على مدى ثلاثين عاما، تابع باحثون اكتشاف المزيد عن مرض ألزهايمر الأكثر شيوعا في مجال حالات الخرف، حيث رصدت أكبر دراسة جينية لمرض ألزهايمر حتى الآن شملت جينومات 100 ألف شخص مصاب بمرض ألزهايمر و600 ألف شخص غير مصاب به، ونجحت في تحديد 75 جيناً مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بالمرض، بما في ذلك 42 جيناً لم يتم اكتشافه من قبل وترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بمرض ألزهايمر.
وتشكل نسبة هذا المرض بالنسبة لحالات الخرف ما بين 60 و80 بالمئة من الحالات، وقالت رئيسة UK Dementia Research Institute البريطاني التابع لجامعة كارديف الدكتورة Julie Williams: "فيما يشكل نظام الحياة والتدخين والرياضة مسببات لهذا المرض، فإن ما يصل إلى نسبة 80 بالمئة يعزى للجينات، لذا يجب الإتجاه لمعرفة الأسباب البيولوجية والبحث عن علاجات فعالة ومناسبة، وهذا الإتجاه تابعناه منذ ثماني سنوات حيث وجهنا علم المناعة للبحث في الجينات لاكتشاف مسببات هذا المرض"
وتشير الجينات غير المعروفة سابقًا إلى مسارات إضافية لتطور المرض إلى جانب جين APOE e4 المعروف جيدًا لعلاقته بتطوير بروتينين أميلويد بيتا amyloid beta وتاو tau، وهما بروتينان مميزان يتراكمان في الدماغ مع نتائج مدمرة مع تقدم مرض الزهايمر.
قالت سوزان كولهاس، مديرة الأبحاث في Alzheimer's Research UKوالتي لم تشارك في البحث: "إن إنشاء قائمة واسعة من الجينات المسببة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر يشبه تجميع قطع الألغاز معًا، وعلى الرغم من أن هذا العمل لا يمنحنا الصورة الكاملة، إلا أنه يوفر إطارًا قيمًا للتطورات المستقبلية".
ووجدت الدراسة أن عددًا من الجينات المكتشفة حديثًا يركز على التفاعلات التفصيلية للغاية بين البروتينات في الجسم التي تتحكم في كيفية قيام الالتهاب والجهاز المناعي بإتلاف خلايا الدماغ.
تقول الدراسة التي نُشرت يوم الإثنين في مجلة Nature Genetics: "إن "متغيرات المخاطر الجديدة التي تم تحديدها في الدراسة الحالية مرتبطة بشكل كبير بتطور مرض الزهايمر".
يقول الخبراء إن هذا الاكتشاف سيوفر للعلماء أهدافًا جديدة محتملة للعلاجات والأدوية وتغييرات في نمط الحياة قد تقلل من خطر الإصابة بأمراض الدماغ القاتلة.
قال الدكتور ريتشارد إيزاكسون، مدير عيادة الوقاية من مرض الزهايمر في مركز صحة الدماغ في كلية شميدت للطب بجامعة فلوريدا أتلانتيك: "إن مستقبل مرض الزهايمر هو الطب الدقيق والوقاية".
قال إيزاكسون، الذي لم يشارك في الدراسة: "هذه الورقة تعطينا الكثير من الأدوات في صندوق أدواتنا، في النهاية، تستهدف بدقة أكبر مرض الزهايمر".
مسارات مرض جديدة
حللت الدراسة العالمية جينومات 111326 شخصًا مصابًا بداء الزهايمر مشخصًا إكلينيكيًا، وقارنت أولئك مع الذين لديهم جينات من 677663 شخصًا أصحاء معرفيًا. تم توفير الجينوم من قبل عيادات في أكثر من 15 دولة من الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا وأيسلندا ونيجيريا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
حددت الدراسة 75 جينة مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر، 33 منها كانت معروفة بالفعل. كما أكدت سنوات من البحث دور أميلويد بيتا وتاو في هذا المرض.
من بين 42 جينًا جديدًا وُجد أنها مرتبطة بمرض ألزهايمر، تجمع العديد منها في عدة مسارات مشتبه بها ولكنها غير مؤكدة لتطور المرض. أحد هذه المسارات هو نظام المناعة في الجسم، المصمم لحمايتنا من غزوات الجراثيم.
