info@zawayamedia.com
إقتصاد

كارتيل الإسمنت في لبنان!

كارتيل الإسمنت في لبنان!

كيف تمنع المصالح التجارية لبنان من إعادة بناء بنيته التحتية وحكومته واقتصاده


تحت عنوان رئيس "كارتيل الإسمنت في لبنان" وعنوان ثانوي "كيف تمنع المصالح التجارية لبنان من إعادة بناء بنيته التحتية وحكومته واقتصاده" كتب الصحافيان المختصان في مجال الإقتصاد  JACOB BOSWALL و DAVID WOOD في موقع "السياسة الخارجية" Foreign Policy يوم الجمعة 11 كانون الأول (ديسمبر) وأوضحا، كيفية سيطرة السياسيين في لبنان على مقدرات البلاد، وسياساتهم الإقتصادية التي دفعت لبنان نحو الإنهيار الإقتصادي.


وجاء في مقدمة المقال، تساؤل محق ومنطقي أنه "حتى بعد عقود من الزمن، ما زال المجتمع الدولي عاجزا عن اكتشاف الأسباب التي تجعل السياسيين اللبنانيين يستمرون، وبينما يركز المانحون المحتملون على سوء الإدارة الإقتصادية والإرادة السياسية على حد سواء، لكنهم يتجاهلون المصالح التجارية المشبوهة التي تحافظ على شعبية الزعماء الطائفيين".


وتابع الكاتبان: "عندما عاد سعد الدين الحريري، أحد رجال الأعمال والسياسيين الأكثر إثارة للجدل في لبنان، إلى منصب رئيس الوزراء في تشرين الأول (أكتوبر) - بعد عام من الاحتجاجات التي أجبرت حكومته على الاستقالة - كان ذلك بمثابة إشارة إلى عودة محبطة إلى سيناريو العمل كالمعتاد Business as Usual".


ووضعا مثلا من أميركا "مثل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، ورث الحريري إمبراطورية تجارية من والده قطب العقارات، ولا يخشى الخلط بين الأعمال والسياسة، ومثل ترامب أيضًا، يتمتع الحريري والزعماء الطائفيون الآخرون في لبنان بقواعد مؤيدة لحماسة مشابهة للحماسة الترامبية، فهو ليس وحده في هذا الميدان، فمنذ الحرب الأهلية اللبنانية، دمج قادة البلاد السياسة بالتجارة، فاستغلوا مواقعهم لكسب ولاء مناصريهم. وتستنزف الكارتيلات التجارية ذات العلاقات السياسية الإعانات الحكومية، والأصول المربحة للدولة، وتكاليف المنتجات والخدمات الأساسية بشكل كبير، كما ويستفيد الموالون في مراكزهم ورتبهم من شبكات المحسوبية الفاسدة، ويربطون المزيد من الناخبين ماليًا بقادتهم".


وأوضح الكاتبان "الآن وقد عانى لبنان أسوأ ركود له منذ عقود، ويتعافى من إنفجار مدمر، فإن الضغوط الاقتصادية الجديدة تجبر الكارتيلات اللبنانية على فعل أي شيء للبقاء - باستثناء تغيير مواقعها، يزداد انكسار الشعب اللبناني والحكومة، تاركين النخب الفاسدة مع جيوب أقل للنهب، بالمقابل تقبل الكارتيلات التجارية تنازلات قصيرة الأجل لتجنب الإصلاح الدائم، على أمل إعادة تنشيط شبكات المحسوبية الراكدة في المستقبل الأقرب".


وأشارا إلى أنه "بعد ثلاثة عقود من الاستغلال، نادرًا ما يتوقع المستهلكون اللبنانيون قيمة مقابل الأموال، يهز معظمهم أكتافهم إحباطا بسبب انقطاع التيار الكهربائي اليومي، ونقص المياه، وبعض فواتير الهاتف الأغلى في المنطقة، فهذا الفساد المؤسسي يمتد إلى أعماق القطاع الخاص، حيث يترأس احتكار القلة الكارتيلات في كل شيء من المياه المعبأة إلى زراعة البطاطا، لكن حتى النخب السياسية - التجارية الجشعة في لبنان لم يعد بإمكانها تجاهل الانهيار الاقتصادي الحالي، الذي أهلك واستنزف القدرة الشرائية الاستهلاكية".


