كان فريق "امش وتعرف على بلدك" يسابق الزمن عندما قرر الفريق السير في مساره البيئي من صباح يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك للعام الهجري 1443 الموافق 29 نيسان 2022، حيث رجحت دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية أن يكون الجو يوم الجمعة، خماسينيًا حارًا إلى حار جدًا وجافًا مغبرًا أحيانًا ويطرأ ارتفاع ملموس على درجات الحرارة.

بدأ الفريق مساره الصباحي من قرية (جمالا ) التي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، وتبعد عنها حوالي 18 كم، حيث الطبيعة الخضراء الساحرة بعيدا عن ضجيج المدينة وصخبها، نصف ساعة بعد السادسة صباحا كانت كافية للوصول الى أراضي القرية الوادعة النائمة في حضن الجبال التي تضم ينابيع المياه الجميلة حيث سمعنا صوت زقزقة العصافير المتعالية المرحة، ومن على جدران بيوتها ومبانيها قرأنا بساطة عيش اهلها .

النباتات البرية الفلسطينية

سار الفريق في الجبال الشماء الشاهقة بين ظلال الأشجار الأصيلة التي رسمت لوحة خضراء جميلة، حيث الطبيعة الخلابة التي ضمت بعض عيون المياه مع النسيم العليل وروائح الأعشاب والزهور العطرة من الميرمية والزعتر الفارسي والزعتر والياسمين البري وزعتر البلاط والكتيلة ونبتة الطيون التي تستخدم لعلاج الجروح العميقة والعكوب واللبيد الوردي والأبيض والنعنع البري والفيجن والخطمية وتوت العليق واللوف الفلسطيني والضيان الجبلي والمدادة والجعده ودم الغزال والشومر والهليون والركف وورق اللسان وغيرها من النباتات البرية الفلسطينية .

عيــن الشيــخ سلطـــان

وصل الفريق الى قرية (شبتين) والتي تقع غرب مدينة رام الله على بعد 25 كم من وهي محاذية لقرى "شقبا ونعلين ودير أبومشعل"، وفي اعلى الجبال رأى الفريق العديد من المغاور الكبيرة المنحوتة بشكل هندسي داخل الصخور الكبيرة التي كان يتخذها بعض الناس مأوىً لهم في القدم، واستراح الفريق قرب عين الشيخ سلطان والتي كانت تجري بماء نقي زلال كأحد مصادر الثروة المائية الأساسية سابقا في قرية (شبتين)، وكانت هذه العين تضخ كميات كبيرة من المياه التي تتدفق منها يومياً، قبل ان يستولي الإحتلال على البئر الإرتوازي الوحيد في القرية ووضعه لمضخات ضخمة تضخ المياه بشكل متواصل لتغذية المستعمرات التي اقيمت على اراضي الفلسطينيين، بالقرب من العين كانت هناك بقايا مباني قديمة تعود لطاحونة استخدمها السكان قديما لطحن الحبوب

الكسـارات تدمّــر البيئــة

كانت درجات الحرارة أعلى من معدلها السنوي العام بحدود 8 درجات مئوية حسب ما افادت به دائرة الأرصاد، واضطر الفريق السير نحو ثلاثة كيلومترات بين مناطق الكسارات المتعددة المملوكة لأفراد وشركات ساهمت بالقضاء على المساحات الخضراء وعلى الغطاء النباتي ودمّرت البيئة، وذلك بعد أن حوّلت المنطقة إلى تلال لتجميع الحصى الناعمة .

وتساءلنا عن مدى شرعية منح تراخيص لإنشاء هذه الكسارات في تلك المناطق التي تهدد الأشجار والنباتات البرية والتي تستغلّ المناطق البرية والجبال لإنشاء كسارات، تتسبب في اقتلاع الأشجار البرية النادرة وتلوّث البر بالأتربة المتطايرة والغبار المتطاير من الكسارات لعشرات الشاحنات التي مرت بالقرب منا، والتي تسبب عادة بموت النباتات كما هو الحال مع اشجار الزيتون والتي غطت الكسارات أوراقها وأغصانها بالأتربة البيضاء المتطايرة، وهو ما يصيبها بالجفاف والموت مؤكدين أن الغطاء النباتي ملك للجميع والحفاظ عليه سلوك حضاري .

