ليس ثمة حروب تولد بالصدفة، ذلك أن ثمة تراكمات تسبق وتمهد، ومن ثم ليس صحيحا كما تعلمنا في كتب التاريخ أن الحرب العالمية الأولى (1914) اندلعت شرارتها عقب اغتيال ولي عهد النمسا في مدينة سراييفو، ودائماً، لأي حرب ثمة ممهدات سياسية واقتصادية وعوامل وظروف عوامل عدة تجتمع في لحظة تخلٍّ، خصوصاً إن ترافقت مع ظروف إقليمية ودولية مؤاتية.
كلنا يعلم ممهدات الحرب الأهلية في لبنان في العام 1958، وتاليا حرب السنتين (1975-1976)، ومن ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982، ولا نستعيد "حروبنا" كي لا ننكأ جراح الماضي، وبعضها لما يندمل بعد، لكن من واكب هذه الحقبة السوداء من تاريخ لبنان يعلم أن الحرب بدأت تتمظهر في أعقاب أحداث عام 1958، وبعدها في مطلع السبعينيات، إلى أن جاءت حادثة "بوسطة عين الرمانة" في 13 نيسان (أبريل) 1975، فكانت تماما كحادثة اغتيال الأرشيدوق فرديناند، شرارة أشعلت أرضا كانت مهيأة لتلقي النار والانفجار.
ما يؤسف اليوم أننا نعيش ممهدات لحرب جديدة، فيما المسؤولون في غفلة من زمن، همهم بعض وزارات وثلث ضامن لمصالح أو ثلث معطل لمصلحة، والهدف واحد واضح، الاستحواذ على ما بقي من ثروات من باب التحاصص والصفقات، ولا من يرى أو يعلم أن الشارع يغلي، والناس سئموا واقعا محكوما بكل هذا العقم الذي لا يولِّد غير الضياع ويستولد الخوف كحالة دائمة.
لا يعلم تحالف منظومة السلطة وزبانيتها، بما هو تحالف بين طوائف ومذاهب، واجهتها أحزاب ملتبسة في انتمائها للبنان، أنهم بتقاعسهم وتغليب مصالحهم وتعطيل البلد ورفع سقف الخطاب الطائفي يساهمون في توفير ممهدات حرب جديدة، حتى باتت اللغة الطائفية تعبر عن نفسها شتائم تطاول المقدسات بشكل يؤكد أن ثمة بركانا يغلي، وما يزال السياسيون يوقدون نار خلافاتهم سعيا لمكسب.
اليوم ثمة وضع إقليمي قابل للتدهور، وسط أجواء ملبدة بكثير من الأسئلة من خاصرة النزاع الإيراني – الأميركي، ومن هنا، وإذا لم تتيقن السلطة السياسية أنها في مغامراتها قد تقود البلاد إلى خراب أعمّ وأشمل، فذلك يعني أننا نشهد ممهدات لحرب جديدة – لا قدر الله!