لستُ من متابعي من يسمّونهم "نجوم السوشال ميديا"، أو "المؤثرين" (في ترجمةٍ لصفتهم باللغة الإنكليزية)، لكنّي لا أمانع في التعرّف على ما أعرفه، ولا أردّ رغبة صديقٍ في أن أتابع "هضامة" فلانٍ منهم، أو أطّلع على روح النكتة التي يملكها آخر، وبذلك انضممتُ إلى "الجمهور الحبيب" الذي لا يعني صاحب الشأن بشيء سوى بعدد "اللايكات" التي تتمّ ترجمتها إلى دولارات، في واحدةٍ من المهن التي شرّعت الثورة الرقمية الأبواب لها.
ولستُ - أو لم أعد كذلك - من حاملي سيف الانتقاد الذين لا يعجبهم العجب، بل صرت أمرّ عابراً مستكشفاً طامعاً بابتسامة رضا يرسمها "مؤثّر"، أو يدفعني إلى رسم حركة إعجاب بفكرةٍ جديدة يقدّمها بطريقةٍ ملفتة، وهو ما لم يحدث إلا نادراً.
لكنّي بالتأكيد من أولئك الذين يفقدون لسانهم وتُصاب أناملهم بالشلل وتحتلّ ذهنهم عاصفة الأسى وجليد العجز عن التعبير أمام مأساةٍ تصيب فرداً أو جماعةً أو بلداً، فأحزنُ بصمت... وإن كنت أعذر للآخرين قدرتهم على التعامل الفوري مع هكذا أوضاع تعبيراً وكتابةً - وأحسدهم عليها أيضاً - فإنّي لم أتوقّع أن يطالعني أحد "النجوم المؤثرين" (اكتشفتُ لاحقاً أنه ليس الوحيد بينهم) بنشر "بوست"، أي محتوى مستوحىً من كارثة الهزّة الأرضية التي ضربت تركيا وشمال سوريا فجر اليوم، وأدّت إلى مقتل المئات وجرح الآلاف وتشريد عشرات الآلاف، وهدم مئات المباني التي يرزح تحتها ناجون أو فاقدون للحياة بانتظار من ينتشلهم من تحت ركامٍ، وسط أجواءٍ قاسية زادتها الثلوج هولاً.
أقصد بما وَرَد تحديداً صاحب صفحة "العمى" el_3ama على تطبيق "إنستغرام"، والذي أراد أن يسبق منافسيه ببث محتوى ساخر قد يكون الهدف منه انتقاد بعض السخفاء في كيفية تعاملهم مع كوارث كالتي حدثت، فإذ به يزجّ بنفسه بين هؤلاء السخفاء، عن قصد أو عن غير قصد، ويحصد عشرات التعليقات المستنكرة والتي تنتقده وتلفته إلى أنه أخطأ في توقيت نشر البوست، الأمر الذي جعلني أتوقّع إقدامه على حذفه، إن لم يكن خجلاً من الأرواح التي أُزهقت، ومن جروح وأحزان المصابين والمشرّدين، فاستجابةً على الأقلّ "للجمهور الحبيب" الذي ساهم من حيث لا يدري (وأنا منهم الآن) في رفع عدد المشاهدات لهذه السخافة الجارحة للإنسانية، ولكن يبدو أنّ هذا هو الأهمّ...
فعلاً "العمى"!