info@zawayamedia.com
لبنان

صار الوقت للتعقّل.. لا لصبّ الزيت فوق النار!

صار الوقت للتعقّل.. لا لصبّ الزيت فوق النار!

 


لا يختلف اثنان على الحقّ في إبداء الرأي وحرية التعبير، والذي كان لبنان رائداً في احتضانه والحرص عليه والدفاع عنه، ليس محلياُ فحسب، بل حيث يطال قمعٌ أيّ فردٍ أو مجموعة في أيّ بقعةٍ من العالم.


لكنّ تغييراتٍ لحقت بمفهوم ممارسة حرية التعبير في وطنٍ ساده حكم الميليشيات خلال مرحلة الحرب الأهلية، والتي واصلت في مرحلة السلم تكريس المفهوم المبتور لحرية التعبير بما يمكن وصفه بـ "الديمقراطية اللبنانية" التي تقول: أنا أحترم رأيك، ما دام مطابقاً أو موافقاً لرأيي"، مع الكمّ الهائل من المؤثرات الضاغطة التي لعبت دورها في تشويه معنى حرية التعبير وتكريس هذا المفهوم الخاطئ لها، من الشحن الطائفي والمذهبي، إلى صراعات الإخوة وتحالفاتهم التي تشكل المصالح الذاتية مبتداها ومنتهاها، إلى الانكسارات والانهيارات التي لم توفّر جانباً في حياة المواطن اللبناني إلا عصفت به.


في هذا الإطار برز دور الإعلام اللبناني، بمؤسساته المختلفة، وبرامجه المتنوّعة، وضيوفه الذين لا يمكن فصلهم عن البيئة القائمة، ومعدّي البرامج ومقدّميها الذين لا يمكن إغفال مساهمة "التشويق والإثارة" وحتى التضارب بين ضيوفهم، في تحقيق نسب مشاهدة عالية. وهنا يبرز اسم مارسيل غانم كإعلامي رائد وصاحب مسيرة ملفتة ومتواصلة منذ عقود في مجال البرامج السياسية الحوارية، واستضافته المئات من العاملين في مجالات السياسة والاقتصاد والمال والأعمال، إلى جانب إضاءاته على الإبداعات الثقافية والإنجازات التي يحقّقها لبنانيون على المستوى العالمي، في الطب والفنون والرياضة وغيرها.


لسنا في وارد تقييم مسيرة غانم، ولا أسلوبه في إعداد وإدارة برنامجه، واختيار ضيوف حلقاته وكيفية محاورتهم، فهذه من السمات التي تطبع فرادة كلّ إعلاميّ، ولاسيّما المخضرمين من أمثاله. ما يعنينا هو ما حدث في حلقة الأمس من "صار الوقت"، والذي لا يمكن وضعه إلا في خانة "صبّ الزيت على النار"، وتأجيج مشاعر "العيش المشترك" بين الإخوة المتعادين في الوطن، لغايةٍ نريدها بريئة، وهي حصد أعلى نسبةٍ من المشاهدة. مثل هذا الأمر مشروعٌ وحقّ لغانم وإدارة محطة "إم تي في"، لو أننا جنينا منه فائدةً تُذكر، ما خلا اتهامات متبادلة بالفساد والعمالة والخيانة والانبطاح، ونبشاً لأخطاء وأحقاد الماضي، وتأجيجاً لنار الانقسامات المستعرة، وصراخاً بين متحاورين يحوّلون الاستوديو إلى مسرحٍ لصراع الديكة، يلاقيه في الداخل والخارج استنفارٌ واستعدادٌ دائمان لمواجهات بين مناصرين يتساوون في الجوع، وتنخر بيوتهم مآثر الانهيار الشامل، إنما لا يعنيهم سوى الذود عن زعيمهم الذي له كغيره نصيبٌ في ما آلت إليه أحوالهم، لكنه يُقنعهم ببراءته وبمسؤولية الزعيم الآخر عن الكوارث التي تعصف بهم، ويصدّقونه، وبالروح بالدم يفدونه.


ما جرى في حلقة الأمس من مواجهات وتضارب داخل الاستوديو، ومن أعمال عنف وإطلاق نار خارجه، يتحمّل مسؤوليته مارسيل غانم، بالتساوي مع شاحني نفوس محازبيهم وأنصارهم، وخصوصاً مع امتلاكه معلوماتٍ عن حشود خارج الأستوديو، تواكب الاستفزازات داخله، نتيجة حوارٍ لم يكن له لزومٌ أصلاً، وخصوصاً أنّ "الحلقة الاستثنائية" التي عُرضت مساء الأحد الفائت في مواكبة استحقاق الفراغ الرئاسي، شهدت مشاركة- بل مواجهة- بين الضيوف أنفسهم، حيث حضر النائب وضاح الصادق مكرّراً مواقفه ذاتها، والنائب شربل مارون بديلاً عن زميله جورج عطالله، معيداً الخطاب العالي النبرة نفسه، وضيف يمثّل توجهات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إنما غاب عنها النائب أكرم شهيّب الذي عاب عليه غانم في الحلقة السابقة التزامه "صوت العقل"، كأنما في تحفيزٍ للضيوف على أنّ المطلوب هو غياب العقل الذي تملأ فراغه الغرائز، بطبيعة الحال.


التبريرات التي قدّمها مارسيل غانم لا تكفي لغسل يديه ممّا جرى، ولا مخاطبته المتناحرين بعبارة "يا أساتذة"، ولا تذكيرهم بالدعوة المنشورة عند مدخل الاستوديو لاحترام الرأي الآخر، إلى جانب سؤاله عمّا كان سيفعله لو لم تحل العناية الإلهية دون وقوع إصابات بين المتواجهين؟


مارسيل غانم، بكل احترام، "صار الوقت" للكفّ عن المساهمة في اللعب بالنار، والعودة إلى خطاب العقل، وإجادة اختيار ضيوف يقدّمون معلومةً مفيدة أو اقتراحاً عملياً يساعدنا في مغادرة جهنّمنا، ولا يزيد نارها سعيراً.

بسام سامي ضو

بسام سامي ضو

كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي