info@zawayamedia.com
فن

جورج الراسي وزينة المرعبي... عندما يسخّف الإعلام وجع الغياب

جورج الراسي وزينة المرعبي... عندما يسخّف الإعلام وجع الغياب


خبرٌ مختصر يفيد بوقوع ضحيتين في حادث سير، يمرّ مرور الكرام، وكأنّنا نسمع بواحدةٍ من العبارات العادية التي نستخدمها في حياتنا اليومية، قبل أن يُضاف إليه لاحقاً أنّ إحدى الضحيتين هو الفنّان الشاب جورج الراسي، لتدور عجلات "الماكينات الإعلامية"، وتُطلق التحليلات وتُغدق الآراء في كل الاتجاهات، بدءاً من الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، مروراً بمواقع الأخبار على هذه المواقع، وصولاً إلى الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية.


في المرحلة الأولى تتساوى جميع هذه الوسائل في التركيز على الفنان وحده، دون إيلاء الضحية الثانية أيّ اهتمام، وكأن لا صفة بشرية لها، ولا أسرة خسرتها ولا من يفقدون.


نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يهبّون إلى نبش أرشيفهم، ويسارعون إلى نشر صورهم مع الراحل، كما هي العادة عند غياب أيّ صاحب شهرة، وكأنّي ببعضهم ينتظرون- كي لا نقول يتمنّون- وفاة أيّ فنانٍ أو شخصية ذات شأن، لا ليحزنوا ويستعيدوا إنتاجاته ومسيرته والإرث الذي خلّفه، بل ليسلّطوا الضوء على صورهم إلى جانبه، حصداً للمزيد من علامات الإعجاب!


حتى هذه المرحلة ينقسم "الإعلاميّون" قسمين: بعضهم يحمّل وزارة الأشغال المسؤولية، كون الحاجز الإسمنتي موضوعاً في منتصف الطريق بصورةٍ مخالفة للمنطق، ومن دون أيّ وسيلة تنبيه ضوئية إلى وجوده القاتل، ويطالبون بمحاكمة وزير الأشغال، وهو مطلب حقّ يستحيل تحقيقه في المجاهل اللبنانية؛ وبعضهم يحمّل الراسي نفسه المسؤولية، بحجة أنه كان "ثملاً ويقود سيارته بسرعة جنونية"، وكأنّه كان معه وقت وقوع الحادث! لكنّه يعتبر هذا الاستنتاج "منطقياً"، انطلاقاً من فكرة أنّ الراسي كان يحيي سهرة غنائية، لذا من الطبيعي أو الضروري أن يكون ثملاً!


ولكن، ماذا عن الضحية الثانية؟ أكاد أجزم أنها لو كانت رجلاً لما عرفنا عنها شيئاً! لكنّ الأمر المهم هو أنها امرأة، و"الأهمّ" هو أنه لا تربطها أيّ صلة قربى بالراسي، ولا يشفع لها كونها مديرة أعماله أو منسقّة حفلاته!


هنا ينقلب المشهد، وينتقل الفنان الراحل إلى المرتبة الثانية، وتذوي أخباره وينحسر الحديث عنه واللوعة لغيابه، لتنصبّ الأضواء على هذه المرأة، ليس حزناً عليها وأسفاً على شبابها وتركها ثلاثة أبناء خسروا دفء حضنها، إنما لإطلاق التحليلات والتخمينات والاستنتاجات وحتى الاتهامات، دون إقامة أيّ اعتبار لحرمة الموت، أو لما يمكن لثرثرات أصحاب الضمائر الصفراء والغائبة أن تتركه من آثارٍ سلبية على سمعة الراحلة وأسرتها، وعلى التكوين النفسي لشخصيات أبنائها.


منذ رحيل جورج وزينة المرعبي حتى هذه اللحظة وقعت عشرات حوادث السير التي أزهقت أرواحاً وأصابت أجساداً بإعاقاتٍ، لكنّ "إعلامنا" لا يكترث لها، ولا تعنيه ما دام أصحابها من غير المشاهير، ولا يتصدّى لدوره المطلوب في التوعية المجتمعية للحدّ منها، وفي حضّ المسؤولين الرسميين والجمعيات المعنية على اتخاذ الحدّ الأدنى من القوانين والإجراءات البسيطة التي يمكنها أن تساهم في الحدّ من الخسائر الناجمة عن حوادث السير، في بلدٍ بات المرء فيه مجرّد رقمٍ غير مدرج على منصة الإنسانية.

بسام سامي ضو

بسام سامي ضو

كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي