يحتفل العالم اليوم 14 أيار (مايو) باليوم العالمي للطيور المهاجرة، والذي يتم الإحتفال فيه على مدى يومين أولها اليوم في هجرة الربيع، والثاني في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 خلال هجرة الخريف، ويشارك في الإحتفالات حكومات ومتنزهات ومدارس ومكتبات والعديد من الجمعيات والمجموعات الأخرى، وتتراوح الإحتفالات من نزهات لاستكشاف الطيور إلى ورش العمل التعليمية والمهرجانات. يتم تقديم بعض الأحداث افتراضيا، وجميعها تحت عنوان رئيس هو "التلوث الضوئي" الذي يساهم بنفوق ملايين الطيور، وهي حملة توعية سنوية تسلط الضوء لضرورة الحفاظ على الطيور المهاجرة وموائلها وعلى التهديدات التي تواجهها خلال هجراتها السنوية عبر الممرات الرئيسية الثلاثة فضلا عن دور الطيور ولا سيما المهاجرة منها في توازن النظم البيئية، وعلى الحاجة للتعاون الدولي للحفاظ عليها.
المسارات
وتهاجر 20 بالمئة من أنواع الطيور عن طريق اتباع الطيور مسارات تسمى مسارات الطيران Flyways، وتستخدم فيها آليات عدة لترشدها إلى طرق هجرتها، ومنها الأجرام السماوية أو تتبع المعالم الجغرافية، أو أن أعضائها الداخلية أو مناقيرها تساعدها على الملاحة والوصول للوجهة المطلوبة، ولهجرة الطيور عدة أنواع تُصنف بناءً على وقت أو مسار الهجرة أو تبعًا للمشاركة في الهجرة.
ومن خلال الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات المعنية على هذه المسارات الرئيسية الثلاثة وهي مسار الأميركيتين Americas Flyway، مسار أفريقيا- أوراسيا African-Eurasian Flyway ومسار آسيا الشرقية – أستراليا East Asian – Australian Flyawy، وما ينتج عنها من تبادل للمعلومات، وبهدف زيادة مستوى الوعي حول التهديدات - العامة والخاصة - التي تواجهها الطيور، ومن خلال مقارنة التجارب والإهتمامات ومشاركة القصص والأنشطة المختلفة، من الممكن إشراك المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم لرفع الصوت والقيام بتغيير عملي وفعلي على الأرض عبر مسارات هجرة الطيور، وهو ما يؤكد حقيقة أن الحفاظ على الطيور هي قضية عالمية، وكل شخص عبر هذه المسارات معني بها.
جمعيات الطيور في لبنان
وفي لبنان ثمة جمعيات عدة تهتم بالطيور وأهمها جمعية حماية الطبيعة في لبنان Society for the Protection of Nature in Lebanon، SPNL وجمعية حماية الطيور في لبنان Association for Bird Conservation in Lebanon ABCL، والجمعية المختصة بالطيور المهاجرة " الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة" Lebanese Association for Migratory Birds LAMB التي تم تأسيسها في العام الماضي، وجمعيات أخرى.
وقال مؤسس الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة الدكتور ميشال صوان لموقعنا "زوايا ميديا": "تأسست الجمعية في حزيران (يونيو) من العام 2021، وهي نتاج لعمل في إنقاذ الطيور المهاجرة والمقيمة منذ العام 2009، وبالإضافة إلى ملجأ للطيور يضم عشرات الطيور المصابة والمعاقة والتي لا تستطيع الطيران، والتي تتزايد أعدادها باضطراد بسبب ممارسات الصيد الجائر، تقوم الجمعية بمهام التوعية والإنقاذ والعلاج والتأهيل بهدف إعادة الطيور التي تعافت لتقوم بمسار هجرتها"، مشيرا إلى "إطلاق ثلاثة طيور مؤخرا، بعد تجهيزها بجهاز تتبع يعمل على الطاقة الشمسية GPS، فشلت محاولتان منها بعد علاجها وتأهيلها، إذ قام أشخاص بقتلها، وأحد هذه الطيور لا زال في منطقة في لبنان، ولم يهاجر وفقا لإحداثيات الجهاز، ما يثبت أن محاولات إعادة إطلاق الطيور التي تمت على مدى سنوات من قبل الناشطين والجمعيات ومن قبل مجموعتنا، لا تعني أن هذه الطيور عادت إلى بيئتها وهجرتها، بل يمكن أن تكون كلها أو عدد كبير منها لقت مصرعها، وهو متا أمكننا توثيقه عبر هذه الأجهزة، التي ننوي متابعة الحصول على مثلها وتجهيز طيور هامة للأبحاث العلمية حولها مع جمعيات عالمية في المستقبل القريب".
هجرة الطيور
وتعتبر هجرة الطيور في الربيع والخريف واحدة من أكثر الأحداث الطبيعية إثارةً للإعجاب، حيث توصف بأنها الحركة السنوية المنتظمة للكائنات الحية ولا سيما الطيور عبر جزء من العالم إلى جزء آخر وثم العودة إليه مرة، . والدافع الأساسي للهجرة هو البحث عن بيئة أفضل يتوافر فيها الغذاء والطقس المعتدل وإمكانية بناء الأعشاش بأمان، وهي من أشكال التكيف للبقاء على قيد الحياة، وتسمح للطيور بالإستغلال الجيد للطعام الذي يخضع للتغييرات الموسمية وبهدف التكاثر، ومن المناطق التي تشهد إنخفاضا وعدم وفرة بالإمدادات الغذائية إلى مناطق ذات موارد أوفر و أغنى، وبهدف التعشيش، وعادة ما تهاجر الطيور إلى نصف الكرة الشمالي المعتدل أو القطب الشمالي لتتكاثر في الصيف وتهاجر جنوبًا إلى المناطق الأكثر دفئًا في فصل الشتاء،
وفي الشرق الأوسط تميل الطيور المعششة في نصف الكرة الشمالي إلى الهجرة شمالا في فصل الربيع للإستفادة من تزايد أعداد الحشرات و النباتات الناشئة (budding plants) ووفرة مواقع التعشيش، كما تتحرك مع اقتراب فصل الشتاء جنوبا مرة أخرى، حيث تواجه الأنواع الآكلة للحشرات صعوبة أكبر في العثور على الطعام في مناطق معينة على عكس الأنواع الآكلة للحبوب أو "القارتة" التي يمكنها تنويع نظامها الغذائي. يعد الإنخفاض المحسوس في درجات الحرارة عاملاً محفزًا للقيام بالهجرة، و مع ذلك يوجد العديد من الأنواع، بما في ذلك الطيور الطنانة التي يمكنها تحمل درجات حرارة جد منخفضة طالما توفرت إمدادات كافية من الغذاء.
"وتعتبر الطيور مؤشرات ممتازة للتنوع البيولوجي، لأنها تعكس حالة البيئة" وفقا للأمينة التنفيذية لاتفاقية الأنواع المهاجرة CMS آمي فراينكل Amy Fraenkel، وأضافت: "من خلال الاعتماد على الموائل والمواقع المختلفة على طول طرق الهجرة الخاصة بها، فإن الاتجاهات في حالة الحفاظ على هذه الطيور المهاجرة، توفر مؤشراً على حالة البيئة على طول مسارات الطيران بأكملها، فهي تعمل كمكافحة للآفات، إذ تتغذى على القوارض والحشرات التي قد تكون ضارة مثل اليرقات والسوس والديدان القارضة، إذ تقوم الطيور المهاجرة بأداء خدمات تنظيم بيئية مهمة، كما وأن لديها دورا حيويا في نثر البذور وتلقيح الأزهار. وعلى سبيل المثال، تعتمد الطيور العشبية على الأعشاب كموائل تعشيش وتساعد في الحفاظ على النظم البيئية المفضلة لديها، وذلك من خلال تشتيت بذور المراعي، فإنها تقوم بعمل المزارع لهذه النظم البيئية التي تعمل أيضًا كملاذ للحياة البرية الأخرى ".
التهديدات
وتتعرض الطيور للعديد من التهديدات ومنها الصيد لا سيما في منطقة الشرق الأوسط ولبنان، كما أن الهياكل العمرانية والحضرية كأعمدة الكهرباء وعنفات الرياح ومنصات النفط البحرية تؤثر على الطيور المهاجرة، التلوث، العواصف، حرائق الغابات وتدمير الموائل على طول طرق الهجرة، وقلة الغذاء الذي تحتاجه الطيور المهاجرة في مناطق التوقف، ووفقا لوايكيبيديا، فعلى سبيل المثال، في مسارات الطيران الآسيوية الشرقية-الأسترالية، تم تدمير حوالي 65 بالمئة من الموائل الرئيسية في البحر الأصفر من عقد الخمسينيات.
ويعتبر الصيد الليلي بالأضواء الكاشفة، أحد وسائل الصيد الجائر المتبعة في لبنان، والتي ساهمت بالقضاء على الكثير من الطيور المهاجرة التي تقطع المسافات ليلا، كما وتساهم بالقضاء على الطيور المقيمة وخصوصا طيور البوم، التي ساهمت هذه الممارسات وكذلك الصيد بالشبك بالقضاء على أعداد كبيرة منها خلال الأسابيع السابقة، وتشكل هذه الممارسات أثرا سلبيا مضاعفا على الطيور بشكل عام، كونها تمارس في موسم الربيع موسم تفريخ وتكاثر الطيور، علما أن موسم الصيد لم يفتح هذا العام والعام الذي سبقه، لكن التجاوزات مستمرة ولا من رقيب ولا حسيب، على الرغم من جهود ناشطين وجمعيات بيئية في فضح هذه الممارسات.
التلوث الضوئي
يعتبر التلوث الضوئي وتأثيره على الطيور المهاجرة محور اليوم العالمي للطيور المهاجرة 2022، وهي حملة عالمية تهدف إلى زيادة الوعي حول الطيور المهاجرة وضرورة التعاون الدولي للحفاظ عليها. حيث ستقام الأنشطة للاحتفال بهذا اليوم على مستوى العالم تحت شعار "خفت الأضواء للطيور في الليل"، حيث تقوم العديد من البلدان حول العالم بالمشاركة في هذه الحملة عبر إطفاء الأضواء في الليل.
ويتزايد التلوث الضوئي في جميع أنحاء العالم. يقدر أن أكثر من 80 بالمئة من سكان العالم يعيشون تحت "سماء مضاءة"، وهو رقم أقرب إلى 99 بالمئة في أوروبا وأميركا الشمالية، تتزايد كمية الضوء الاصطناعي على سطح الأرض بنسبة 2 بالمئة على الأقل كل عام ويمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير.
وقالت فراينكل: "للظلام الطبيعي قيمة حفظ مثل المياه النظيفة والهواء والتربة. يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لليوم العالمي للطيور المهاجرة 2022 في زيادة الوعي بقضية التلوث الضوئي وتأثيراته السلبية على الطيور المهاجرة، الحلول متاحة بسهولة، وتأمل الجهات المعنية في الإحتفال بهذا الحدث العالمي في تشجيع صانعي القرار الرئيسيين على اعتماد تدابير لمعالجة التلوث الضوئي ".
