من أهمّ ما يُميّز فلسطين هو التنوّع الجغرافيّ والمناخي فيها ووفرة الماء وتنوع التضاريس والضوء المُناسب، وهذا التنوّع الفريد أكسب هذه الأرض ميّزة الحياة عليها وصلاحِيتها ِللعيش عبر العصور والحقب التاريخية المختلفة، ومن أبرز المعالم الجغرافيّة لفلسطين هي الجبال الشاهقة التي تقوم بدور أساسيّ في حفظ الأرض من الحركات، وخصوصاً حركة الصفائح والإنزلاقات الصفائحيّة فالجبال يتمّ تشبيهها بأنّها كالأوتاد التي تحفظ البيت من السقوط وتُقيم دعائمه.
محميــة الجِبَــالُ الشاهقــة والجَمال الفَتَّـــانَ
لذا اختار فريق "امشي وتعرف على بلدك" محمية الجبل الكبير، والتي تعد من أهمّ السلاسل الجبليّة وأكثرها شُهرة في شمال شرق مدينة نابلس، وتكتسب هذه السلسلة الجبليّة شُهرتها نسبة إلى وقوعها على أعلى الجبال في المنطقة والذي يبلغ ارتفاعه 950 مترا عن البحر بمساحة تصل إلى أكثر من 22 ألف دونم، تكسوها أحراشٌ من أشجار السرو والصنوبر والخروب والبلوط والسريس.
الربيع هو سيّد الفصول الذي يتربَّع على عرش الجمال، فتزدهر شمسه الساطعة الرقيقة الجميلة التي تهوي إليها القلوب والنفوس معًا، وقد اختار فريق " أمشي وتعرف على بلدك " يوم الجمعة الموافق الثامن عشر من شباط (فبراير) مساره الأسبوعي الى محمية الجبل الكبير في قرية عزموط الواقعة شمال شرق مدينة نابلس، حيث الجبال الشامخة والمساحات الخضراء بعيدا عن الكتل الإسمنتية وأزمات و "نكد" الحياة، وقد تزيّنت الأرض بثوبها المُزهر الجميل، وبسطت الحياة جمالها بألوان مُختلفة على نفوس 75 مشاءا من مختلف الأعمار، في فصل الحياة الذي يتفتح فيه الأقحوان وشقائق النعمان ليتراقص مع ازهار قرن الغزال الفتانة فتكتب معًا قصيدة العبق الفلسطينية التي قرأها كل مشاّء في تلك الجبال، وعاشها في عرسٌ شعبيٌّ احتفل فيه الكبار والصغار في الفريق كل بطريقته الخاصة .
لقد ثبت علميا أن للألوان تأثيراً بالغاً على صحة الإنسان النفسية حيث تساهم لدرجة كبيرة في تعديل الطبع والمزاج، وتسمو بالروح وتغذي الأعصاب، وتفيد راحة الإحساس، فالنفس البشرية تعشق الجمال، وتأثير ألوان الجبال على حياة البشر لا يخفى على أحد، فهي ألوان تبعث الهدوء والراحة في النفس، فتعدد ألوان الجبال ما بين الأبيض والأحمر والأسود والأخضر والألوان المركبة بينها أو امتزاج أحدها بالآخر، يرسم جمالاً يبهر العيون، ويبعث السرور والراحة والطمأنينة، الأمر الذي دفع المشاركين الى التقاط صور تذكارية بين الصخور والأزهار والورود البرية، فيما كانت الفراشات الملونة تطير في المكان فرحة بدفء الشمس بعد لأيام ماطرة وباردة في منطقة يصعب الوصول اليها الا مشيا على الأقدام .