ارتبط عدد من الجينات بمنظم مناعي يسمىLUBAC، والذي يحتاجه الجسم لتنشيط الجينات ومنع موت الخلايا. ووجدت الدراسة أيضًا أن الخلايا الدبقية الصغيرة microglia، وهي الخلايا المناعية في الدماغ المكلفة "بإخراج القمامة" - أي إزالة الخلايا العصبية التالفة - تلعب دورًا رئيسيًا في الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر.
وقال ويليامز إن بعض الجينات المكتشفة حديثًا قد تتسبب في أن تكون الخلايا الدبقية الصغيرة أقل كفاءة "مما قد يؤدي إلى تسريع المرض".
هناك مسار رئيسي آخر، وفقًا للدراسة، يتضمن جينات مرتبطة بالالتهاب. يستخدم الجسم الالتهاب كآلية دفاع لقتل مسببات الأمراض، ولكنه يلعب أيضًا دورًا في إزالة الخلايا التالفة.
كان أحد البروتينات التي برزت في الدراسة هو عامل نخر الورم ألفا tumor necrosis factor alpha، أو ـTNF والذي يصنعه الجهاز المناعي لتنظيم الالتهاب. وجدت الدراسة مجموعة من الجينات المرتبطة بـTNF، كما يطلق عليها. على الرغم من أن الدور الحقيقي للمادة الكيميائية هو جمع دفاعات الجسم للقتال، إلا أنها أيضًا مسبب للعديد من أمراض المناعة الذاتية التي ينقلب فيها الجسم على نفسه، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والصدفي ومرض كرون ومرض السكري من النوع الأول.
تم العثور على تفاعلات جينية معقدة إضافية من خلال الدراسة، وكلها توضح أن "مرض الزهايمر هو مرض متعدد العوامل، ويتكون من أمراض مختلفة، ولكل شخص طريقه الخاص، غهذا المرض يظهر بشكل مختلف ويتطور بشكل مختلف في الناس المختلفين"، قال إيزاكسون
سبب شائع؟
كانت الرؤية الرئيسية الأخرى للدراسة هي أن اضطرابات الدماغ مثل مرض باركنسون Parkinson's والخرف الجبهي الصدغي frontotemporal dementia ومرض جسم ليوي Lewy body disease والتصلب الجانبي الضموري amyotrophic lateral sclerosis قد يكون لها نفس الأساس الجيني الأساسي: "بشكل عام، قد تؤكد هذه البيانات على الاستمرارية المحتملة بين الأمراض التنكسية العصبية، "قالت الدراسة
وقالت الدكتور كيليان نيوتيس، طبيب أعصاب متخصص في الوقاية من مرض الزهايمر ومرض باركنسون في طب وايل كورنيل لم تشارك في الدراسة: "قد يكون لدى الشباب مخاطر وراثية أساسية مماثلة، وقد تؤدي إلى مرض باركنسون في شخص ومرض الزهايمر في شخص آخر". "في الواقع، فما يهم هو فهم أن هذا هو الخطأ الذي يحدث في أجسادهم، لذلك دعونا نبدأ مبكرًا ونستهدف هذا المسار."
من خلال إنشاء هذه الصورة الأكثر اكتمالاً للمخاطر الجينية - والتي يجب توضيحها وتحديدها في الدراسات المستقبلية - طور مؤلفو الدراسة أيضًا "نظام تسجيل جديد للتنبؤ بخطر الإصابة بمرض الزهايمر،" قالت تارا سبيرز جونز، نائبة المدير من مركز اكتشاف علوم الدماغ بجامعة إدنبرة، في بيان.
قال سبايرز جونز، الذي لم يشارك في الدراسة: "ستكون هذه الأداة مفيدة للباحثين، لكن من غير المحتمل استخدامها في أي وقت قريب للأشخاص الذين لا يشاركون في التجارب السريرية".
يعرف الباحثون الإكلينيكيون مثل إيزاكسون و نيوتس أن أداة مثل هذه هي بالضبط ما يريده المرضى القلقون بشأن صحة أدمغتهم.
قال إيزاكسون: "يريد الناس أن يعرفوا ما هي فرص إصابتهم بهذا المرض؟، ثم ماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك؟" وأضاف: "ليس اليوم، ولكن في المستقبل القريب، سنكون قادرين على حساب احتمالية إصابة الشخص بمرض الزهايمر أو اضطراب دماغي آخر بطريقة أكثر دقة، وسيساعد ذلك في الإدارة الطبية الدقيقة وأسلوب الحياة."