يقول الخبراء إن ذوبان الجليد في القطب الشمالي سيكون له آثار كارثية على العالم، وإذا كان هناك أي شك بشأن تغير المناخ، فلا يجب أن ننظر أبعد من أبرد مناطق الكوكب لإثبات ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمعدلات غير مسبوقة، فضلا عما يمكن أن يحدثه هذا التأثير على العالم بأكمله.
تقرير علمي
"يسخن القطب الشمالي أسرع مرتين من بقية العالم"، وفقًا لتقرير Arctic Report Card الذي أصدرته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي National Oceanic and Atmospheric Administration الأسبوع الماضي عن القطب الشمالي لهذا العام، وتحدث هذه الظاهرة، المعروفة باسم "تضخم القطب الشمالي" Arctic amplification، عندما يخف الجليد البحري، وهو أبيض اللون، أو يختفي، مما يسمح للأسطح الأرضية للمسطحات المائية والمحيطات الداكنة بامتصاص المزيد من الحرارة من الشمس وإطلاق تلك الطاقة مرة أخرى في الغلاف الجوي.
يعتبر العلماء المتخصصون بالقطب بأن هذه المنطقة الهامة هي بمثابة "ثلاجة للأرض" على نطاق واسع نظرًا لدورها في تنظيم درجات الحرارة العالمية، لذا فإن الذوبان الجماعي للجليد البحري والتربة الصقيعية والقبب الجليدية في القطب الشمالي، إنما هو دليل قاطع على ظاهرة الاحتباس الحراري.
قالت نائبة رئيس العلوم والسياسات في شبكة البيئة الإنجيلية (وهي مجموعة بيئية دينية) وعالمة المناخ جيسيكا مورمان Jessica Moerman، لشبكة ABC News: "القطب الشمالي هو خط المواجهة للتغير المناخي، يجب أن ننتبه جيدًا لما يحدث في القطب الشمالي. قد يبدو الأمر بعيدًا، لكن التأثيرات بدأت تأتي وتقرع بابنا الأمامي".
المجتمعات الساحلية ستنتقل إلى الداخل
وفي هذا المجال، قال أستاذ علم المحيطات البيولوجي في جامعة روتجرز Rutgers University، أوسكار سكوفيلد Oscar Schofield، لشبكة ABC News، "ستحتاج المجتمعات الساحلية إلى الانتقال إلى الداخل، فالتأثير طويل المدى لارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي سيكون بارتفاع مستوى سطح البحر، ويعد الذوبان من القطب الشمالي - والغطاء الجليدي في غرينلاند على وجه الخصوص - أكبر مساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر في كافة أنحاء العالم. على الرغم من أن مساهمة الغطاء الجليدي في غرينلاند أقل من ملليمتر سنويًا من ارتفاع مستوى سطح البحر، إلا أن هذه الزيادات الصغيرة تضيف ما بين 6 بوصات إلى قدم منذ الثورة الصناعية – حيث هي مستويات للبحار لم تُبنى البنية التحتية للأراضي بالقرب من المحيطات لتحملها.
من جهته، قال عالم القطب الشمالي والخبير المركز القومي لبيانات الجليد والثلوج وأحد مؤلفي تقرير القطب الشمالي الأخير تويلا مون Twila Moon، "إلى حد ما، وبشكل غير متوقع، فإن الخسارة من الغطاء الجليدي في غرينلاند سيكون لها أكبر تأثير على الأماكن البعيدة عن القطب الشمالي، وفي خطوط العرض المنخفضة مثل أميركا الجنوبية بسبب التغيرات في تيارات المحيطات العالمية".
وقال مون إن" ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب الذوبان واستمرار تغير المناخ، ما سيؤدي إلى تفاقم تآكل السواحل، وزيادة مناطق الفيضانات التي لم تشهد في السابق فيضانات، فضلا عن زيادة الفيضانات الداخلية حيث تغير مياه المحيطات المالحة مناسيب المياه الجوفية وتغمر موارد المياه العذبة"، وأضاف: "إذا نظرت إلى المكان الذي تعيش فيه البشرية، فإن نسبة كبيرة من البشر تعيش مباشرة على السواحل حول العالم، وإذا نظرت إلى أماكن وجود معظم المدن الكبرى الضخمة، فهي على طول السواحل: نيويورك، ولوس أنجلوس، وسان فرانسيسكو."
أنظمة الطقس العالمية ستتغير بشكل جذري
"تؤثر الظروف البيئية في القطب الشمالي على أنظمة الطقس في جميع أنحاء العالم"، قال مون "إن القطبين الشمالي والجنوبي بمثابة (مجمّدات Freezers للنظام العالمي)، مما يساعد على تدوير مياه المحيطات حول الكوكب بطريقة تساعد في الحفاظ على المناخ الملحوظ على الأرض.
وقالت مورمان: "ما يحدث في القطب الشمالي لا يبقى في القطب الشمالي"، وتابعت "يساعد التيار النفاث jet stream، وهو عبارة عن مجموعة من الرياح القوية التي تتحرك من الغرب إلى الشرق بسبب التقاء الهواء البارد مع الهواء الدافئ، وهذا التيار يساهم بتنظيم الطقس في جميع أنحاء العالم. في الولايات المتحدة القارية”، يتشكل التيار النفاث حيث يلتقي هواء القطب الشمالي الأكثر برودة وجفافًا بشكل عام مع هواء أكثر دفئًا ورطوبة من الخليج، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي، يضعف التيار النفاث الذي تغذيه الاختلافات في درجات الحرارة".
وقال مون إنه" بدلاً من التدفق المستمر للرياح، أصبح التيار النفاث أكثر (تموجًا)، مما يسمح بدرجات حرارة دافئة جدًا تمتد عادةً إلى القطب الشمالي ودرجات حرارة شديدة البرودة جنوبًا أكثر من المعتاد"، وقالت مورمان: "إن حالات تفشي الهواء البارد خطيرة حقًا".
وقد وجدت دراسة نشرت في مجلة Science في أيلول (سبتمبر) الماضي، أن التباين في المناخ في القطب الشمالي، وتحديداً ضعف الدوامة القطبية polar vortex، التي تحافظ على الهواء البارد بالقرب من القطبين، أدى على الأرجح إلى تجميد تكساس في شباط (فبراير) الذي أدى إلى انقطاع الكهرباء عن الملايين ومئات الوفيات، كما أشارت الدراسة إلى زيادة عدد متكرر من نوبات الطقس الشتوي شديد البرودة على مدى العقود الأربعة الماضية "في الولايات المتحدة، على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة بشكل عام.
وقال مون إن العلماء يدرسون أيضًا ما إذا كانت ظاهرة انسداد الغلاف الجوي atmospheric blocking مرتبطة بشكل محتمل بطقس صيفي أو شتوي شديد يحدث عندما ينحسر التيار النفاث ويؤدي إلى ركود stagnate أنماط الطقس على مدى فترة من الزمن.
وأشارت مورمان إلى أنه "من المحتمل أن يكون هذا الركود stagnation هو سبب الفيضانات الشديدة التي حدثت في عام 2017 في هيوستن، عندما ظل النظام من إعصار هارفي فوق المنطقة لعدة أيام، مما أدى إلى سقوط أكثر من 50 بوصة من الأمطار، بالإضافة إلى موجات الحرارة المتعددة التي غطت معظم شمال غرب المحيط الهادئ الصيف الماضي"، وقالت: "هذه الظواهر لها تأثيرات واقعية، كلما تسرب هواء شديد البرودة من القطب الشمالي، بسبب تلك الدوامة القطبية الضعيفة، فإنه يذهب إلى مناطق غير مهيأة لهذا الطقس القاسي"، وخلصت إلى أنه "ومع ذلك، على الرغم من الأدلة الموجودة، يجب إجراء المزيد من الأبحاث لإثبات الصلة بين ضعف الدوامة القطبية والطقس القاسي، على حد قول مورمان.
ممرات التجارة العالمية
"ويؤدي ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي إلى فتح ممرات في المحيط لطريق التجارة العالمية - الممرات التي كانت مسدودة في السابق، فذوبان الجليد سيكون له في المستقبل القريب آثار كبيرة على قوانين الشحن الرئيسية"، وفقا لـ "سكوفيلد"، وقال "إنهم لن يرسلوا سفنا على طول الطريق إلى قناة بنما، سوف يمرون مباشرة عبر القطب الشمالي. ولذا فإن ذلك سيغير التجارة، وسيكون له تأثيرات اقتصادية كبيرة للغاية."
لكن مورمان قالت إن "الوصول عبر القطب يمكن أن يصبح بؤرة لنزاع جديد، حيث تقاتل الدول من أجل السيطرة على الطرق التي ظهرت حديثًا.
وقال سكوفيلد: "هناك الكثير من الجهود التي تبذلها الدول لمحاولة المطالبة حقًا بأكبر قدر ممكن من الأراضي في الوقت الحالي، لأنه من المحتمل أن تكون هناك مجموعة كبيرة من الحوافز الاقتصادية للذهاب إلى هذه المنطقة الجديدة وجني ما تستطيع".