محميــة عيـن الزرقــا

وصل الفريق بعدها إلى محمية وادي عين الزرقاء والتي تعتبر محمية طبيعية فلسطينية تتميز بكثرة الينابيع الموجودة فيها والتي يزيد عددها عن المائة ينبوع نظرا للطبيعة الجيولوجية للمنطقة ذات الصخور الكلسية والدولومايتية التي تسمح بتسرب المياه من خلالها، كما أنها جزء من ينابيع حوض الناطوف المائي الغربي، الذي يعتبر من الأحواض المائية الرئيسية في الضفة الغربية، وتختلف الينابيع من حيث وفرة مياهها ودرجة حرارتها وجودتها، وحسب دراسة وصل عدد الينابيع 100 نبع، وأهم تلك الينابيع هي: عين البلد، عين قوس، عين أيوب، عين سالم، عين الأشقر وعين القرعنة وعين الطويسة وعين الغزيلة وعين فاطمة وعين الجهير وعين مارون وعين أبو سعيفان، عين الزرقاء وعين أبو نياق وغيرها حيث يعتمد أغلب المزارعين في المنطقة على مياه العيون الصغيرة في زراعة الخضروات والفواكه والحمضيات.

سار الفريق بين سلسلة ينابيع جعلت من عين وادي الزرقاء، موطناً للعديد من الأشجار والحيوانات البرية، ورغم تصنيف المنطقة، محمية طبيعية ووطنية بعد دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتحاد الدولي للإنسان والطبيعة الا أنها تفتقر للخدمات والبنى التحتية وتعريف الناس بها ما يحول دون وصول الناس اليها اضافة الى العديد من النباتات النادرة مثل السحلب البري خصوصا في الجزء الشرقي من المحمية. وما يلفت الإنتباه في هذه المنطقة، برك الماء الكبيرة ومصدرها مياه الينابيع النقية التي يتم تجميعها لتستخدم في ري المحاصيل الزراعية.

الحيــاة البريــة في المحميـة

كما تم رصد وتسجيل أنواع كثيرة من الثديات خلال الجولات الميدانية لعديد من مصوري الطبيعة الفلسطينية، ووثق وجود أعداد كبيرة من الخفافيش في المنطقة أهما خفاش الفاكهة (Egyptian Fruit Bat)، بالإضافة لوجود أعداد كبيرة من الوبر الصخري (Rock Hyrax)، والثعلب الأحمر بينما رصدت أعداد قليلة من الغزلان، على العكس من ذلك رصدت أعداد كبيرة من الخنازير البرية (Wild Boar) في المناطق الشرقية من المحمية.

خلال سير الفريق استطاع المصور المحترف عبد دوله رصد العديد من الطيور في المحمية منها عقاب الثعابين وعصفور الشمس الفلسطيني (Palestine Sunbird)،  كما تم توثيق طير الحجل وابو الحناء وسلحفاة المتوسط وأنواع عديدة من السحالي المنتشرة في المحمية اضافة الى انواع الحشرات من الفراش، والجنادب، والنحل، والدبابير .

الأشجـار الأصيلـة في المحميـة

شاهد الفريق خلال سيره في المحمية الأشجار الطبيعية التي تنمو تاريخيا في فلسطين، وتنتشر على كثير من التلال والجبال الفلسطينية، مثل أشجار البلوط والسنديان والسريس والبطم وشجيرات القنديل الصفراء والرتم الأصفر، اضافة الى انوع اخرى من الأشجار التي زرعت بفعل التدخل البشري، وتم زراعتها، كأشجار الصنوبر والسرو والكينا والأكاسيا التي تكاثرت وانتشرت في مساحات كبيرة وبصورة مكثفة نتيجة التكاثر الطبيعي، وتساقط وانتشار البذور من تلك الأشجار بفعل الرياح والطيور.

اقتحامـات المستوطنــين

تواجه منطقة الزرقاء العديد من التحديات والمعوقات، وأهم تلك المعوقات هو محاولة المستوطنين المستمرة للسيطرة على المنطقة، حيث يحرصون على التواجد بصورة مستمرة للتنزه والاصطياف، ويحاولون منع الزوار الفلسطينيين من بلوغها ويقومون بالعديد من المضايقات للمزارعين الفلسطينيين.

يعتبر وادي عين الزرقا امتدادا لوادي نطوف، الذي تعتبره الدراسات التاريخية موطن الانسان الأول في أراضي قرى بيتللو ودير عمار وجمّالا وشقبا شمال غرب رام الله وهو ما يزيد من أطماع المستوطنين في المنطقة اللذين يحاولون نهب سحر الطبيعة الخلابة، من خلال اقتحاماتهم المستمرة للمنطقة للإصطياف بها، ما جعل المزارعين الفلسطينيين في المنطقة في مواجهة مستمرة معهم.

واخيرا رغم الجو الحار الخماسيني استطاع ثلاثون مشاءا من فريق "امشي وتعرف على بلدك" السير مسافة اربعة عشر كيلومترا بين احضان الطبيعة الخلابة بجمالها وجلالها بين الطبيعة الجميلة وينابيعها الأزلية ولذة مياهها الرقراقة الصافية حيث راحة الأعصاب تحت زرقة السماء الصافية وبين ظلال الأشجار اليانعة حيث لا عمارات شاهقة ولا سحابات ملوثة .