info@zawayamedia.com
لبنان

كاتم الصوت... وصوتنا المكتوم

كاتم الصوت... وصوتنا المكتوم



جريمة اغتيال المصوّر الصحافي الشاب جوزيف بجاني بأسلوبٍ مافياوي بشع ووقح، في وضح النهار، قرب بيته وقبل دقائق من وصول ابنتيه إليه، وقبل أيام من هجرته، وبواسطة مسدس مزوّد بكاتمٍ للصوت، ليست سوى انعكاسٍ لاغتيالٍ متواصل لشعبٍ ووطن بأسلوب "الصوت"، مرةً عبر الحروب وأصوات القذائف والرصاص وسلسلة اغتيالات، وأصوات أنين الناس وأوجاعهم.. وأخرى عبر مصادرة أصوات اللبنانيين من قِبل "أولياء الأمر والنعمة".. ومعها أصوات حناجرنا التي بُحّت - جيلاً بعد جيل - بهتافات "بالروح بالدم نفديك يا زعيم".. ومراراً بأصوات خطباء - سياسيين وروحيين - لا ينطقون سوى بالحقد الدفين والشحن المذهبي والتحريض الطائفي والشعارات التقسيمية.. وغيرها بأصوات إعلاميين يشكلون هم ومؤسساتهم أبواقاً تنفخ في جمرٍ تحت رماد، أو تكيل المديح لمن سبق أن هجته، وبالعكس، وتبالغ في تلميع صورة من أمعنت في تشويه صورته.. ومراراً عبر تزوير أصوات "الناخبين" ترغيباً أو ترهيباً، أو تخويفاً من "اللبناني الآخر" الذي يريد بنا شراً وينبغي أن نتغدّاه قبل أن يتعشانا..


إنه كاتم الصوت نفسه الذي نصرّ على قتل أنفسنا بواسطته.. والعجب كل العجب أننا ارتضينا "كتم أصواتنا" بعدما انطلقت تهتف بالحرية وتنشدها والسيادة والاستقلال، مرةً ذات 14 شباط 2005 إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومرةً ذات 17 تشرين الأول 2019، قبل أن تكتم صوت الأمل فيها هتافاتٌ أعادتنا إلى جحور التقوقع والخوف من الآخر وعلى البلد.. وقبل أن تُطلق النار على صدور وأعين وأحلام الشباب المنتفضين على منظومة الفساد، جهاراً نهاراً وببنادق رسمية لا تحتاج إلى كاتمٍ للصوت..


هو كاتم الصوت أو "صوتنا المكتوم" الذي يجعلنا نحوّل صرخات غضبنا من الأوضاع التي أوصلتنا إليها الطبقة الحاكمة - كلّن- إلى همهمات شكوى وتأفّف، ونستعيض عن خبطات أقدامنا التي ينبغي أن تقضّ مضجعهم وتهدم كراسيهم إلى "بوست" تنفيسي ساخر على وسائل التواصل الاجتماعي، ونقلب الفاسدين الذين سرقوا ودائعنا وجعلونا في مصاف الدول المتخلفة والفاشلة إلى "خطٍّ أحمر" ندافع عنه.


إنه كاتم الصوت ذاته الذي خنق أصوات عشرات الشهداء ومئات الجرحى وآلافٍ باتوا بلا مأوى إثر تفجير مرفأ بيروت.. وهو ذاته الذي جفّف دموع أمهاتهم وكتم أصوات ذويهم وكل المطالبين بكشف حقيقة من دمّر نصف بيروت وقتل بنيها وأبكى قلوبنا وهجّر المستقبل.. هو كاتم الصوت الذي يستمرّ في كمّ فم العدالة ويحوّل أحكامها إلى مناكفات وحرتقات تخدم أجندات واستهدافات..


صوتنا مكتوم بعدما وهبنا حناجرنا لمن يدّعي أنه ينطق باسمنا، ومنحنا عمرنا وقتاً ضائعاً يلهو به أصحاب القرار، فيتفقون ويختلفون ويكلفون ولا يؤلفون ويعتكفون ولا يحكمون إلا حين يتحاصصون وخيرات البلد (ما تبقّى منها) يتقاسمون.. ويوماً بعد يوم شبابنا وآمالنا بكواتم الصوت يغتالون.


بسام سامي ضو

بسام سامي ضو

كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي