ما يحصل في بادية السويداء في المنطقة الجنوبية الشرقية من الجمهورية العربية السورية هو ما لا يمكن توصيفه إلا بـ "الإرهاب البيئي"، فهو ليس أقل وحشية مما تقوم به الجماعات الإرهابية بحق البشر والحجر والأرض، فما أرسله ناشطون بيئيون سوريون لموقعنا "زوايا ميديا" من صور وفيديوهات توثق عمليات إبادة ممنهجة ومستمرة تطاول غزال الريم في هذه المنطقة، يندى لها الجبين، فلا عقوبة رادعة وسط قانون الصيد السوري (من سبعينيات القرن الماضي) والذي عفى عليه الزمن، ولا وازع أخلاقي لجماعة من المجرمين الساديين، الذين يمعنون في غيهم بإبادة الحياة البرية في سوريا وبكافة أشكالها.
والبيئة بشكل عام، الضحية الأكبر في حالة الأزمات والحروب ولا سيما في الدول النامية بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وبالمقابل فإنها لا تحظى بالإهتمام الكافي من الجهات المسؤولة، كونها ليست على لائحة أولويات المعالجة في الكثير من البلدان وخصوصا في حالة الحروب والأزمات الإقتصادية كما حصل في لبنان سابقا، وفي سوريا منذ العام 2011 وحتى يومنا هذا.
وأشار ناشطون فضلوا عدم ذكر اسمائهم لموقعنا "زوايا ميديا"، إلى أن أشخاص متنفذين لديهم القدرة على الوصول إلى هذه المنطقة المحمية والممنوعة على السكان في بادية السويداء، وبالتحديد شرق منطقة الزلف، وقد تمكن الناشطون من التعرف على بعض هؤلاء، وهم (ه. ع.)، (ف. ا.) و (أ. ق.)، آملين تجاوب الجهات المعنية في سوريا بوقف هذه المجازر، ومناشدين المنظمات العالمية التحرك لإنقاذ ما تبقى منها، مع تأكيدهم على إمكانية مشاركة موقعنا "زوايا ميديا" أسماء هؤلاء مع المعنيين ليتم ردعهم وإنزال أقصى العقوبات بحقهم.
ولفت الناشطون إلى أن "هناك مسلسل لا ينتهي من الإنتهاكات الجائرة تطاول الحياة البرية السورية من قِبل بعض الجشعين وعديمي المسؤولية، ومع التهديدات التي تطاول الحياة البرية في سوريا وتعرض الكثير من الأنواع للإنقراض، فإن الخطر الأكبر يتمثل بعمليات الإمساك بصغار هذه الحيوانات والإتجار بها، وكلما كانت هذه الحيوانات نادرة، أصبحت هدفاً للتجاوزات ومدعاة للاعتزاز والفخر والمباهاة بصيدها والتنافس في أعداد ما يتم اصطياده بينهم، عبر صور وفيديوهات يتم تناقلها عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة وفي مجتمعات الصيادين.
وكتب المتخصص في الحياة البرية والتنوع الحيوي، المهندس أحمد أيدك على صفحته وصفحات مختصة في التوعية حول حماية الحياة البرية في سوريا على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك": "من الحيوانات التي تزين بيئتنا السورية غزلان الريم (واسمها العلمي Gazella subgutturosa marica )، هذه الغزلان مهددة بشدة بالانقراض بحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN , وكانت هذه الغزلان تجوب البادية السورية بقطعان كبيرة حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وانقرضت بسبب الصيد".
وأوضح أيدك لموقعنا "زوايا ميديا" أن ما يحصل هو "إبادة لهذه الحيوانات متمثلة بالصيد الجائر من دون رادع، كما وتطاول المجازر أنواع عدة من الحياة البرية، ومنها الضباع والذئاب وابن آوى والموثقة بالصور والفيديوهات، وليس هناك ما يحفظ ويحمي هذا الحيوانات، ولكن أبشعها ما يطاول حيوانات غزال الريم وصغاره، وأهم أسباب هذه الإبادة الحالة الإقتصادية، والتفاخر بقتل أكبر عدد، ولعل المشكلة الأكبر ما يطاول صغار هذه الحيوانات من قتل وبيع وبشكل علني من دون وعي ومعرفة من مغبة ما يلحق من أضرار جسيمة بالتنوع البيئي مستقبلاً، حيث يهدد بانقراض هذا الحيوان كما حصل مع أنواع أخرى عديدة".
وحول مشروع إدخال هذه الحيوانات في سوريا قال أيدك: "تم إحضار غزلان الريم من مركز الملك خالد في السعودية، حيث تم إدخالها إلى محمية التليلة في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام 1996، كما تم إدخال غزلان المها العربي التي تم إحضارها من محمية الشومري في الأردن إلى محمية التليلة في الشهر نفسه، حيث تم توزيعها بعد ذلك في المحميات البيئية في سوريا بإشراف الهيئة العامة لإدارة وتنمية البادية، وللأسف تم قتل معظمها وسط فوضى الحرب في سوريا".
