كان عاما مليئا بالتناقضات، فبين وباء مستجد اجتاح العالم، وجمود اقتصادي أرخى بظلاله على الكون، والحظر المفروض على بلاد بأكملها وتوقف المواصلات بأنواعها، وضبابية في كل ما حولنا يرسخها التغير المناخي، كان للباحثين في مجال التنوع البيولوجي وعلومه المختلفة رأي آخر، فقد سجل العلماء في متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا حوالي 503 نوعا جديدا بينما تمكن العلماء في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم من توثيق 213 نوعا من الكائنات الحية في كافة أنحاء العالم.
أشار مقال في موقع متحف التاريخ الطبيعي البريطاني Natural Hiatory Museum إلى أنه مع استمرار أزمة المناخ في الظهور، فإنه لم يكن توثيق الحياة التي نشارك بها كوكبنا مع الكائنات الأخرى أكثر أهمية من أي وقت مضى، فقد تضمنت حصيلة هذا العام أنواعًا من كافة ممالك الحياة تقريبًا، بدءًا من الأشنة (نوع من البكتيريا تعيش بصورة تكافلية مع الفطر، وأنواع من الدبابير والبرنقيل barnacles بالإضافة إلى المعادن والرتيلاء المصغرة Tarantulas والقرود.
وقد شهد هذا العام تباطؤا كبيرا في نشاط المتحف وتوقف بعضه، حيث أغلق المتحف أبوابه أمام الجمهور لأطول فترة في تاريخه البالغ 139 عامًا منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من ذلك، واصل الباحثون والعلماء عملهم النوعي متى وأينما أمكنهم ذلك، فبينما تم إلغاء العمل الميداني والزيارات الدولية، تمكن العديد من متابعة أبحاثهم إما في المنزل أو ضمن مجموعات أكثر هدوءًا.
فعلى مدار الاثني عشر شهرًا الماضية، واصل الكثيرون العمل والنشر. تمكن علماء المتاحف - بمن فيهم الباحثون والقيمون والمساعدون العلميون - من وصف 503 نوعًا جديدًا، وتشمل هذه الجرابيات العملاقة التي تشبه الومبت wombat-like marsupial، ومجدافيات الأرجل الصغيرة copepods، وعددا كبيرا من الخنافس، ونوعا جديدا من فرس النبي praying mantis، وعثة زمردية اللونPachythrix chlorophylla.
Pachythrix chlorophylla
ويقول الدكتور تيم ليتلوود Tim Littlewood، المدير التنفيذي للعلوم في المتحف: "مرة أخرى، كشف إحصاء الأنواع الجديدة في نهاية العام عن تنوع ملحوظ في أشكال الحياة والمعادن التي لم يتم وصفها حتى الآن"، فقد وفرت مجموعة عينات المتحف مورداً يمكن من خلاله العثور على أنواع جديدة بالإضافة إلى مجموعة مرجعية للتعرف على العينات والأنواع على أنها جديدة.
فالكشف عن أنواع جديدة وغير موصوفة لا يحافظ فقط على رهبة العالم الطبيعي، بل يكشف أيضًا عما قد نخسره ويساعدنا على تقدير التنوع الذي قد نفقده حتى قبل اكتشافه، إن فهمنا للتنوع الطبيعي في العالم لا يكاد يذكر، ومع ذلك فإننا نعتمد على أنظمته وترابطه وتعقيده بالنسبة للغذاء والماء والقدرة على التكيف مع المناخ والهواء الذي نتنفسه".
وفي مدة عام تفوق الكتلة من صنع الإنسان الكتلة العالمية للتنوع البيولوجي، يبدو الأمر وكأنه سباق لتوثيق ما قد نخسره، يذكرنا 503 نوعًا تم اكتشافها حديثًا أننا نمثل نوعًا واحدًا وفضوليًا وقويًا للغاية مع مصير العديد من الأنواع الأخرى في أيدينا".
