info@zawayamedia.com
لبنان

هورمون الخنوع والاستسلام!!

هورمون الخنوع والاستسلام!!


رغم زمن القلّة والشحّ الّذي نعيشه اليوم، نحن نغتني بهورمون جديد (أو الأصح القول متجدّد) يقتحم خلايانا ويسري في عروقنا ويتربّع على عرش أفكارنا وسلوكيّاتنا: إنّه هورمون "الخضوع والاستسلام"! نعم، هذا ما أصبحنا عليه! تحوّلنا بقدرة هذا الهورمون الغازي الفاتك الى دمى لا حول لها ولا قوّة تحرّكها الحياة والظّروف، وتحدّد مساراتها قوًى نرفض أن نسميها، أو يمكن أنّنا لا نجرؤ على المجاهرة باسمها، أو إيمانًا منا بأنّ هذه التّسمية لن تغيّر شيئًا في معادلة حياتنا الّتي باتت مبنية بالكامل على الرّضوخ والاستسلام بكلّ ما للكلمة من معنى، متّبعين سياسة النّعامة الّتي تخفي رأسها في الرّمال كي لا ترى الخطر القادم نحوها! وكأنّ هروبنا من المواجهة يمكن أن يُعفينا منها! بل ربّما نمتثل بالقول المأثور" شرّ نعرفه أفضل من خير نجهله"، مع ما في تلك المقولة من إشكالية تفتح شهيّتنا على تحليلها ومحاولة رؤية الجانب الآخر منها، فالحياة مغامرة وان لم نجازف فيها، فسنبقى واقفين ننتظر عدالة الحياة الّتي سبقتنا بأشواط وتركتنا ننتظرها على محطّة منسية مهجورة نَمَت عليها الطّحالب والأعشاب البريّة ومحت معالمها!


 والأدهى من ذلك، يا صديقي، أنّ نسبة هورمون "الخضوع والاستسلام" ارتفعت قيمته وأهميّة وجوده في دمك بالنسبة الى المجتمع الذي يحضنك، وصار لزامًا عليك صونه وتنميته كي تتمكن من التواؤم مع محيطك، إلى حدّ أنّه إن خطر في بالك يومًا أن ترفع الصّوت رافضًا، أو تتمرّد على هذا التحكّم، فأنت في نظر الكثيرين جاحد للنّعمة ولا تقدّر خير الله عليك، بل وأكثر من ذلك، يجعلك هذا البعض تشعر بالإثم والخطيئة العظمى لأنّك تتطاول في تفكيرك على ما أصبح منسيًا! وهذا الواقع يدفعك الى التّنازل عن حقوقك شيئًا فشيئا، إلى أن يصبح سكوتك هو الوضع الطّبيعيّ، وكلّ تصرف آخر غير مقبول وغير مرغوب به، بل تتحوّل إلى إنسان منبوذ اجتماعيًا ودينيَا وحتى عائليًّا إن تجرأت على مخالفة قاعدة الرّضوخ والاستسلام تطبيقًا للقول الشّعبيّ: "حطّ راسك بين الرّوس ونادِ يا قطّاع الرّوس"! فإن طالبت يومًا بحقّ لك في مسألة معينة، بادَرَ الكثير من الخيّرين النّاصحين الى مقارنة حالتك بحالة آخرين أكثر منك سوءًا ليفهموك أنّك بألف خير وأنّ ما تشكو منه لا يعدو كونه تَرَفًا غير مبرّر! وكأنّ مقياس القناعة يجب أن يكون مفصّلًا على قياس الجماعة الخانعة المستسلمة، وإن بادرت الى طرح مختلف، حوصرت في دائرة التّشكيك والتّخوين والانسلاخ عن حكم القطيع لتصبح مخلوقًا فضائيًّا غريبًا غير مفهوم ومرفوضًا بالكامل!


وإذا أنعمت النظر في واقعك وحياتك يا صديقي، فسترى أنّك تتحوّل، إن لم تكن قد تحوّلت بالكامل، الى جهاز الكترونيّ معدوم الإحساس، تلهث يوميًّا خلف لقمة عيشك، تحاصرك كوابيس وهواجس مرعبة، تدفعك للهرولة خلف سراب تظنّ أنّك قد تجد فيه منفذًا لمعاناتك ونزيفك الدّائم، فتنسى وجودك وحاجاتك الإنسانيّة البديهيّة من حبّ وعاطفة واهتمام ورومانسية تحلّي أيّامك المرّة وتضيئ لياليك المعتمة، فإن تجرّأت على الكلام عن هذه الحاجات، ينظر اليك الآخرون على أنك مجرد معتوه أحمق لم يَتخطَّ فترة مراهقته بعد، ويرفض أن يكبر ليواجه الحياة الحقيقيّة! بل والأدهى أنهم قادرون على إشعارك بالخطأ المميت الّذي ترتكبه لدرجة طلب السّماح والاعتذار، وكأنّ عاطفتك مرضٌ معدٍ أو وباءٌ خطير ينبغي اقتلاعه من حناياك بالكامل قبل انتشاره في المجتمع!


إنّها لمأساة حقًّا أن يشعر الواحد منّا أنّه مسلوب الإرادة، حياته ليست ملكه، قراراته رهن بقرارات الآخرين، يصارع لأجل البقاء بكرامة في وطن لا يؤمّن له أبسط مقومات الحياة الّلائقة الّتي يستحقها! لكن، وبالرّغم من كلّ شيء يبقى الأمل رفيقنا الدّائم في نهضة وانبعاث يُعيدان للبنان ما كان له، على أمل أن تتمكّن الأجيال القادمة من إحداث التّغيير المطلوب والنّهضة المنشودة فنرتقي من جديد في عالم الإنسانيّة الحرّة الواعية الخلّاقة!

مي العلي

مي العلي

كاتبة لبنانية