ذكرت وسائل الإعلام خبراً نقلاً عن النسخة العربية من مجلة "فوربس" الأميركية المتخصصة بالمال والأعمال، يقول إنّ "رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي سجّل ثالث أكبر خسارة على صعيد المليارديرات العرب، حيث خسر مبلغاً قدره 400 مليون دولار خلال 7 أشهر، ليصل صافي ثروته إلى 2,8 مليار دولار في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري".
مثل هذه الأمور تحدث في عالم الأعمال، ولا بدّ من أن يقابل هذا الهبوط صعودٌ في مرحلةٍ لاحقة. كما أنّ الخبر سلّط الضوء على الخسارة، وحجبه عن "الفتات" الذي تبقّى لدولة الرئيس، أي نحو 3 مليار دولار، تشاء الصدف أن تكون قيمته مساوية لما يسعى دولته وأركان حكومة "معاً للإنقاذ" وأباطرة السلطة في لبنان جاهدين لتحصيله من صندوق النقد الدولي، وفق شروطٍ قاسية لا يجهلها أحد، تكاد تكون أقرب إلى الاستجداء.
لوهلةٍ خطر لي لو أنّ الخبر في مجلة "فوربس" حمل العنوان التالي: "ميقاتي يتبرّع بمبلغ 400 مليون دولار لمن هم دون خط الفقر في لبنان"، أو في عاصمة الشمال طرابلس.
لا شك في أنك- يا دولة الرئيس- ستنجح في تعويض خسارتك هذه قريباً، بل وفي زيادة ثروتك، وهذا حقّ لك، ولكن هل تدرك ما الذي يمكن لمبلغٍ كهذا أن يفعله في الظروف التي يعاني منها لبنان واللبنانيون عموماً، وأبناء طرابلس والمدن والقرى التي يطحن الفقر والجوع والحاجة آمالهم وأحلامهم؟
كم ربطة خبز للأسر المعوزة؟
كم علبة دواء؟
كم لوحاً للطاقة الشمسية؟
كم صفيحة مازوت لدرء برد الشتاء؟
كم سقفاً من التنك ترمّم؟
كم بطاقة أو سلّة تموين تملأ؟
كم محتاجاً إلى إجراء عملية تنقذ؟
كم والداً عن رمي أفراد عائلته في لجج الموت وقواربه تردع؟
كم مدرسةً لتعليم الفقراء، وكم مستوصفاً لطبابتهم تجهّز؟
كم مؤسسةً للحدّ من أعداد العاطلين عن العمل، وجمع أصحاب الكفاءة تنشئ؟
كم آهاً تكتم، وكم دمعةً تكفكف، وكم بسمةً على الوجوه التعبة ترسم؟
بالطبع لا تعرف يا دولة الرئيس، ولا يهمّك أن تعرف، ولا تعنيك كل هذه "الشعارات" والأمنيات الإنسانية بشيء، إذ لا يمكن صرفها في عالم "البيزنس".
هو فقط مجرّد سؤال ليته يدفعك إلى التساؤل عن الفرق بين أن تخسر هذا المبلغ من المال في صفقة تجارية، وأن تتبرّع به أو بنصفه لدوافع إنسانية.