فيما تمارس الطبقة السياسية المماحكة بأبشع صورها، يبقى الناس محكومين بالجوع والفقر، ولا من يلتفت لمعاناتهم، وهم محرومون من الكهرباء والمياه وأدنى الخدمات الصحية والاجتماعية، وسط مظاهر انهيار الدولة سياسيا واقتصاديا ومعيشيا، حتى بات المواطن أعجز من أن يؤمن لقمة عيشه، وثمة من تُحتجز أموالهم في البنوك في فضيحة لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ نشوئه كدولة مستقلة ذات سيادة!
فإلى الوضع الأمني الضاغط وما ينجم عنه من سرقات، إلى تأمين موجبات المدارس وتحضير مؤونة الشتاء، بات المواطنون أسرى هموم جديدة متمثلة خصوصا بسبل توفير مادة المازوت، لا سيما وأن سعر البرميل الواحد نحو 260 دولارا أميركيا، وإذا كان استهلاك المنزل يقدر بنحو خمسة براميل في السنة، فذلك يعني أن هناك أكثر من ألف دولار لتأمين مستلزمات التدفئة، علما أن سعر الحطب يوازي سعر المازوت في بورصة الأسعار المتداولة اليوم.
معظم اللبنانيين لن يكون في مقدورهم هذا الشتاء توفير مستلزمات التدفئة، وقد بدأنا بالفعل نشهد تعديات واسعة على الأحراج، بما فيها أحراج الأرز، والفقر "غول" يلتهم كل ما يصادفه في طريقه، فكيف بالحري اليوم، وسط حالات العوز والفقر والفاقة؟
وهنا يجب التمييز بين تجار الحطب المستفيدين من الأزمة وبين المواطن غير القادر على شراء صفيحة مازوت واحدة، وهذا الأمر يتطلب حلا يتمثل أولا في ملاحقة التجار غير الملتزمين بشروط القطع والتفريد والتقليم، وثانيا في توفير المازوت المدعوم بما يسهل على المواطنين شراءه، وإلا فسنكون أمام كارثة بيئية وصحية ومناخية وجمالية.
والكارثة بدأت، فقد وثق ناشطون يوم أمس عبر وسائل التواصل الاجتماعي قطع أشجار أرز معمرة في جرود الضنية في شمال لبنان، والصور الملتقطة تظهر حجم الخطر المحدق بـ "لبنان الأخضر" وما بقي من أحراجه!