يسجّل عدد من أصدقاء زعيم تيار «المردة»، النائب السابق سليمان فرنجية عليه، تقنين تحرّكه باتجاه الكتل النيابية، أكانت حليفة أو على خلاف معه، ما دام أنه بين المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية، ويرى هؤلاء أن لا مبرر لمرابطته على الدوام في مقر إقامته ببلدة بنشعي بشمال لبنان، بدلاً من الانتقال إلى بيروت ليتولى شخصياً إدارة معركته الانتخابية، لأن لا مصلحة له بأن ينوب «حزب الله» عنه في خوضه لها، خصوصاً أنه يتميّز عن معظم المرشحين للرئاسة بعلاقته بالقوى السياسية، وإن كان يعوزه التواصل معها.
فتباطؤ فرنجية في انتقاله إلى مركز القرار ببيروت لن يكون لمصلحته، لأن تواصله المباشر مع الكتل النيابية يبقى أفضل له من اعتماده على المراسلة عن بعد، رغم أن نجله النائب طوني فرنجية يتمتع بالمواصفات المطلوبة التي تتيح له الاحتكاك المباشر مع الحلفاء والخصوم على السواء، إضافة إلى أن بعض المحيطين به يمكنهم لعب دور في هذا المجال لما لديهم من علاقات لا تقتصر على فريق دون الآخر.
ويلفت أصدقاء فرنجية إلى أن لا مصلحة له بأن يتحصّن وراء الثنائي الشيعي، تحديداً «حزب الله» ويوكل إليه مهمة تسويقه، ويقول هؤلاء إن عتبهم عليه يلقى التجاوب المطلوب من حلفائه الذين يأخذون عليه التباطؤ في تحرّكه.
ويؤكد هؤلاء أن ليس هناك من موانع كانت تحول دون استفادته من عامل الوقت، ليعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية بصورة غير مباشرة قبل أشهر، بدلاً من أن يتريّث في الإعلان عن رغبته بالترشُّح من على منبر الصرح البطريركي في بكركي، بعد اجتماعه بالبطريرك الماروني بشارة الراعي.
ويوضح هؤلاء أن زيارته لبكركي طبيعية، وأنهم ليسوا في وارد الاعتراض على ما قاله، والذي جاء بمثابة بيان رئاسي، لكنهم يأخذون عليه أنه لم يكن مضطراً للتمهُّل في إعلان ترشُّحه للرئاسة، فيما العدد الأكبر من المرشحين يتحرّكون في السر ويتجنّبون الظهور في العلن، وهم كثر ولا يجدون من مبرّر يستدعي الإبقاء على لقاءاتهم سرّية.
لذلك ارتأى فرنجية الإعلان عن برنامجه الرئاسي من بكركي، متعهّداً بأنه الأقدر من سواه على أن يأخذ من سوريا و«حزب الله»، وأن يطرح تصوّره للاستراتيجية الدفاعية من دون أن يغيب عن باله التطرُّق إلى علاقات لبنان العربية، تحديداً مع المملكة العربية السعودية.
إلا أن رغبة فرنجية بتصويب علاقات لبنان بالدول العربية ليست موضع شك، وإن كانت تستدعي منه توسيع مروحة اتصالاته على المستويين العربي والدولي، وهذا ما يحتّم عليه تكثيف لقاءاته لطمأنة الدول العربية؛ ليس للتمايز عن حلفائه، وإنما لأن انتخابه رئيساً للجمهورية لا يكفي، ما لم يكن مدعوماً برافعة عربية ودولية، لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته المتراكمة، شرط أن يكون متلازماً مع وضع خطة عمل متكاملة تبدأ باختيار رئيس للحكومة وتنتهي ببيانها الوزاري، لكن ليس على شاكلة البيانات الوزارية لعدد من الحكومات التي شُكّلت إبان فترة تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية.
ويبقى السؤال: هل إن فرنجية يستمهل تكثيف تحرّكه على الصعيدين المحلي والخارجي لاعتقاده بأن الاستحقاق الرئاسي لم يوضع على نار حامية؟ أم أنه بطبيعته هكذا؟ رغم أن المطلوب منه تبديد ما يُلصق به بأنه مرشح الثنائي الشيعي الذي يسعى لتأمين تأييد 65 نائباً له، أي نصف عدد النواب زائداً واحداً، إن لم يكن أكثر.
وعليه، فإن الأبواب السياسية ليست موصدة في وجه فرنجية، وهو موضع تقدير من قبل جهات خارجية، وبات عليه أن يبادر إلى التحرّك محلياً ودولياً وإقليمياً، لأن لديه القدرة إذا قرر الانتقال إلى بيروت للتواصل مع الكتل النيابية لتفكيك على الأقل واحدة من الكتل المسيحية، وصولاً إلى إقناعها بأنه الأقدر للتلاقي معها في منتصف الطريق.
كما أن غياب المرجعية السنّية في البرلمان بعزوف رؤساء الحكومات عن الترشُّح للانتخابات النيابية يضع فرنجية أمام مهمة ليست سهلة لاستيعاب العدد الأكبر من النواب السنة من غير المنتمين إلى محور «الممانعة»، بصرف النظر عن علاقته بمعظمهم التي لا تكفي ما لم يصوّت هؤلاء له.
لذلك، من السابق لأوانه أن يتصرّف فرنجية كأنه يضمن تأييد هؤلاء النواب، وهم على خلاف مع «حزب الله»، لأن علاقته الشخصية بهم قد لا تُصرف في صندوق الاقتراع، إلا إذا أحسن إدارة معركته الرئاسية من دون أن يعني تخليه عن تحالفه مع الحزب أو علاقته بالنظام السوري بمقدار ما إن المطلوب منه بأن يقدّم نفسه على أنه المرشح الأقدر لإعادة ترسيم حدود هذه العلاقة، وهذا ما اعترف به بصورة غير مباشرة بقوله بعد اجتماعه بالراعي: «أنا قادر أن آخذ من المقاومة ما لا يستطيع أخذه أي مرشح، وكذلك من سوريا».
فهل بات فرنجية على قناعة بأن المعركة الرئاسية ليست عددية فحسب، وإنما سياسية بامتياز؟ وكيف سيتصرّف من الآن فصاعداً، تحديداً باتجاه دول الخليج العربي؟ لأن ما أورثه عون للبلد من أزمات كان وراء تصدّع علاقات لبنان بها، وهناك ضرورة لاستعادتها كشرط لوضعه على طريق التعافي، برغم أن ما يميّزه عن كثيرين أنه يلتزم بتعهّداته ولا يتحدث بلغتين، وأن مشكلته تكمن في انقطاعه عن التواصل مع القوى السياسية.