يتسم علم الإدارة والتسويق بأهمية قصوى في عصرنا الحاضر، وتعتبر الإعلانات أحد المداميك الأساسية في الترويج لمنتج أو سلعة، واليوم، ثمة آفاق واسعة وسط ثورة المعلومات وتطور التفاعل السريع عبر منصات التواصل الاجتماعي، كل ذلك يتيح للعملاء فرصاً أكبر لاستهلاك المزيد من المنتجات بغض النظر عن أنواعها، وبعيداً من الحاجة إليها، خصوصا ما يمكن وضعه في خانة الكماليات، فالمنتِج يتطلع إلى تحقيق أرباح طائلة، ولكن هل ثمة معيار أخلاقي وقِيَمي يتحكم بهذه العملية؟
لقد وفر التطور الهائل في مجال "المولتيميديا" إيصال كمٍّ هائل من الإعلانات إلى المستهلك، عبر رسائل مقروءة أو مرئية، والهدف دائماً جذب الناس وتحفيزهم على المزيد من الإستهلاك والإقبال على شراء منتجات جديدة، ليس ثمة من يعلم في غالب الأحيان إن كانت هذه السلعة أو تلك مستوفية الشروط والمعايير العالمية من حيث الإنتاج والتصنيع.
من هنا، نرى أن للإعلانات دور حيوي في تقديم المنتجات للمستهلكين، وتهدف إلى جذب المستثمرين وزيادة شراء البضائع بين المستهلكين الحاليين والتطلع إلى مستهلكين جدد، فضلا عن أن ثمة توجهاً لدى المعلنين ليبقى المستهلك وفياً لعلامة تجارية بعينها، إضافة إلى البحث الدائم على بناء الثقة بين العلامة التجارية والمستهلك بكافة الوسائل.
كل ذلك يطرح إشكالية غير منفصلة إقتصاد السوق، ولا عن الرأسمال المتوحش الذي يتقصد الربح وتحقيق مكاسب خيالية، وبعيداً من أي اعتبارات إنسانية واجتماعية، بحيث يتحول الناس أسرى الإعلانات، وسط تسابق محموم بين كبريات الشركات، ولا سيما المتعددة الجنسيات منها.
ألا يفترض ذلك أن ننظر بعمق إلى ما يحدث حولنا، ولا سيما في الوقت الحاضر؟ هذا السؤال نجد الإجابة عنه إذا ما نظرنا إلى الشوارع والمدن في كافة أنحاء العالم، حيث تطالعنا الإعلانات بررسومات وألوان وأضواء لاجتذاب الجمهور، هي تغطي حوالي 70 بالمئة من المساحة الإجمالية للأماكن العامة (شوارع، ساحات عامة، مدن وأحياء وغيرها).
ينجم عن هذا الأمر "تلوث بصري" على حساب المدى الأخضر على سبيل المثال، وهذا التلوث ينجم عنه تشويه يصدم العين، فضلاً عن أن ثمة معياراً أخلاقياً متصل بـ "تسليع" جسد المرأة، إذ قلما ننظر إلى إعلان أو يصلنا إعلان عبر وسائط التواصل، إلا ونجد حضوراً للمرأة فيه استخفاف بكيانها عبر تصوريها مجرد جسد بقصد الإثارة وربط ذلك بالمنتج.
هي ملاحظات سريعة تفترض التصدي لاقتصاد السوق، وتبني التخفيف والحد من الاستهلاك، وهذا ما لحظه اتفاق باريس للمناخ، خصوصا وأن الزيادة في الاستهلاك تعني دورة إنتاج أكبر، وحرق وقود أحفوري أكثر، ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ، فضلا عن استنزاف موارد الأرض.
هل يمكن "عقلنة" الإستهلاك؟ هذا هو التحدي اليوم وغدا وبعده!