تحدث خلال 20 عامًا، حيث يمكن أيضًا استخدام البحث لتمكين نماذج الكمبيوتر من إجراء تنبؤات أفضل حول فقدان الجليد في المستقبل.


وقد جاءت معظم التقديرات السابقة لمعدل انهيار الغطاء الجليدي من بيانات الأقمار الصناعية، والتي تم جمعها منذ حوالي 50 عامًا، بينما تمتد البيانات الجيولوجية المستخدمة في الدراسة إلى آلاف السنين، مما يسمح بتحليل مجموعة أكبر من الظروف.


واستخدم البحث، الذي نُشر في مجلة Nature، خرائط عالية الدقة لقاع البحر قبالة النروج، حيث انهارت وذابت صفائح جليدية كبيرة في البحر في نهاية العصر الجليدي الأخير قبل 20 ألف عام، وقد ركز الباحثون على مجموعات من التلال Ridges الصغيرة الموازية للساحل \، والتي تشكلت عند الخط الذي تلتقي فيه قاعدة الغطاء الجليدي بالمحيطات، ويسمى "خط التأريض" . grounding line


فعند حصول المد والجزر ترفع الصفائح الجليدية من الأسفل للأعلى وبالعكس، ويتم سحق الرواسب على خط التأريض في هذه التلال مرتين في اليوم، ومع ذوبان قاعدة الغطاء الجليدي على مدار أيام وأسابيع، تراجع خط التأريض نحو الشاطئ، تاركًا وراءه مجموعات من التلال المتوازية، وقد مكن قياس المسافة بين التلال العلماء من حساب سرعة انهيار الصفيحة الجليدية النروجية.


وقد وجد الباحثون سرعات تتراوح بين 50 مترا في اليوم و 600 متر في اليوم، وهذا أسرع بنحو 20 مرة من أسرع تراجع سجلته الأقمار الصناعية سابقًا، وهو 30 مترًا في اليوم في النهر الجليدي Pope Glacier غرب أنتاركتيكا، وقد تمت دراسة المرتفعات "التلال" من قبل في أنتاركتيكا، ولكن فقط على مساحة 10 كيلومترات مربعة، بينما غطت الدراسة الجديدة مساحة 30 ألف كيلومتر مربع، و 7600 تلة، مما أتاح للعلماء فهم ما يحتمل أن يتحكم في معدلات التراجع.


وقد سجلت معدلات تراجع على فترة 11 يوما، ولكن باتشيلور أوضحت أن هذه الفترات تصل لأشهر، وقالت: "أظهر القياس في Pope Glacier أن 30 مترًا يوميًا استمر لمدة ثلاثة أشهر ونصف، لكن 600 متر في اليوم بالتأكيد لن يستمر لمدة عام أو سنوات عديدة - لن يتبقى لدينا جليد".


قال البروفيسور أندرو شيبرد، من جامعة نورثمبريا في المملكة المتحدة، والذي لم يكن جزءًا من فريق الدراسة: "إنه أمر لا يُصدق إلى حدٍ ما، لكن السمات الأثرية للتلال في قاع البحر توفر أخذ عينات متكررة من تراجع الغطاء الجليدي أكثر بكثير مما كنا قادرين على تحقيقه باستخدام الأقمار الصناعية."


وأضاف: "اتضح أن التراجع ليس عملية ثابتة، ولكنه يحدث في دفعات قصيرة، فلم نلاحظ ذلك من الفضاء لأننا نميل إلى تتبع التغييرات مرة واحدة سنويًا على الأكثر،وسواء كان التراجع السريع الموجود في الدراسة الجديدة قد يعني زيادات سريعة مثيرة للقلق في فقدان الجليد في المستقبل وارتفاع مستوى سطح البحر، فإن ذلك يعتمد على ما إذا كانت هذه المعدلات السريعة ستستمر لفترات أطول من أسبوع أو أسبوعين.


وفي هذا المجال، قال الدكتور يوهانس فيلدمان، من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا: "تُظهر الدراسة أن معدلات التراجع الأسرع في المستقبل مما لوحظ حاليًا، مثلا في القارة القطبية الجنوبية، وهي ممكنة بالفعل في ظل ظروف محددة، وكذلك فإن الآثار المترتبة على هذا التراجع السريع خطيرة، بالنظر إلى الطبيعة التي لا رجوع فيها عمومًا خصوصا لجهة تراجع الغطاء الجليدي".

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: