تمكن الباحث المصري الدكتور محمد عطية في مسيرته التي ناهزت عشر سنوات من تحقيق الإنجاز تلو الآخر، بدءا من المملكة العربية السعودية ليتابع رحلته البحثية إلى اليابان مروراً بالدنمارك، وليستقر في الولايات المتحدة، حيث يعمل الآن قائداً لمجموعة بحثية بالوكالة الأميركية لحماية البيئة، وهو أول باحث مصري ينضم لهذه الوكالة المرموقة التي تعتبر أهم هيئة دولية لسياسات وبحوث البيئة.
وفي هذه الوظيفة المرموقة حط عطية في هذه المحطة الأخيرة ، بعد رحلة ثرية بالتعلُّم والمعرفة، ويعمل حاليا في الوكالة الأميركية في مجال تطوير واختبار نظم متطورة، لمعالجة المياه من الملوثات الصناعية المستحدثة، التي لها آثار ضارة وسامة على صحة الإنسان والبيئة، وفقا لـ "سكاي نيوز عربية".
وعن مسيرته العلمية يقول عطية إنّه حصل على بكالوريوس الهندسة الزراعية من كلية الزراعة، جامعة الإسكندرية في العام 2009، وقال حول ذلك لصحيفة "الأهرام": "أنا من مواليد الإسكندرية، ومثل الكثيرين حلمت أن أدخل كلية الهندسة قسم ميكانيكا إلا أن مجموع الثانوية العامة حال دون أن أحقق حلمي، إلا أننى لم أستسلم ووجدت فى شعبة الهندسة الزراعية ما يتوافق مع ميولي للهندسة والرياضيات، بعد التخرج عملت لبضعة أشهر فى إحدى الشركات لتصليح وصيانة المعدات الزراعية والجرارات إلى أن أصابنى الملل من تكرار ذات المهام، فتقدمت لإحدى المنح الدراسة بجامعة الملك سعود بالسعودية كطالب ماجستير لإدارة المياه، فى تلك الفترة تنبهت لأهمية بحوث المياه، وقررت تغيير مساري الأكاديمي لدراسة ملوثات المياه وسبل معالجتها، بطبيعة الحال لم يكن الأمر سهلا وتطلب منى البحث عن برامج لأساسيات بحوث معالجة المياه على الإنترنت. خلال تلك الفترة سعيت إلى التقديم لمنح دراسية فى العديد من الدول المتقدمة إلى أن حصلت على منحة الحكومة اليابانية للماجستير والدكتوراة في بحوث المياه بجامعة "طوكيو تك".
ويضيف الباحث المصري أنّه أثناء رحلته الدراسية في اليابان، خاض عدة رحلات علمية كباحث زائر في قسم الكيمياء بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك، وقال: "في تلك الفترة كانت الجامعة اليابانية في مصر بمراحل تأسيسها الأولى، كما أن المشرف على مشروعي كان كثير التردد على مصر ومتحمسا لعملي فى بحوث المياه والمعالجة الحيوية لمياه الصرف الزراعي، من الأمور المميزة أنه خلال سنوات المنحة الدراسية باليابان أتيحت لى دراسة العديد من المناهج لتعويض ما لم أدرسه من قبل، لذلك درست أكثر من 25 منهجا فى كيمياء ومعالجة المياه وعلوم البكتيريا، وبعد حصولي على الماجستير قررت التحول لتطبيقات معالجة المياه وتطهيرها من المبيدات الزراعية باستخدام ألياف الكربون النانوية. خلال تلك الفترة أتيح لي خلال سنوات الدكتوراه السفر للدنمارك وعملت مع فرق بحثية متخصصة فى تصميم الياف الكربون وتكوين القياسات المناسبة للفلاتر، وبمرور الوقت تمكنت من العمل فى عدة مشروعات بحثية وأدركت أهمية وجدوى وجود أكثر باحث من تخصص مختلف فى المشروع البحثي، هذا الاختلاف كان يعزز من الوصول لنتائج أفضل ويساعدنا على طرح الأسئلة العلمية بصورة متعمقة، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن حصلت على الدكتوراة وقررت أن أبحث عن فرصة لاستكمال أبحاث ما بعد الدكتوراة ولكن خارج اليابان، بعد خمس سنوات من الدراسة، كنت مدركا ضرورة أن أطرق مدارس علمية جديدة أملا فى اكتساب خبرات جديدة. وبالفعل قمت بالتعاون مع علماء بالولايات المتحدة ونشرت عدة أبحاث خلال سنوات الدكتوراة ثم تلقيت على أثر التعاون والعمل بإحدى المعامل البحثية الكبرى بجامعة كليمسون بولاية كارولينا الجنوبية، خلال تلك الفترة هالني كم وتنوع الأبحاث التى تتم فى هذا المعمل لمعالجة المياه"
وتابع: "من ضمن الأبحاث الجديدة التى تعلمتها خلال تلك الفترة كانت عن سبل التخلص من رواسب المركبات الصناعية المسماة «PFAS» أو مركبات «البير فلورو كربون». تلك المجموعة تضم أكثر من 10 آلاف مركب كيميائي جميعها لها خواص كيميائية مفيدة جدا للصناعة حيث يتم الاستفادة بها فى لإنتاج الأجهزة الإلكترونية والأواني التى لا تلتصق بها الأطعمة والملابس التى لا تمتص المياه والأكياس والعلب الورقية التى لا تمتص الزيوت، كل تلك المنتجات هي في حقيقة الأمر مغطاة بطبقة من مركبات PFAS الكيميائية والتى لا تتحلل أبدا، إلا أن تلك المميزات هى فى ذاتها عيوب قاتلة وقتما تترسب كمخلفات فى التربة أو المياه".