سار الفريق في محمية الجبل الكبير وهو يتسلق القمم الجبليّة الشامخة شديدة الإنحدار، والتي تكونت من سلسة جبليّة تفاوتت في ارتفاعها من مكان إلى آخر، وكان واضحا خلال سير الفريق التضاريس الجغرافية المتنوعة في ظل تقاطع مناخين مختلفين، أحدهما المناخ الجبلي، والآخر الشفا غوري، والذي اكتسى بالأشجار الحرجية الصنوبريّة، وامتاز بتنوع الغطاء النباتي ذو التربة الغنية بعناصر غذائية ومواد عضوية بين الهضاب والجبال والمنحدرات والتي تشهد معدلات تساقط الأمطار الذي يتراوح بين 300-500 ملم سنويا، والتي تطل على قرية النصارية الواقعة في الأغوار الوسطى الفلسطينية .
واثناء سيرنا في الجبال شاهدنا نبات اللوف الفلسطيني، تفاح المجن او الشجيع، النتش (البلان) وأزهار قرن الغزل وشقائق النعمان، زعتر البلاط، ورق اللسان، الطيون، الزعمطوط، الخبيزه والخويخه، وبعض انواع الأوركيدا النادرة إضافة الى ازهار السوسن الزرقاء، فيما كانت رائحة الزحيفة والزعتر الجبلي تفوح في المكان، كما انتشرت بشكل متقطع اشجار السويد، الزعرور، الصنوبر، السرو، السدر واشجارالرتم الأبيض ذات الرائحة الجميلة والتي بدأت تعلن عن وجودها في المناطق الغورية والشفا غورية .
كما تضم محمية الجبل الكبير العديد من أصناف الطيور والحيوانات منها الطيور الجارحة مثل طائر العويسق، والحدأة السوداء، وطائر القليعي بالإضافة الى القبّرة المطوقة والأبلق الحزين وأزرق الزوركما شاهد الفريق خلال سيره غزال الجبل الفلسطيني والخنزير البري الذي يستوطن في وادي الساجور التي تجري فيه مياه الأمطار مختلطة بمياه الصرف الصحي، كما شاهد الفريق العديد من اشجار الصنوبر المعمرة التي سقطت جراء العواصف والرياح والأمطار الغزيرة.
وفي الطرف الآخر من الجبال لاحت في الأفق صخرة الموت الشهيرة، وهي حافة حادة مرتفعة جدا تشرف على واد الساجـــور السحيـــق بين الباذان ونابلس في شمال الضفة الغربية و يعرفها السكان المحليون جيدا وكل من يتجه من مدينة نابلس باتجاه غور الأردن عبر طريق وادي الباذان الذي يبعد 7 كم شمال- شرق مدينة نابلس، وسميت بهذا الاسم حسب روايات كبار السن لأن الصخرة استخدمت لإعدام العملاء في زمن العهد العثماني في فلسطين، حيث يلقى العميل من قمتها باتجاه الوادي الصخري السحيق، ويرجح اخرون انها سميت كذلك لكثرة عدد الثوار الذين أعدمهم الجيش البريطاني عليها، والصخرة مرتفعة للغاية، ويبلغ ارتفاعها حسب تقديرات أهالي الباذان نحو 100 مترا، وما يميزها أنها بارزة نحو الأمام، وأسفلها واد صخري سحيق، ويمكن رؤية أحراش الصنوبر على سفوح جبال الحادة في الجهة المقابلة للصخرة، والتي كان فريق "امشي وتعرف على بلدك" يواصل سيره عليها بكل ثقة وعزيمة واصرار رغم وعورة الجبل في بعض المقاطع .
خلال سير الفريق في سلسلة الجبال استطاع أن يشاهد من المحمية مناطق عدة، وقرى وتجمعات فلسطينية منها قريتي دير حطب وسالم، وادي الباذان وبلدة طمون وخربة عاطوف والفارعة، ومخيم الفارعة، كما شاهد الفريق، قرى طوباس واحراش عقابا اضافة الى قريتي طلوزه وياصيد، وأخيرا سهل قرية النصارية في منطقة الأغوار ليعلن الفريق نهاية مسار جميل طوله أثني عشر كيلو مترا، برفقة الشباب في نادي شباب عزموط الذين تطوعوا مشكورين بقيادة الفريق خلال المسار .