وعن كارتيل الإسمنت كتب الصحافيان: "هذا العام - لأول مرة منذ جيل - بدأ اللبنانيون يدفعون أسعارًا معقولة لتجار المال المحبوبين من الكارتيلات: كارتيلالأسمنت الذي يتحكم السياسيون وشركاؤهم في ثلاث شركات إنتاج الأسمنت الوحيدة في لبنان، وهيCimenterie Nationale S.A.L.، LafargeHolcim Ltd  وCiment De Sibline S.A.L.، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، استبعدت الرسوم الجمركية الباهظة المنافسة الأجنبية، ما أجبر المستهلكين على شراء الأسمنت اللبناني باهظ الثمن، لكن في آب (أغسطس) الماضي، اتفق موردو الأسمنت في لبنان على خفض أسعارهم إلى نحو 30 دولارا للطن، كان هذا انخفاضًا ملحوظًا عن سعر100 دولار سابقًا للطن، أي حوالي ثلاثة أضعاف سعر السوق العالمي، وتماشيا مع الأسعار التي تفرضها الشركات في الخارج، قال آلان بيفاني، المدير العام السابق لوزارة المالية، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إن الحكومة المؤقتة في البلاد هددت بنجاح برفع الرسوم الجمركية على واردات الأسمنت، لضمان امتثال الكارتيل لسقف أسعار الأسمنت، يعتبر بيفاني هذه السياسة أحد "النجاحات الصغيرة" لإدارة رئيس الحكومة حسان دياب قصيرة العمر".



ولفت الكاتبان إلى أنه "لسوء الحظ، لا يشعر الجميع بالتفاؤل بشأن سقف سعر الأسمنت الجديد، فالاتفاقية تستمر على أساس شهري فقط - والمقاومة والرفض لهذه الأسعار من قبل الكارتيل هذا، وفي واحدة من أكثر الصناعات المضادة للمنافسة في لبنان قوية للغاية، واقتبس الكاتبان ما قاله نافذ زوق، وهو من كبير الاقتصاديين واستراتيجيي الأسواق الناشئة في أكسفورد إيكونوميكس، في مقابلة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث قال "عندما جاء الضغط، خفض [الكارتيل] أسعاره"،  وأوضح "لكنهم جعلوا الأمر صعبًا للغاية على الحكومة وقاوموا قدر المستطاع"، وتابع زوق "علاوة على ذلك، في مقابل سقف السعر، تمكنت صناعة الأسمنت أيضًا من الحفاظ على نظام التعرفة الذي قد يؤدي، في حالة إزالته، إلى منافسة فعلية، بعبارة أخرى، ربما يقبل الكارتيل أسعارًا أقل في الوقت الحالي، لكن ظروف السوق لا تزال قائمة حتى يستغل الكارتيل الشعب اللبناني مرة أخرى".



وكتب الباحثان: "الخزبنة العامة هي مصدر دخل مضمون آخر للكارتيلات اللبنانية، ما يساعد على شحذ آلية المحسوبية السياسية الطائفية، على وجه الخصوص، منحت عمليات العطاءات المبهمة للشركات المفضلة منذ فترة طويلة عقودًا باهظة الثمن للخدمات العامة، مثل إدارة النفايات"، وهنا يقتبس الكاتبان قول بيفاني: "لقد رأينا في العديد من القطاعات أن [السياسيين] يقدمون دائمًا الرجال الوسطاء في العقود [الحكومية]".


وأشار الكاتبان إلى أنه "في حالات أخرى، وافق السياسيون على [الوظائف الوهمية] التي لا معنى لها والتي تسمح لمؤيديهم بالحصول على أجر مقابل عدم القيام بأي عمل تقريبًا، لكن الآن، نفدت حنفية الأموال العامة الوفيرة تقريبًا، نظرًا لأن الدولة تواجه ثالث أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، فإن الكارتيلات اللبنانية مرة أخرى ستحتاج إلى التكيف، الوقود - وهو استيراد ضروري للحفاظ على الكهرباء - هو أحد الأمثلة على الأسواق المربحة والواقعة تحت التهديد، مع اقتراب انتهاء دعم الوقود، سيتعين على مستوردي الوقود التراجع إلى وضع البقاء على قيد الحياة".


