"قام الاستقلال على أكتاف دمشق في سوريا وبنت جبيل في لبنان" (من خطاب للمناضل السوري الكبير فخري البارودي زعيم الكتلة الوطنية المناهضة للاحتلال الفرنسي)
إنّه التاريخ الحقيقي الذي كتبه رجالنا بدمائهم وبمعاناتهم في سجون الاحتلال الفرنسي الغاشم.. إنّه الاستقلال المعلن سنة 1943، رغم أنّ الاستقلال لم يكتمل إلاّ بانسحاب آخر جندي فرنسي من لبنان في 31 كانون الأول سنة 1946.
وبما أنّه اليوم (22 تشرين الثاني) المعلن والمتفق عليه وطنياً للاستقلال؛ فإنّه حقّ لنا في هذه المناسبة أن نصوّب ما تغافل عنه التاريخ المسيس طائفياً ومناطقياً في ذكر الكثير من الأحداث؛ سيما المظاهرات التي كانت تنطلق من بنت جبيل لتعم سائر المنطقة، بل سائر لبنان.. أيضاً، تغافل هذا التاريخ متعمداً عن ذكر الكثير من الأبطال والمؤسسين الحقيقيين للاستقلال اللبناني، خاصة من أبناء جنوب لبنان، مثل أدهم خنجر و صادق الحمزة و محمود الأحمد بزي الذين أوقدوا نار الثورة الأولى على الفرنسيين، ومؤتمر وادي الحجير الشهير وسيده عبد الحسين شرف الدين، والشاب البقاعي البطل من آل عبد الساتر الذي أنزل العلم الفرنسي ورفع مكانه العلم اللبناني؛ لا أحد يأتي على ذكرهم..! بل إنّ هذا التاريخ المقيت وللأسف قد سجّل شارعاً في عاصمة لبنان بيروت باسم المحتل الجنرال غورو، بدل أنّ يخلّد ويمجّد الأسماء أعلاه.
كذلك كان نصيب النائب والوزير والسفير علي الحاج حسن بزي (1912-1985).
وهنا، كان من الواجب الوطني والأخلاقي أن نذكّر هذا الجيل بأحد أبطال الاستقلال الكبار، علي بزي (أبو هاني).
بعد أن كان يقود المظاهرات والاعتصامات مع رفاقه ضد الاحتلال الفرنسي في الجنوب اللبناني، الأمر الذي أدّى إلى سجنه عدة مرات، وفي المرة الأخيرة خرج المناضل علي الحاج حسن بزي من السجن بعد ثمانية عشر شهراً، بطلاً من أبطال الاستقلال اللبناني، وعاد إلى مدينته الحبيبة بنت جبيل مكللاً بالغار، فاستقبلته المدينة (بنت جبيل) وجبل عامل والعرقوب استقبالاً قلّ نظيره.. حيث اجتمعت الوفود المشاركة في محلة صف الهوا وهي تحمل السناجق والرايات، وحمل علي بزي ساعة وصوله على الأكتاف، وسط الحداء والزغاريد والدبكة والهتافات المؤيدة له، ولرجال الاستقلال ولنهجهم النضالي في مقاومة المحتل الفرنسي، وقد شارك وفد وادي التيم في استقباله بمراسم خاصة؛ إضافة إلى وفود أخرى أتت من معظم المناطق اللبنانية.*
وتجدر الاشارة أنّ المرحوم علي بزي سجن من قبل الفرنسيين كباقي رجال الاستقلال، وذلك في سجن المية ومية بغرفة واحدة مع المرحوم الشهيد معروف سعد، وقد زاره الرئيس بشارة الخوري في ذلك السجن بعد خروجه من سجن بشامون.
نكتفي بهذا القدر، على أن نتوسّع لاحقاً في سيرة كبير من رجالات لبنان، عاش مناضلاً مرفوع الرأس، ومات نظيف الكفّ ناصع الجبين.. فهذه عجالة كي لا ننسى أبطالنا في عيدهم.. عيد لاستقلال لبنان.
*انظر: علي بزي شاهد على عصر، عصام الحوراني، الطبعة الأولى بيروت 2013 مؤسسة نوفل. (بتصرّف يسير)