يُقال عندنا "راحت السكرة وإجت الفكرة"، وهو ما يكاد ينطبق على النائبة الدكتورة نجاة صليبا عون، التي لا يمكن لأحد إنكار مؤهلاتها العلمية والأكاديمية، وخصوصاً في قطاع البيئة، ودورها الفعال إلى جانب الجمعيات العاملة في هذا القطاع، ودعمها للشباب والشابات، وعملها على رفع منسوب الوعي المجتمعي بالقضايا والمخاطر البيئية، والإضاءة على الحلول العملانية والممكنة لها.
لكنّ هذا أمر، والعمل في الشأن السياسي أمرٌ آخر، ولاسيما أنها وصلت إلى الندوة البرلمانية بأصوات من خاطبتهم بصفتها تغييرية رافضة للمنظومة السياسية القائمة وأدائها المدمّر، وبوعودٍ- أو آمالٍ على الأقل- بأن تُظهر أداءً مغايراً يشبه شخصيتها وموقعها ودورها وإطلالاتها التلفزيونية.
وأيضاً يُقال "أول دخوله شمعة بطوله"، حيث كان أوّل موقفٍ "تغييريّ" لها خلال حلقةٍ تلفزيونية بُعيد انتخابها، قالت فيها: "أنا نظفت زبالتي"، وتقصد بذلك أنها أزالت الصور واللوحات الانتخابية الدعائية الخاصة بها، داعيةً زملاءها النواب وكذلك المرشحين، إلى الاقتداء بها ورفع "زبالتهم"، منعاً للتلوّث النظري، كما قالت..
جميل!
وبالأمس، جرى تداول مقطعٍ من مقابلةٍ تلفزيونية لها، أثنت فيها على شخصية رئيس مجلس النواب نبيه بري، مشيدةً بخبرته الطويلة التي أملت أن تستفيد منها، قائلةً: "ما حدا يتفلسف ويقول إنه الرئيس بري ما عنده خبرة، هو مدرسة بحدّ ذاته"!
ما لنا وللموقف الشخصي للدكتورة التغييرية من الرئيس الثاني لسلطةٍ دمّرت البلد ونهبت خيراته وأفقرت شعبه وقمعت المنتفضين عليها وأطلقت القنابل المسيلة للدموع عليهم، والرصاص الحيّ على أعينهم التي تتطلّع إلى التغيير، وعلى ألسنتهم التي تنادي به، فهذا شأنها.. لكنّ ما يعنينا هو مبرّر إطلاقها هذا الموقف المتغيّر، لا التغييري، وهو استجابة دولة الرئيس لطلبها بمنع النواب من التدخين في الغرف داخل المجلس، استناداً إلى القانون الرقم 174 القاضي بمنع التدخين في الأماكن المغلقة، وإرساله "شرطة المجلس" (ما غيرها) التي تقمع وتطلق القنابل والرصاص ابتهاجاً في الهواء، أو انتقاماً على الصدور والأعين، لإزالة المنافض من الغرف!
جميل جداً!
يا دكتورة نجاة، لأنني أحترم موقعك الأكاديمي، وأقدّر حرصك على البيئة، أقول لك: "ما بقا تتفلسفي، وتفّضلي" مارسي دورك في التشريع والرقابة واقتراح القوانين الكفيلة بحماية البيئة فعلاً لا شعارات، انطلاقاً من هذه الصورة التي تُظهر سحابة دخان مولّدات الكهرباء تخنق العاصمة بيروت، بسبب أن لا كهرباء ولا معامل طاقة ولا حلول ولا من يحاسبون..
فالمشكلة الفعلية والمخاطر البيئية هنا، وليست في "زبالة صورك وصور زملائك" ولا في "منافض مجلس النواب".. والاختبار الحقيقي لدورك ووعيك وقدراتك التغييرية هو هنا. فإذاً تفضلي مارسي واجبك، وأظهري لمن انتخبوك أنك صادقة في مـا كنت تعدين به، وبلا فلسفة!