وأوضح الكاتبان أنه "مثل الأسمنت، تتحكم ثلاث شركات يُزعم أنها مرتبطة بزعماء طائفيين في واردات الوقود إلى لبنان، لقد سُمح لها تاريخيًا بالعمل كوسطاء حصريين بين الحكومة والدول المصدرة للوقود، وفي هذا المجال، تشرح جيسيكا عبيد، مستشارة سياسات الطاقة المستقلة، أن احتكار القلة المحكم في القطاع مربح للغاية بالنسبة للمشاركين. قالت عبيد في تشرين الثاني (نوفمبر): "كيف يتم إبرام العقد، هذه علامة استفهام كبيرة، لكنهم بالتأكيد يحققون نسبة عالية من الأرباح [من السوق اللبنانية]".


وأضافا: "ولكن الآن، مع انخفاض احتياطيات العملات الأجنبية بشكل خطير، فإن هؤلاء المستوردين على وشك فقدان هذه الأوزة التي تبيض الذهب، على المدى القصير"، ويقتبس الكاتبان قول عبيد أن " كارتيل استيراد الوقود يتحمل الخسائر، على أمل أن يتمكن من إعادة جني الأرباح كما هو معتاد في المستقبل، آمل أن تسمح الحكومة بوجود مزيد من المنافسة [في سوق الوقود]، لكنها تعتمد على العديد من العوامل غير المؤكدة - العامل الرئيسي هو عندما تنفد الاحتياطيات الأجنبية".


وفي مجال مصرف لبنان المركزي كتبا: "وتوقفت محاولات فك العقدة الاقتصادية اللبنانية. في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، فقد أدى استمرار البنك المركزي في عرقلة التدقيق في حسابات المصرف إلى قيام شركة Alvarez & Marsal، وهي شركة استشارية دولية لإعادة الهيكلة، بإنهاء عقدها في حالة يأس تام، علما أن استكمال التدقيق مطلب مركزي للمانحين الدوليين الذين يتطلعون إلى إنقاذ لبنان، وبالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات الأخرى، وبدون ذلك، يخاطر لبنان بخسارة عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات من صندوق النقد الدولي والدول المانحة".


واختصر الكاتبان الصورة: "تبدو الشخصيات السياسية اللبنانية غير مهتمة بإصلاح الاقتصاد، وهو ما يعني التخلي عن ثرواتها. ومع ذلك، فإن الحقائق الإقتصادية الجديدة تزعزع استقرار بعض الكارتيلات من تلقاء نفسها، يمكن أن يعالج انهيار العملة المحلية إدمان لبنان غير الصحي على الواردات، والتي انخفضت بالفعل بنحو 50 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، في المناطق الريفية في لبنان، يؤدي نقص العملة الأجنبية إلى زعزعة أسس كارتيل البطاطا الراسخ، الذي طالما استغل صغار المزارعين".


وأضافا: "من الواضح أن الزعماء الطائفيين في أدنى مستوياتهم السياسية منذ عقود، حتى أنهم يواجهون إعدامات علنية بعد الانفجار الكارثي في ​​آب (أغسطس) في بيروت، لكن مشاكلهم المالية قد تكون أكثر ضررا بكثير، إذا تم الاستدانة بشكل صحيح، يمكن للمانحين أخيرًا (فطم) السياسيين عن مصادر دخلهم غير الأخلاقية وإجبارهم على إصلاح حقيقي، بدءًا بقانون وسلطة مناسبة للمنافسة تضمن تكافؤ الفرص لجميع الشركات، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة في تقديم هذا التشريع الأساسي، لأنه سيسمح للمنافسين بالتنازل عن (أبقارهم النقدية العزيزة) أي سيطرتهم الكلية على مقدرات البلاد الإقتصادية والسياسية".


واقتبسا قول بيفاني الذي يعتقد أن أي شيء أقل من إصلاح اقتصادي شامل سيهدر مركزًا تفاوضيًا فريدًا، إذ قال: "(الحريري) سيميل إلى عقد صفقة مع صندوق النقد الدولي، ربما بأقل مبلغ مصحوب بأدنى إصلاحات، وأن هذا الأمر سيكون كارثة لأنها فرصة ضائعة للتغيير".


وختم الصحافيان: "في ظل المعاناة من الضربات السياسية والاقتصادية الشديدة، يقف الزعماء الطائفيون في لبنان على المحك. ولكن طالما بقيت إقطاعياتهم التجارية على حالها، فإنهم لن يقروا بالهزيمة".


بتصرف عن Foreign Policy 

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: