ليست المرة الأولى التي تحدث فيها تعديات سافرة في حدائق الحيوان بلبنان، ما يجعلنا نتساءل عن جدوى وجود هذه الحدائق في هذا البلد المأزوم، فهل حدائق الحيوان وسائل للتثقيف والتوعية حول الحيوانات المختلفة، أم مراكز تعذيب وتجويع للحيوانات، لا بل هي سجون و"معسكرات اعتقال" تعرضها لضغوط نفسية نتيجة اقتلاعها من بيئتها الطبيعية ووضعها في الأسر في مسيجات وأماكن مغلقة، لا تسمح لها بالتعبير عن سلوكها الطبيعي، فضلا عن عدم توفير الغذاء الكافي لها، لدرجة أنها تهاجم مرتاديها وتتسبب لهم بجراح خطيرة؟، أم هي وسيلة للكسب السريع لأصحابها فحسب، ودون أدنى تطبيق للسلامة العامة، وهو ما حصل منذ أكثر من أسبوع، لطفل يبلغ ثلاث سنوات ونصف السنة في إحدى حدائق الحيوان في لبنان، حيث تمكن أسد من نهش جسده بصورة متكررة متسببا بأكثر من 21 جرحا، ليتم تخليصه وبصعوبة بعد تعرض آخرين أيضا لجراح، ما يطرح السؤال، حول إجراءات السلامة العامة في هذه المنشآت في لبنان، وحول جدوى بقائها، كون الأسد لا يميل للإفتراس إلا إن كان جائعا، والسؤال الأهم، وإذ نكشف النزر القليل من هذه الحوادث، فإلى متى الإهمال القاتل في حدائق حيوان لبنان، ومن المسؤول؟
وليست المرة الأولى التي تثار فيها هذه القضايا بحق منشأة Animal City في نهر الكلب خصوصا أو حدائق الحيوانات عموما في لبنان، بس هي مسلسل للحوادث المتفرقة، والتي تمثل معاناة الحيوانات بصورة متكررة، فضلا عن الإهمال الفاضح في كثير من النواحي، لنسأل تاليا عن دور الجهات المعنية من وزارات حول الرقابة المفروضة على حدائق الحيوان لجهة الرفق بالحيوانات الموجودة، والعناية الدورية التي تقوم بها هذه الإدارات لهذه الحيوانات.
وبالعودة إلى تكرار هذه الحوادث، فوفقا للناشطة في مجال الرفق بالحيوان، غنى نحفاوي، التي تتابع المخالفات المختلفة التي تتعرض لها الحيوانات في لبنان، فإنه "على الرغم من أن الوضع يزداد صعوبة على البشر والحيوانات في لبنان، فهذا لن يمنعنا من المتابعة في فضح الممارسات والتعديات التي تتعرض لها الحيوانات في لبنان خصوصا والعالم عموما، وهي محور الإنسانية كمواطنين في هذا البلد الصغير أو العالم"، مؤكدة أن "هذا الكلمات ليست مجرد تنظير، بل بالتطبيق ومنذ سنوات، وخلال ثلاث ولاية وزارية مختلفة ومنذ الوزير السابق حسن اللقيس ونحن نلقي الضوء على الممارسات اللاإنسانية في هذه المرافق أي حدائق الحيوان التي يعتبر تعريفها وفقا لقانون الحيوان والرفق بها 47/2017، والذي وقع عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومنذ 2017 بأنها (منشأة معدة أساسا لإيواء الحيوانات البرية بهدف حمايتها والتثقيف بشأنها) كما وأن من الشروط الواجب توافرها في أي منشأة تتعلق بالحيوانات وفقا للمادة الثالثة من هذا القانون وفي المادة الفرعية 302 من المادة الثالثة بـ (تمكين الحيوانات من التعبير عن سلوكها الطبيعي قدر المستطاع، والتفاعل مع الحيوانات التي تتآلف معها من نفس الفصيلة أو فصائل أخرى مع مراعاة مقتضيات السلامة والراحة العامة) فضلا عن المادة 306 التي تقضي بـ" إحاطة المنشأة عند الإقتضاء بأسوار و/أو حواجز لضمان السلامة العامة وسلامة الحيوانات وعدم فرارها"، تجعلنا نتساءل عن ما قامت به هذه الحديقة لحماية المرتادين لها، وألا تغرنا المظاهر الجميلة، فما جدوى وجود هذه الحديقة وجمالها وهي لا تراعي الحيوانات فيها وتتسبب بتجويعها لدرجة أن تهاجم الناس والأطفال وتتسبب بجراح خطيرة".