وفقا للدراسات الحالية فلقد وجد العلماء أن تراكم تلك المركبات ولو بنسب ضئيلة جدا فى المياه قد يؤدى الى الإصابة بالأورام وتلف الكبد وغيرها من العيوب الخلقية، ولعل أعقد ما فى تلك المركبات هو أنه من الصعب جدا فصلها عن المياه أو الزيوت التى تلتصق بها أو تكسيرها بسهولة. وجدير بالذكر تم تخصيص 126 مليون دولار فى ميزانية عام 2023 لإجراء المزيد من البحوث على تلك المركبات وتقدير حجم المخاطر البيئية والصحية التى تسببها. المثير فى الأمر أن إحدى الشركات الكيميائية الكبيرة المصنعة لتلك المركبات منذ ثمانينيات القرن الماضي كانت تدرك المخاطر الصحية والبيئية لما تصنعه ولم تفصح عن ذلك حفاظا على مكاسبها إلى أن تم رصد وفيات هائلة للمواشي التى تشرب مياه الصرف لتلك المصانع. تلك القضية كانت حديث العالم سنة 2016 كما تمت مقاضاة الشركة المنتجة لتلك المركبات وفى عام 2019 طرحت هوليود فيلما بعنوان «Dark Water» والذى يوثق كيف تم اكتشاف المخاطر الصحية لتلك المركبات الكيميائية الخطرة والتى قد تكون قاتلة إذا ما توافرت بتركيزات عالية.
وعن دخوله الوكالة الأميركية قال عطية: "حدث هذا الأمر مع زيادة نشري لبحوث حول التخلص الآمن من مركبات الـ»PFAS» ، وبعد انتقالي لجامعة نورث ويسترن في ولاية شيكاغو وقد انضممت في تلك الفترة انضممت لأحد المعامل التى تحول تقنيات فصل الملوثات إلى منتجات تجارية. ولعل أكثر ما حمس الباحثين للتعاون معى هو خبرتي فى مجال الهندسة البيئية وقدرتي على تقييم كفاءة المواد المستخدمة لفصل الملوثات وجودتها وأن تكون غير ملوثة للبيئة وذات جدوى اقتصادية. وحتى وقتنا هذا نشرت أكثر من 52 ورقة بحثية أغلبها عن تقنيات مختلقة للتخلص الآمن من تلك المركبات الملوثة للبيئة والمسببة للعديد من الأمراض المزمنة. ومع سقوط «ترامب» فى الانتخابات الأميركية وتولى «جو بايدن» رئاسة الولايات المتحدة عادت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة لنشاطها، وأعلنت عن تكوين فريق بحثي لدراسة تلك الملوثات الصناعية وطرح حلول لمعالجتها، تلك الفرصة أتاحت لى التوسع فى بحوث معالجة المياه وهو ما يتم حاليا فى مركز الحلول البيئية والاستجابة للطوارئ بوكالة حماية البيئة الأميركية، حيث عُيّن كمهندس بيئي ورئيس مجموعة بحثية في مركز الحلول البيئية والاستجابة للطوارئ بوكالة حماية البيئة الأمريكية (US EPA)، في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو.