لا أزال عاجزاً عن تصوّر شعور أولئك "الأشاوس" الذين تجرّأوا على اقتحام منزل شهيد تفجير مرفأ بيروت جو نون، وكسر حرمة غرفة نومه برفقة والدته (التي جرى استدعاؤها للتحقيق، ومن ثم طلب النشرة القضائية لها، كأيّ مجرمٍ أو سارق أو مهدّد للأمن الوطنيّ!!) وأمرها بفتح الأدراج وتقليب الأغراض بحثاً عن "موادّ متفجرة" تصوّروا أنها تخفيها تحت بزّته الرسمية كعنصرٍ في فوج الإطفاء، والتي مدّدتها فوق سريره بالشكل الذي كان يعتمده خلال استراحته عليه، في رجاءٍ منها للحؤول دون موت الشكل، بعد غياب الروح.
كيف أمكنهم نكء جرح يستمرّ نازفاً منذ 4 آب (أغسطس) 2020 في قلبٍ أمٍّ فقدت فلذة كبدها، وجمعت ربيع عمره وأحلام شبابه أشلاءً دفنتها - ومعها نصف عمرها - على وعدٍ من "كبير القوم" ومن لفّ لفّه بأنّ الحقيقة ستظهر في غضون أسابيع، صارت سنوات انتظار حافلة بالكيدية والمراوغة والتلاعب بالقوانين والأعراف والتهرّب من المساءلة والمحاسبة؟!
كيف أمكنهم أن يدنّسوا بأحذيتهم الغارقة في وحول التبعية والاستزلام طهر دموع لم تجفّ، وسموّ روح من أكثر من مئتي روحٍ لن تهنأ قبل كشف المقصرّين والمتسترين والمسؤولين عن تدمير بيروت، والاقتصاص منهم؟!
كيف أمكنهم رفع أصواتهم الفجّة في وجه أمٍّ ثكلى، والطلب منها أمراً أن تعبث ليس بأغراض فقيدها فحسب، بل بقدسية مشاعرها ورمزية غيابه شهيداً، وأن تبعثر دموعها التي تغسل بها زيّه مع كل مشرق شمسٍ ومغيبها، وأن تدنّسه أيديهم المؤتمرة ممّن يُفترض به أن يحكم بالعدل، لا بالكيدية، وأن يحاسب القتلة، لا الضحايا، وأن يحتكم إلى ضميره، لا إلى إرادة زعيمه.
يبقى الأمل في عدالة السماء، يا "أم جو"، ويا أمهات ضحايا هذه المنظومة الفاقدة لكل القيم الإنسانية.