يعد التلوث الضوئي تهديدًا كبيرًا ومتزايدًا للحياة البرية بما في ذلك العديد من أنواع الطيور المهاجرة، إذ يساهم التلوث الضوئي في نفوق ملايين الطيور سنويا، ويغير الأنماط الطبيعية للضوء والظلام في النظم البيئية، ومن الممكن أن يغير أنماط هجرة الطيور، وسلوكيات البحث عن الطعام، والتواصل الصوتي. وتنجذب الطيور المهاجرة للضوء الاصطناعي ليلاً، خصوصا عند وجود سحابة منخفضة أو ضباب أو مطر أو عند الطيران على ارتفاعات منخفضة، ويمكن أن ينتهي بها الأمر بالدوران في مناطق مضاءة، وتعرضها احتياطيات الطاقة المستنفدة بسبب الطيران مسافات طويلة لخطر الإرهاق والافتراس والاصطدام المميت بالمباني.
قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الطيور المائية الأفريقية الأوروبية الآسيوية AEWA جاك تروفيليز Jacques Trouvilliez: "هناك تنوع هائل من الطيور، ينشط عدد كبير منها ليلاً، ويعاني من آثار التلوث الضوئي، تتأثر العديد من الطيور المهاجرة ليلا مثل البط والإوز والزقزاق والطيور الرملية والطيور المغردة بالتلوث الضوئي الذي يتسبب في الارتباك والتصادم مع عواقب مميتة، إذ تنجذب الطيور البحرية مثل طيور النوء ومياه القص بواسطة الأضواء الاصطناعية على الأرض وتصبح فريسة سهلة للجرذان والقطط ".
حلول وتوصيات للتخفيف من التلوث الضوئي
أقرت الأطراف في اتفاقية الأنواع المهاجرة في عام 2020 المبادئ التوجيهية بشأن التلوث الضوئي Light Pollution التي تغطي السلاحف البحرية والطيور البحرية وطيور الشواطئ المهاجرة. ومن بين توصياتها، حددت المبادئ التوجيهية ستة مبادئ لأفضل ممارسات الإضاءة، ودعت إلى تقييمات الأثر البيئي للمشاريع ذات الصلة التي يمكن أن تؤدي إلى التلوث الضوئي، إذ يجب أن تأخذ في الاعتبار المصادر الرئيسية للتلوث الضوئي في موقع معين، والأنواع البرية المحتملة التي يمكن أن تتأثر، والحقائق حول القرب من الموائل المهمة ومسارات الهجرة.
ويتم حاليًا تطوير إرشادات جديدة تركز على الطيور البرية والخفافيش المهاجرة في إطار اتفاقية الأنواع المهاجرة. وستعرض على الأطراف في اتفاقية الأنواع المهاجرة من أجل اعتمادها في الاجتماع الرابع عشر لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأنواع المهاجرة في عام 2023، كما وتتخذ العديد من الحكومات والمدن والشركات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم بالفعل خطوات لمعالجة التلوث الضوئي.
في بعض المدن، لا سيما في أميركا الشمالية، تهدف مبادرات مثل برامج "إطفاء الأنوار" وإرشادات البناء الصديقة للطيور إلى حماية الطيور المهاجرة من التلوث الضوئي من خلال تشجيع أصحاب المباني والمديرين على إيقاف أي إضاءة غير ضرورية أثناء فترات الهجرة.
وقالت سوزان بونفيلد Susan Bonfield، مديرة البيئة للأميركيتين: "اليوم العالمي للطيور المهاجرة هو دعوة للعمل من أجل الحفاظ على الطيور المهاجرة دوليًا. نظرًا لأن رحلة الطيور المهاجرة عبر الحدود، تلهم الناس وتشجع على الترابط بينهم على طول مسارات هجراتها، فإننا نهدف إلى استخدام اليومين في عام 2022 لزيادة الوعي بخطر التلوث الضوئي وأهمية السماء المظلمة لهجرة الطيور ".
زودنا الناشط في مجال الرفق بالحيوان روجيه سعد من جمعية ABCL ومجموعة ناشطون لحماية الطيور البرية والحسون بالفيديو الترويجي باللغة العربية ليوم الطيور المهاجرة العالمي، والذي يمكن مشاهدته على الرابط هنا.
الرابط باللغة الإنجليزية من موقع World Migratory Bird Day يمكن مشاهدته هنا.