قرد على جبل
من بين أبرز هذه الأنواع المميزة المكتشفة هذا العام هو نوع جديد من القرود يعيش على جانب بركان خامد في ميانمار، وقد تم التعرف عليه باستخدام جلود وعظام الرئيسيات التي كانت موجودة في مجموعة المتحف لأكثر من 100 عام.
ويعتبر القرد الجديد، الذي يُطلق عليه الآن اسم Popa langur (Trachypithecus popa) على اسم الجبل الذي تم العثور عليه فيه، معرضًا بالفعل لخطر الانقراض حيث لم يتبق منه سوى 200-260 فردًا في البرية".
وفي هذا المجال، يقول روبرتو بورتيلا ميغيز Roberto Portela Miguez، المسؤول عن الثدييات في المتحف الذي ساعد في وصف الأنواع الجديدة: "نأمل أن تساعد تسمية الأنواع في الحفاظ عليها"، وتابع "الأمل هو أنه من خلال منح هذا النوع المكانة العلمية والشهرة التي يستحقها، سيكون هناك المزيد من الجهود المتضافرة في حماية هذه المنطقة والقليل الباقيى من أفراد هذا النوع النادر.
وفي مجال النباتات فعلى مدار الاثني عشر شهرًا الماضية، وصف الباحثون ما مجموعه ثلاثة نباتات، وثلاثة أعشاب بحرية حمراء، وعشرة هدبيات Ciliates، وأربعة دياتومات وحزاز. أحد هذه الأنواع، Corallina Chamberlainiae، هو عشب بحري أحمر ذو مظهر جميل يتواجد في جنوب المحيط الأطلسي البارد.
Corallina Chamberlainiae
وتوجد هذه الأعشاب الحمراء في المياه قبالة بعض الجزر النائية على كوكب الأرض بما في ذلك جزر فوكلاند وتريستان دا كونا، ما يكشف عن وجود اتصال بين هذه الأماكن على الرغم من المسافات الشاسعة.
الزواحف
كما كان عامًا جيدًا آخر للزواحف والبرمائيات، مع سحلية متوجة من بورنيو، نوعان جديدان من الضفادع وتسعة أنواع من الثعابين الجديدة الرائعة.
Smithophis arunachalensis
أحد الأنواع الجديدة الغريبة المكتشفة بشكل خاص هو السمندل الدودي عديم الرئة (Oedipina ecuatoriana) والذي لا يُعرف إلا من عينة واحدة يحتفظ بها المتحف وتم جمعها منذ أكثر من مئة عام، تتنفس هذه البرمائيات الغريبة من خلال جلدها وتعيش في حفر في تربة الغابات المطيرة، إلى جانب السمندل الجديد الثاني Oedipina villamizariorum الذي يشبه الدودة.
Oedipina villamizariorum
وتظهر هذه الإكتشافات الدور الحيوي الذي تستمر مجموعات التاريخ الطبيعي حول العالم في وصف الأنواع الجديدة والتنوع الخفي الموجود داخل المجموعات، حيث تتكون مجموعة المتحف من 80 مليون عينة، مع مجموعة واسعة من الأنواع الممتدة في التاريخ الطبيعي الذي غالبًا ما يكون مفتاحًا للسماح للعلماء بالتأكد من أنهم وجدوا مخلوقًا جديدًا في العلم.
الحشرات أيضا
وهناك ولع مفرط بالخنافس التي مثلت الغالبية العظمى من الحيوانات المكتشفة، فلن يكون مفاجئًا أن معظم الأنواع الجديدة التي تم وصفها هذا العام هي من اللافقاريات، وتتصدر القائمة (مرة أخرى) الخنافس، حيث تم تسمية 170 نوعًا جديدًا هذا العام، وتشمل هذه مجموعة من خنافس الجعران من غينيا الجديدة وخنافس البنادق من البرازيل وخنفساء دقيقة من خنفساء المستنقعات من ملاوي. يوضح ماكس باركلي Max Barclay، كبير أمناء مجموعة الخنافسColeoptera في المتحف: "هذا عمل عاجل، نظرًا لأن الموائل الطبيعية في العالم تتضاءل يوميًا، فإن أهمية مجموعات متحف التاريخ الطبيعي لهذا النوع من الحشرات التي تعتبر كمستودعات وكأرشيف للتنوع البيولوجي للكوكب، وتجميعات للأدوات التي نحتاجها لفهم التنوع وتطور الحياة.
كما وأن مجموعات اللافقاريات وخصوصا الحشرات تتزايد باستمرار، فقد شهد هذا العام اكتشاف 70 نوعا جديدا من الدبابير Wasps وثلاثة أنواع جديدة من النحل، بما في ذلك النحلة الطنانة Bombus tibeticus، التي وجدت في منغوليا، وهي واحدة من الأنواع المسجلة في أعلى المناطق حول العالم حيث تعيش حول هضبة التبت على ارتفاع 5640 مترًا فوق مستوى سطح البحر بحثًا عن الرحيق.
Bombus tibeticus
ويتلوها في الأهمية القواقع، مع 51 نوعًا من الأحفوريات المنقرضة والحية، حيث تم اكتشاف العديد من الكائنات الحية من أعماق البحار، حيث تساعد الأنواع المنقرضة منها في إظهار كيف كان شمال غرب أوروبا في يوم من الأيام، بالإضافة لأنواع من الشعاب المرجانية مشتركة تمثل لمجموعة متنوعة من الحياة يمكن مقارنتها بما نراه في جنوب شرق آسيا اليوم.
وثمة نوع اكتشف بالصدفة وهو دودة طفيلية تسمى Pseudoacanthocephalus goodmani، حيث تم العثور عليه في كريات البراز لضفدع حلقي، بعد أن قام هذا البرمائي غير المحظوظ برحلة عرضية من موريشيوس إلى ضواحي كامبريدج في أمتعة سائح، وظهرت الدودة بعد غسل ملابسه، كما تم اكتشاف تسعة أنواع من العث، وستة أنواع جديدة من مئويات الأقدام centipedes، وتسعة أنواع ديدان مفلطحة، وفراشة و 10 أنواع من الطحالب bryozoans، تُعرف أيضًا باسم الطحالب الحيوانية moss animals".
الغرائب في الأحفوريات
وحول الأحفوريات لم يقتصر الأمر على الأحياء التي يصفها الباحثون بأعداد كبيرة، شهد هذا العام قيام علماء المتحف بتسمية 122 نوعًا أحفوريًا جديدًا.
العديد من هذه كانت إما حيوان البرنقيل أو crinoids (المجموعة التي تحتوي على نجم البحر وقنافذ البحر وزنابق البحر). كما تضمنت بعض الغرائب، مثل عنكبوت صغير عاش جنبًا إلى جنب مع الديناصورات وهو الآن محاصر في العنبر، بالإضافة إلى سمكة غيرت طريقة فهم العلماء لكيفية تطور الهياكل العظمية لأسماك القرش وكما تم إيجاد مجموعة من coprolites (براز أحفوري)، أما أحد المخلوقات الغريبة بشكل خاص فهو نوع من الحلزون الأحفوري Armilimax pauljamisoni، وهو حيوان غريب يحمل أصدافًا تم وصفه بأنه "سبيكة" مصفحة نظرًا لجسمه الطويل الناعم والشويكات التي تغطي الجزء الخارجي منه، وقد وجد في صخور من ولاية يوتاه الأميركية يعود تاريخها إلى العصر الكمبري Cambrian (541-485 مليون سنة مضت) قد تكون مرتبطة بلافقاريات أخرى تسمى halkieriid، لكنها لم تحصل على تصنيف حتى الآن.
