يطالعنا العديد من المعنيّين وعلى رأسهم وزير التربية عباس الحلبي، بضرورة تحمّل الأساتذة مسؤولياتهم تجاه التلامذة. وذلك بالعودة إلى الصفوف حتى لا يضيع العام الدراسي. ويذكّرهم بأنّ التعليم رسالة وعليهم واجب تأديتها بإخلاص ودون حسابات مادية، مكررًا عبارة، "على الأساتذة أن يُضحّوا". يُضحّوا؟! بماذا؟ هل بقي عندهم شيء ليضحّوا به؟ أم المطلوب من المعلم أن يسلخ جلده ليضحّي به؟!

نعم يا سيد الوزير التعليم رسالة، وأيضًا كل مهنة أو مهمة تخدم الإنسان هي رسالة، مهما علا شأنها أم وُضع في نظر المجتمع. فكلّ ما يحقق خدمة للإنسان هو رسالة، أليس للنجارة، والتنظيف والسمكرة، والنقل، والطبابة، والبناء، والمحاماة رسالة تؤدى لخدمة الإنسان والمجتمع؟! هل هناك من يؤدّيها مجانًا؟! حتى أصحاب الرسالة الروحية هل يخدمون مجانًا؟ لقد جاء في الكتاب المقدس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 9: 7 و 14 "َ7 مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟   14  هكَذَا أَيْضًا أَمَرَ الرَّبُّ: أَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَ بِالإِنْجِيلِ، مِنَ الإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ".

إنّ رسالة التعليم تحظى بتقييم كبير في المجتمع لما لها من تأثير مباشر على المهن كافة، وعلى تقدّم المجتمعات ونموها الاقتصادي والمعرفي. فرسالة التعليم لها الدور الأول في نهضة المجتمعات وتطورها. هذا لا يعني بتاتًا أنّ على المعلم أن يؤدّيها مجانًا. بل هذا يفرض على المعنيّين رفع تقديرها معنويًّا وماديًّا أكثر من أي مهنة أخرى. وعوضًا عن ذلك يمعنون بتبخيثها وتفريغها من قيمتها بشتى الطرق التي لا يتسع المجال لذكرها، وأكتفي بذكر واحدة؛ إلغاء آليات التوظيف القانوني عبر دور المعلمين وكلية التربية وإغراق القطاع بالتوظيف السياسي.

السيد الوزير وأنت القاضي ورجل القانون، عوض أن تطالب المعلم بالتضحية، عسى أن تلتفت إلى الملفات التي يفوح منها نتن الفساد والسمسرات في وزارة التربية. كفّوا عن كاهل المعلم الذي استنزف كل طاقاته في الأعوام المنصرمة، دون أن تتّخذوا بالمقابل أية خطوة لمعالجة مستدامة للمشاكل المتراكمة الناتجة عن ترهّل وفساد إداري وسياسي مزمن.

منيارة في 24\1\2022

د. رولا بردقان