وأكدت نحفاوي أن "الأمر ليس شخصيا، ولا يخص هذه الحديقة فحسب، بل أن هناك حديقة تسبب حيوان البابون فيها في وقت سابق بجرح أحد الأطفال، وهو ما كشفناه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أيام وزير الزراعة السابق حسن اللقيس، وما تابعناه أيام وزير الزراعة السابق عباس مرتضى، والذي أصدر قرارا في أيلول (سبتمبر) بضرورة متابعة هذه المنشآت من حدائق حيوانات ومآوي للكلاب الشاردة وخلافه من قبل المصالح الإقليمية في الوزارة مع إصدار تقارير مفصلة حول وضعها بشكل عام لجهة التراخيص وغيرها فضلا عن تقييم حالتها الصحية والبيئية ومدى مراعاتها للسلامة العامة، وما نحاول أن نتابعه مع وزير الزراعة الحالي عباس الحاج حسن، علما أن وزارة الزراعة هي المسؤولة والمعنية بشكل مباشر عن هذه المنشآت".
وتابعت نحفاوي: "للأسف، فإحدى الحدائق، أخذت تؤجر الكلاب الجائعة والعطشى ليتم (سوقها) من قبل الأطفال، كما أظهرنا في هذه التغريدة، حيث وصفتها بأنها معسكرات اعتقال، ولا يمكنني في هذا المجال التعبير بأقل من أن فضائح هذا القطاع، أصبح دولية، وهو ما تناولته رويترز في تقرير سابق، أن الحيوانات في لبنان تموت جوعا وعطشا نتيجة الأزمة الإقتصادية، وهو ما طالبنا به كناشطين بأن تتحرك المنظمات العالمية لإنقاذ حيوانات حدائق الحيوان في لبنان، فالجهات المعنية بالرقابة، للأسف وعلى الرغم من مناشداتنا العديدة، لا تتجاوب معنا، وخصوصا في الحادثة الأخيرة المتعلقة بالطفل جود، لا بل لم يصدر أي بيان حول الحادثة أو أي رد فعل، لنفرض أن ابن أحد السياسيين قد تعرض لهذا الأمر، فهل سيقف مكتوف الأيدي؟ هذه الحديقة متهمة بالإهمال، وعدم اتباع معايير السلامة العامة في منشآتها، وسوف نتابع الموضوع مع أهل الطفل والمعنيين حتى وصول الحق إلى أصحابه والحد من هذه الممارسات الجائرة بحق الحيوانات في هذه الحديقة وغيرها".
وجاء رد من وزارة الزراعة حول الحادثة موضحا أن "صلاحيات وزارة الزراعة ينحصر دورها من خلال الرقابة الصحية على الحيوانات والرفق بها وكذلك مراقبتها عند الاستيراد والتصدير وفقا للقرارات المرعية. وعلمًا أن وزارة الزراعة وفور علمها المتأخر بالموضوع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أرسلت فريق من الأطباء البيطريين الى الحديقة للوقوف على الحادثة والتحقق من ملابساتها".
ودعت الوزارة "الجهات المعنية القيام بدورها على أكمل وجه في ما يتعلق بالتقيد بإرشادات السلامة العامة حرصا على سلامة المواطنين"، وتمنت "الشفاء العاجل للطفل المصاب ومراعاة الحالة النفسية له".
وكان لرد لنحفاوي في تغريدة حول توضيح وزارة الزراعة السابق، مذكرة "بالمادة 20 من قانون الرفق بالحيوان 47/2017 والذي أعطى وزارة الزراعة صلاحيات أوسع مما ذكرتم في البيان" وأضافت " وسأفترض معك (متوجهة بحديثها لوزير الزراعة) انو في (جهات معنية) غير وزارة الزراعة، رجاء تسمّيها لنحمّلها مسؤولية التنصل من الحادثة التي عطبت يد طفل الى الأبد!".
وذكـّــرت نحفاوي بحادثة الأسد التي تناولها موقعنا "زوايا ميديا" تحت عنوان "فضيحة تعذيب الأسد تتوالى... العار يلاحق الحديقة الرديئة في لبنان"، فإلى متى التسويف والتخاذل والتنصل من المسؤولية من قبل الجميع، سواء من مديري حدائق الحيوانات أو من "الجهات المعنية" والذين نود أن نعرفهم لنتوجه إليهم بالمطالبة بالتحقيق المعمق والعقوبة للمقصرين أو غيرهم، وما هي الخطوة التالية؟ وهل يتطلب الأمر ضحية أو ضحايا جديدة لكي يتحرك "هؤلاء المعنيون"؟
ملاحظة: نعتذر عن الصور المرفقة بهذا المقال، والتي قد تؤذي ذائقة قرائنا، ولكنها ضرورية لتوضيح مدى الأذى الذي تعرض له الطفل!