Armilimax pauljamisoni : armoured slug
ينضم إلى الحلزون الأحفوري أكبر مخلوقات هذا العام: حفرية عملاقة تشبه حيوان الومبت الجرابي الموجود في أستراليا، سمي Mukupirna nambensis، وتعني "العظام الكبيرة" في ديري، وهي لغة السكان الأصليين التي يتحدث بها السكان الأصليون في المنطقة التي تم العثور فيها على الحفرية، وعاش هذا النوع قبل 25 مليون سنة ونما لحجم يشبه حجم الدب الأسود.
Mukupirna nambensis
أنواع جديدة من المعادن
تم وصف عشرة أنواع جديدة من المعادن هذا العام من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك كاليفورنيا واليونان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وروسيا وحتى المملكة المتحدة، ومع وجود حوالي 6 آلاف نوعا معروفا فقط من المعادن، تعد هذه مساهمة كبيرة للغاية.
يوضح مايك رومسي Mike Rumsey، أمين عام المعادن في المتحف، أنه "يتم وصف ما بين 100-120 معدنًا جديدًا على مستوى العالم كل عام". بل من النادر أن تحصل على البعض من المملكة المتحدة، وعادة ما يحدث هذا كل ثلاث أو أربع سنوات فقط، وقد حصلنا على نوعين بالفعل هذا العام، لكن عادة ما يكون العدد أقل من ذلك".
أحد هذه المعادن الجديدة يسمى kernowite وقد وجد هذا المعدن الأخضر الزمردي الجميل من موقع واحد فقط في كورنوال تم تدميره الآن، وهو أكثر إثارة للإعجاب بالنسبة لحجم بلوراته. سمي المعدن على اسم Kernow، الكلمة الكورنية لكورنوال.
أكاديمية كاليفورنيا للعلوم
كما وتمكن العلماء في "أكاديمية كاليفورنيا للعلوم" California Academy of Sciences من توثيق 213 نوعا في مجلات علمية وهي "101 نوعا من النمل، و22 من الصراصير، و 15 من الأسماك، و11 من حيوانات أبو بريص، و 11 من الرخويات البحرية، و 11 نباتًا مزهرًا، وثماني خنافس، وثمانية شوكيات الجلد الأحفورية، وسبعة عناكب، خمسة ثعابين، واثنان من السحليات، واثنتان من حشرات المن، واثنان من ثعبان البحر، وطحلب واحد، وضفدع واحد، ونوع من البرمائيات الأحفورية، ونوع من فرس البحر، وسقلوب أحفوري، ونوع بسكويت البحر دولار رملي، نوع من الأحفوريات crinoid "زنبق البحر" sea lily، ونوع من المرجان واحد وفقا لبيان صحفي من الأكاديمية.
Hippocampus nalu
لا أحد يعرف بالضبط عدد أنواع الحياة التي لم يتم وصفها حتى الآن في الأدبيات العلمية؛ إذ تتراوح التقديرات أن هناك بين حوالي 86 إلى 99.99 بالمئة من الأنواع مجهولة لدى العلماء، وعلى الرغم من أننا نعيش في عصر يتسم بفقدان كبير للتنوع البيولوجي، إلا أن نطاق واتساع الحياة على كوكب الأرض لا يزال في مراحل الإكتشاف الأولى وفي كافة أنحاء العالم، كما ويتغير العالم بوتيرة مذهلة، مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، وتغير استخدام الأراضي وزيادة الضغط على العالم الطبيعي، لذا فإن توثيق الحياة على كوكبنا أكثر أهمية من أي وقت مضى، إلا أنه قبل أن نتمكن من حماية أي شيء، نحتاج إلى معرفة ما هو موجود.
المصادر: متحف التاريخ الطبيعي في بريطانيا، أكاديمية كاليفورنيا للعلوم ووكالات.
الصورة الرئيسية لقرد: Popa Langur Source Nhs