وأضافت مورمان أن "بعض التداعيات على الأمن القومي يمكن أن تحدث نتيجة لارتفاع درجات الحرارة أيضًا، حيث يذوب الجليد ويفتح مساحات من الأرض كانت محجوبة سابقًا"، قال سكوفيلد إن "وزارة الدفاع الأميركية ستحتاج على الأرجح إلى إعادة هيكلة ملفها الدفاعي في القطب الشمالي، عندما لا يكون هناك غطاء جليدي لجزء كبير من العام".
تدمير النظام البيئي البكر
"مع استمرار المشاكل من سلسلة التوريد المتوقفة، قد تبدو قدرة حاويات الشحن على استخدام المزيد من الطرق في غياب الجليد مفيدة للاقتصاد العالمي، لكن من المحتمل أن يتم تدمير النظام البيئي البكر، حيث ستتسبب هذه التجارة في كارثة للبيئة الإقليمية" قال سكوفيلد، "إن النظام البيئي في القطب الشمالي في الوقت الحالي نقي ولم يمسه أحد، وهناك العديد من الأنواع والأنظمة البيئية الفريدة التي تأقلمت مع وجود الجليد".
من جهة ثانية، قالت مورمان إنه "مع دخول المزيد من السفن وإليها المنطقة، فإن فرص حدوث تدهور بيئي واسع النطاق ستكون عالية".
وقال مون: "نحن بالتأكيد نشهد تغيرات في أعداد الحيوانات، بالتأكيد الحيوانات التي تعتمد على الجليد البحري كموطن أساسي، حيث فقدنا الغالبية العظمى من الجليد البحري السميك."
وقال سكوفيلد إن "تأثير فقدان الجليد البحري على الأنواع يظهر لدى الدب القطبي، على سبيل المثال، فقد تضاءلت أعداد الدببة القطبية بشكل كبير للغاية، وأصبحت الموائل مجزأة للغاية، لدرجة أن الحيوانات تتزاوج داخليا (ضمن منطقة معينة وليس ضمن كافة المناطق" ما قد يكون له آثار كارثية على بقاء الأنواع خلال الأجيال".
وقال مون "منذ عام 2000، تضاعف عدد برك القندس في ألاسكا، ويرجع ذلك على الأرجح إلى اتجاه الاحترار الذي أدى إلى انتشار الخضرة في ما كان سابقًا يعرف بالتندرا، ووفقًا للتقريرArctic Report Card، فإن "التحمض السريع لمياه المحيطات الدافئة من المحتمل أن يؤثر أيضا على السلسلة الغذائية البحرية، كما وأنه من المحتمل أيضًا أن تؤثر حركة المرور البحرية المتزايدة لكل من الصيد والشحن على مستويات الإجهاد وسلوك الأنواع، بما في ذلك كيفية تواصلها، بالإضافة إلى زيادة فرصة حدوث تسرب للنفط" وقالت مورمان "إن زيادة النشاط التجاري هو أن احتمال فتح حقول نفط وغاز جديدة في الأراضي الروسية يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري مع استخراج تلك الغازات الطبيعية".
آثار مدمرة من نوع آخر
"السؤال هو، هل يمكننا وضع هذه السياسات والاستراتيجيات الآن قبل أن يكون هناك هذا النوع الهائل من الاندفاع نحو الذهاب إلى المحيط المتجمد الشمالي؟" قال سكوفيلد.
قال مون إن "ذوبان التربة الصقيعية في القطب الشمالي يشكل أيضًا مخاطر بيئية طبيعية. غالبية الأرض في القطب الشمالي متجمدة، وعندما تذوب، تبدأ الميكروبات والكائنات الحية الأخرى داخل الكربون العضوي في التربة الصقيعية في الاستيقاظ، وإطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي".
وقال سكوفيلد إن درجات الحرارة يجب أن تكون أقل من صفر درجة مئوية للنمو والحفاظ على الجليد. لكن من المحتمل ألا نستعيد هذا الجليد أبدًا، حيث استغرق الأمر آلاف السنين من طبقات الثلج المتراكمة فوق بعضها البعض لتكوين صفيحة جليدية ضخمة، وبسمك عدة أميال، وأضاف "في مرحلة ما، من المحتمل أن نتجاوز الحد حيث لن يكون هناك شتاء تقريبًا للتحدث عنه، ونرى هذه التأثيرات الكارثية في هذه المناطق القطبية، مثل القطب الشمالي والقطب الجنوبي."
بتصرف عن ABC
الصورة الرئيسية By David Goldman/AP توثق قطرة ماء تذوب من الصفائح الجليدية فيthe Nuup Kangerlua Fjord near Nuuk in southwestern Greenland