وعن غزلان الريم التي تتواجد في بادية السويداء أشار أيدك إلى أن "هناك جيوب صغيرة تتواجد فيها هذه الحيوانات منذ زمن، (مستبعدا أن يكون مصدرها محمية التليلة)، وقد ساهمت العمليات الأمنية في المنطقة ف حمايتها، ما أدى إلى ازدهار أعدادها وتعافيها، لتصل إلى قطعان بالمئات، ما يشير إلى أن ترك الطبيعة والبيئة دون التدخل البشري يساهم في تكاثرها وزيادة أعدادها".
وتابع: " للأسف، لا نستطيع في الوضع الحالي إلا القيام بالتوعية، وقد تمكنا من إيصال الرسالة البيئية للعديد من الصيادين، الذين ارتدعوا واستبدلوا القتل بمراقبة الحياة البرية وتوثيقها، ولكن الحالة في بادية السويداء تشير إلى إمكانية وصول أعداد هذه الحيوانات إلى حافة الإنقراض"، مشيرا إلى أن "الصيد الجائر هو السبب الأول بانقراض الكثير من الأنواع في بلادنا، ومنها، الحمار البري السوري، الدب البني السوري، النمر الأناضولي والنعامة السورية وكثير غيرها" .
الغزلان التي يتم قتلها هي غزلان الريم واسمها العلميGazella subgutturosa marica ، فهذه الغزلان مهددة بشدة بالانقراض بحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN , وهذه الغزلان كانت تجوب البادية السورية بقطعان كبيرة حتى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وانقرضت بسبب الصيد.
كما وأشار أيدك إلى التجاوزات التي تطاول الضبع المخطط، ويسمى أيضا الضبع السوري، واسمه العلمي Hyaena hyaena syriaca، وذلك بسبب الموروثات الخاطئة وهو أيضاً مهدد بشدة بالانقراض بحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN.
وتوجه لأهالي السويداء برسالة وكتب: "هذه البادية بكل مافيها هي لكم ولأولادكم ولأحفادكم، إن لم تحافظوا عليها بمنع هذه الجرائم البشعة فلن يأتي من يحافظ عليها؟ ... لقد تزايدت أعداد الغزلان خلال الفترة الماضية في السويداء فقط في سوريا , وإن استمرت عملية إبادتها، فستنقرض لامحالة ولن يكون هناك فرصة لعودتها ثانية، وواجبكم هو منع هؤلاء الصيادين من استمرارهم بهكذا جرائم بشعة، فالحفاظ على الحياة البرية في السويداء سيعود بالنفع والتوازن البيئي لكامل المنطقة وليس لمنطقة محددة فقط".
كما وتوجه برسالة للصيادين "الصيد أخلاق وليس إجرام، إن قتلكم لهذه الحيوانات الضعيفة الرائعة الجمال بتلك الأعداد ليست فخراً وليست إنجازاً أبداً، الفخر والإنجاز يأتي في أمور كثيرة عديدة غير ذلك.
إنكم تؤذون أنفسكم بتحمل وزر قتل أرواح بريئة وتؤذون الحياة البرية بكاملها"، متمنيا أن تكون قد وصلت الرسالة بالشكل الصحيح.
وتمنى على جميع المواطنين وبالأخص الصيادين الغيورين على سوريا بوقف "صيد هذه الغزال بشكل كامل وعدم إمساك صغاره أو شراء و بيع هذا الحيوان ، وإبلاغ الجهات المختصة فوراً عن أي شخص يقوم بقتله أو بيعه حفاظاً عليه من الانقراض كما يحصل في الدول المجاورة" .
وفي الأردن يعتبر غزال الريم من الأنواع المعرضة لخطر الانقراض بحسب القوائم الحمراء الخاصة بالاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وهو من الأنواع المحمية بموجب القانون؛ العقوبة القانونية بحسب ما ورد في قانون الزراعة رقم (13) للعام 2015، فهي "الحبس مدة أربعة أشهر وغرامة مقدارها ألفا دينار عن كل طير بري أو حيوان بري تم صيده، وكان مدرجاً ضمن القائمة الأولى".
وختاما، نتوجه إلى الجهات المعنية في الجمهورية العربية السورية، باعتبار هذا المقال كتبليغ عن هذه الجريمة النكراء والإرهاب البيئي بحق هذه الحيوانات البريئة، مع إمكانية التواصل معنا، لنتمكن من إعطائهم أسماء هؤلاء الأشخاص المتنفذين الذين يتابعون إجرامهم ودون رادع، والذين يشكلون وصمة عار على جبين أمتنا العربية جمعاء.