الاطار النظري بصفة خاصة من خلال هذه الحيثيات:
بعد ان استعرضنا في النقطة السابقة الاطار النظري بصفة عامة والمتعلق بمسلكيات البنية الأميركية في الممارسة الخارجية كان لا بد من تخصيص منطقتنا كذلك في السياق الدولي، ولا يمكن تجاوز الدور الأميركي كوريث للامبراطورية البريطانية من خلال سياسة الباب المفتوح وملء الفراغ، وبالمقابل الاتحاد السوفياتي سابقا اتخذ من سياسة مواجهة الامبريالية العالمية عبر ثورات التحرر الوطني في دول العالم الثالث كأداة في المواجهة وساعدهما على ذلك انهما خرجا من الحرب العالمية منتصران. ولا نستغرب من سياسة القطبين والتي انتهت بالحرب الباردة بينهما، بينما الحروب الساخنة كانت في الدول التابعة لهما. وما يزيد الامر تعقيدا انهما معا قاما بتكريس الكيان الصهيوني "سنغرز اليهود كشوكة في مؤخرة العرب لن يبرؤا منها ابدا الدهر" هذا ما قاله اليهودي ستالين، وهذا ما اكده الامام الخميني فيما بعد واصفا الصهاينة بالغدة السرطانية. وكانت سياسة اميركا في منطقتنا وفقا للإجراءات التالية:
أولا: سياسة التطويع
استذراع وكلاء "عملاء" واسناد زمام القيادة عبر انقلابات عسكرية لا يقل عن خمسين انقلاب، ويغيرون اطقمها كلما اقتضت الضرورة ذلك، بل قاموا باغتيال بعضهم ولاحقوا الآخرين والباقي على طريق المذبح، وكذلك حدث مع زعماء الحركات الوطنية والإسلامية والحبل على الجرار.
قاموا بحماية الملوك والامراء والمهم في تلك المسألة استخدام لعبة المطرقة ان شذ الحكام عن مسار التبعية، والسندان ما دامت أوضاع الشعوب تحت السيطرة.
أما عن المهام والدور الوظيفي الموكل للجيوش فقد افقدوا القدرة القتالية لبعضها عن طريق شل فعاليتها وقدرتها القتالية بمليار ونصف دولار، وعندما احتدم الحوار بين أعضاء مجلس الشيوخ والمجلس العسكري في مصر "أشار احد القادة الضباط بأصبعه في وجوهنا". وقال: نحن نقوم بمجهود كبير بالنيابة عنكم، مما أدى الي تغيير مهامها الوظيفية في الامن القومي والحدود الي بيع الخضر والفواكه والكعك والربيان المقطوع الرأس، وتركوا للاميركي والأوروبيين رؤوس صدام والقذافي وملاحقة النميري.
ثانيا: سياسة التطبيع:
وبعد أن سيطروا على رأس الهرم السياسي في الدولة ادخلوا الأحزاب والجماعات في المنطقة العربية في صراع" الديكة" ومعارك وهمية مذهبية او أيديولوجية وباقي الأحزاب الأخرى كانت ذات ولاءات منها ما هو تابع للخارج كالاحزاب اليسارية واليمينية لكل من اميركا وروسيا، وأحزاب أخرى ذات ولاءات للسلطة ومؤخرا أحزاب وقيادات قدمت الولاءات للعدو ثم ذلك كله عبر ما يعرف بمسرح الدمى المتحركة، شريطة ان تدور حركتها بين التطبيع وتحالفات مع العدو في صراعات قومية وإقليمية سواء كانت دينية دينية، ام علمانية علمانية، او دينية علمانية.
والاهم من ذلك كله سلب روح وقيم الأمة عبر أجهزة ومؤسسات ونظم المستعمر على امتداد قرن تحت الاحتلال البريطاني كالاعلام مستهدفين الرأي العام، كالتعليم وتغيير المناهج باستهدافهم القطاع الخاص للأجيال.
ولن ننسى انه بعد اتفاقية معسكر داوود " كامب ديفيد" تم ابتعاث 32 الف أستاذ جامعي حتى الروضات لحضور ورش عمل توجيهية وبالمجان، وكذلك الامر بالنسبة للأعلاميين والنشطاء السياسيين خاصة ما يتعلق بقضايا المراة على المستوى الاجتماعي الي كل من اميركا وأوروبا بعد "كامب" مباشرة وأخيرا لكل معاقي الذكاء العفوي ، ماذا جنت أمتنا جراء حراس إعاقة التنمية من سياسة الهيمنة والاستتباع وضرب أي انجاز تنموي استنهاضي كل عشر سنوات عبر الذراع الطولى الصهيونية للغرب بالمنطقة مما أدى الي تصريح نتنياهو بأن " التطبيع رفع العزلة أخيرا عن إسرائيل جغرافيا وسياسيا واقتصاديا بعد ان تم اجهاض ثورات الربيع العربي"، وأخيرا انتهت المعادلة كما بدأت بتعاضد وتحالف أميركي روسي صهيوني والتي نتج عنها حروب خارجية "عاصفة الصحراء "وبينيا" عاصفة الحزم". فهل من حجة للكهنة المبصرين من بقية في توجيه ضربة او عدم توجيهها اثناء وقبيل انتهاء الانتخابات الأميركية؟
ثالثا: الشواهد التطبيقية برصد التحركات على المستوى الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي "الجغرافيا والتاريخ السياسي"
حروب اميركا ضد كل من:
-العالم الافرو -اسيوي وأميركا اللاتينية.
-العالم الإسلامي والمنطقة العربية عبر مبررات أخطار متوهمة ،أولهما الخطر الأحمر "الشيوعية" ثانيهما الخطر الأصفر "التنين الصيني"، ثالثهما الخطر الأخضر "العالم الإسلامي".
-1872 جورج واشنطن ارسل قواعد وتوسع أميركي نحو الجنوب / بستان الفواكه الخلفي لاميركا الشمالية لمدة 44 عاما من التأسيس.
-1833 نيكاراغوا.
-1835 البيرو.
-1836 المكسيك/ تكساس وأحاطوها بعدم تسريب المهاجرين اليها حتى في عهد ترامب / كاليفورنيا/ ونيوكسل.
-1846 نيكاراغوا مرة أخرى ومحاولة اميركا افشال سيادة السلطة النيكاراغوية عبر عملائها فقامت بمعاقبة نيكاراغوا.
-1855 الأورغواي واستهداف قناة "بنما".
1873 كولومبيا وكانت تحت التهديد باستمرار / هايتي/ شيلي/ نيكاراغوا من جديد
1899 كوبا والسيطرة على خليج الخنازير " غوانتناموا" والسجن الكبير حتى عهد باراك أوباما.
-1907 إلى 1999 هندوراس والست مدن.
-1914 الحرب العالمية الأولى وبوادر ظهور الخطر الأحمر/ هايتي ثم كل هايتي وسطو مسلح على البنك المركزي بحجة استرداد الديون.
-1914 حتى 1934 هايتي مرة أخرى.
-1916 الدومنيكان وقيام ثورة ضد السلطة الفاسدة فقامت اميركا باجهاضها وفرض حكومة عسكرية عميلة كما يحدث في منطقتنا العربية الان.
-1945 الحرب العالمية الثانية استمر الوضع على جبهتين اميركا اللاتينية سلفادور/ غواتيمالا/ تشيلي مرة أخرى.
اما على الجبهة الآسيوية اليابان والقنبلة الذرية على هيروشيما ونكازاكي تحت عنوان " الطفل الصغير".
-1950 كمبوديا/ كوريا.
-1935 إلى 1955 تقسيم كوريا الي قسمين شمالية وجنوبية / فيتنام.
-1935 إلى 1972 الحرب الباردة بين الدبين لكن الساخنة منها في دول العالم الثالث .
-1980 ريغان وحرب النجوم واستهداف الاتحاد السوفياتي.
بعد الانتهاء من الخطر الأحمر جاء الدور على الخطر الأخضر:
-2001 الحرب المفتوحة ضد العالم الأسلامي ودعوى مكافحة الإرهاب ومن ثم اجهاض ثورات الربيع العربي.
بوش الأبن وإعلان الحروب الصليبية وضرب الكعبة بصواريخ بالستية.
-2003 لقد قامت الولايات المتحدة الأميركية والغرب باستنفار الوزارات والمؤسسات كالخارجية / العدل/ الهجرة/ الدفاع/الاقتصاد واعداد السجون فضلا عن استدعاء التوجهات السلبية واثارة العنصرية والهجرة والجنس والدين.
وقامت إسرائيل بفك حصار دول الطوق بسياسة مضادة وهي قضم الأطراف، وطورتها فيما بعد بسياسة اختراق الأنظمة ومن ثم استدراجها نحو التطبيع.
-من العام 1993 حتى 1998 وحتى 2020 تطويع السودان لاحتوائها تنظيم القاعدة بعد تفجير سفارتي تانزانيا وكينيا وجاء الحل الأميركي بالابتزاز المالي ودفع السودان 335 مليون دولار فضلا عن تجميد ارصدتها المالية وتقسيمها لكيانات جنوبية ودارفو والشمال وملاحقة البشير دوليا، ثم انقلاب عسكري" حمدوك وبرهان" كحكومة يسارية شيوعية ذهبت باتجاه التطبيع.
فلسطين: تم ادراج منظمة "ابونضال" التي أسسها صبري البنا عام 1974 وكذلك الجهاد الإسلامي/ حركة حماس/ الجبهة الشعبية/ جيش الإسلام/ جبهة التحرير/ القسام/ كتائب شهداء الأقصى ومن ثم اغتيال الشيخ ياسين.
العراق: 2003 حتى 2020 تغيير طاقم الحكام واعدام صدام حسين.
غزو العراق وتدمير أسلحة الدمار الشامل المزعومة وكانت الحقيقة تدمير الجيش العراقي ومن ثم ادراج الحشد الشعبي وتنظيم الدولة وعصبة أهل الحق على لوائح الإرهاب "انطلاقا من ظهور المهدي في الألفية الجديدة وكما صرح مجلس الشيوخ الأميركي بأن بغداد عاصمة الخلافة العباسية دولة قابلة للتمدد" وكما " صرح هيغن قائد القوات الأميركية الأول بأننا لن نترك شيئا في العراق حتى المقدسات" كلام هيغن في العاصمة الرياض ، وقد عزله بوش الاب على اعتبار انه تصريح شخصي وعلني مستفز ووضع مكانه شواريسكوف.
الصومال: وقد هزمتها هذه الدولة الصغيرة الكبيرة.
لبنان: بعد الغزو الصهيوني من عام 1982 إلى 2000 حتى 2006 ومن ثم تم ادراج حزب الله على لائحة الإرهاب أيضا وقد هزمتها بلدنا الصغيرة الكبيرة هزيمة منكرة.
البحرين: دعم عائلة ال خليفة لقمع المعارضة خاصة الشيعة منها والقومية.
سوريا: غزو سوريا من قبل اميركا وحلفائها وتركيا ومساندة روسية من عام 1979 حتى عامنا هذا وتم ادراج جبهة النصرة واخواتها بعد ان قاموا بمهامهم في مواجهة الدولة على لائحة الإرهاب.
اليمن: بعد الدعم الأميركي للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في عاصفة الحزم ضد اليمن تم ادراج جماعة انصار الله "الحوثية" على لائحة الإرهاب الا ان هذه الجماعة انتصرت على دول المجلس التعاون الخليجي وأميركا.
مصر: بعد تعاون السيسي مع العدو الصهيوني واستحداث قواعد أميركية في سيناء واجراء مناورات مشتركة مصرية أميركية تحت عنوان " النجم الساطع" تم ادراج وملاحقة انصار بيت المقدس والجهاد الإسلامي المصري على لائحة الإرهاب.
كردستان: بعد تحالف اميركا مع الاكراد في مقاومة الدواعش تم التخلي عنهم بعد احكام السيطرة الأميركية على المواقع النفطية وادراج جبهة انصار الإسلام على لائحة الإرهاب وكذلك ملاحقة الاكراد من قبل تركيا.
ليبيا بعد تقسيمها الي شرق وغرب تم ادراج تنظيم الدولة الإسلامية وانصار الشريعة على لائحة الإرهاب.
ايران: من العام 1956 الي 1979 حتى 2020 قامت الولايات المتحدة بالانقلاب على مصدق ثم عودة أخرى في العام 1979 لاجهاض الثورة الإسلامية، ومن ثم قامت اميركا بادراج الحرس الثوري وفيلق القدس على لائحة الإرهاب حتى اغتيال قاسم سليماني.
أفغانستان: بعد ان تم تكوين عرب الأفغان في مقارعة الاتحاد السوفياتي وهزيمته تم ادراج تنظيم القاعدة وطالبان على لائحة الإرهاب.
باكستان: بعد دعم برويز مشرف بانقلابه العسكري وعدم تمكنه من التخلص من القاعدة وطالبان أطاحوا به وتم ادراجهما على لائحة الإرهاب.
تركيا :بعدما تم تكريس سلطة التيار الإسلامي بقيادة اردوغان واستفحال نفوذه بقاعدة شعبية تم الانقلاب علية عسكريا وحينما فشل تم تخفيض العملة التركية لدرجة انصياع اردوغان لترامب وهناك محاولات من قبل عبد الله غولن المدعوم اميركيا لأنشاء حكومة موازية فضلا عن استقالة وزير مالية اردوغان.
2020 الصين: الخطر الأصفر
بعد السيطرة على معظم دول العالم الإسلامي الأخضر صرح بايدن ووزير الدفاع الأميركي" بأن التحدي الأكبر الصين الصين الصين وقد حدد منطقة هذا الصراع في افريقيا " وتحول التبرير الأيديولوجي الأميركي على جبهة أخرى من الحروب لان الصين دولة عملاقة ديموغرافيا ويذكرنا ذلك بما فعلته الدولة الصغيرة والامبراطورية الكبيرة بريطانيا حينما ارادت ان تحتل الصين فبدءا من حرب الافيون الي حرب الفيروسات والتي تصر اميركا على تسمية كوفيد 19 " كورونا الصين" انطلاقا من التطور الهائل في علم الجينوم وصولا الي علم النانو، فضلا عن الشريحة الالكترونية والذكاء الاصطناعي وما يهمنا في هذا المقام ان نتذكر اتفاقيتان احدهما متعلقة باميركا وأوروبا لمواجهة العملاق الصيني: "اتفاقية شراكة الأطلسي الاقتصادية" الا ان الخيبة الكبرى لاميركا ان خرجت من الاتفاقية بعد ثلاثة أيام من تولي ترامب بينما التنين الصيني وقع مع خمسة عشر دولة الاتفاقية الاقتصادية الشاملة في فيتنام ولم يكتف بذلك بل سارت الاتفاقية من بكين الي منطقة الخليج الي عمق أوروبا اسبانيا والبرتغال تحت شعار احياء طريق الحرير الجديد وضخت في طرقاته اتفاقية أخرى لدعم شراينه واوردته باتفاقات نفطية خليجية وتدفق مواردها البشرية في عمق افريقيا.
ألا تدل الرؤى النظرية العامة والخاصة والشواهد التطبيقية لكليهما على ان المسألة ليست مرهونة باتخاذ قرارات الحرب والسلم بأيدي رئاسات منتخبة جمهورية ام ديمقراطية ولكنها الاستراتيجية يا سادة التي تركز على ان الانتخابات مجرد وسيلة متغيرة اما الأهداف فهي تنم عن دوافع ثابتة؟!