خرج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بعد صدور قرار المجلس الدستوري وهو «اللاقرار» لينعى المجلس الدستوري الذي تم إسقاطه وتعطيله. وكاد أن ينعى التحالف مع حزب الله عندما فتح النار على ثنائي «أمل - حزب الله»، محملا اياه مسؤولية ما حدث، قائلا: «ما حصل تم بقرار سياسي واضح من قبل منظومة متحالفة مع بعضها في عهد الرئيس ميشال عون وعلى رأسها في المجلس الدستوري اليوم كان الثنائي الشيعي، وهذا ما ستكون له مترتبات سياسية». وذهب باسيل الى أبعد من المجلس الدستوري ليفتح ملف مجلس الوزراء قائلا: «نقول للثنائي الشيعي انه لا مبرر لعدم انعقاد مجلس الوزراء وكذلك لرئيس الحكومة، اذ لا يبدو أن هناك استعجالا لهذا الأمر».
هذا التطور يؤشر الى تدهور دراماتيكي في العلاقة بين الثنائي الشيعي وثنائي «عون - باسيل»، خصوصا مع حديث باسيل عن اتفاق رباعي جديد في مواجهة رئيس الجمهورية، وكأنه يتهم حلفاءه قبل غيرهم بالانقلاب على عون، وهذا ستكون له ترتيباته المختلفة على مستوى العلاقة وعلى مستوى الحكومة، لكن باسيل قال انه لا يتخذ قراراته على «الحامي» مفسحا المجال حتى بداية العام المقبل لتصحيح الخطأ، ولتمرير هدنة الأعياد. والجديد في موقف باسيل أنه يصوب على الثنائي الشيعي، أي على حزب الله ضمنا، بعدما كان يحصر تصويبه على الرئيس نبيه بري ويحرص على تحييد الحزب. وما يقوله باسيل يعكس الأجواء السلبية التي سادت أوساط التيار حيال الحزب وحملته مسؤولية تعطيل الحكومة باعتباره الطرف الأقوى في الثنائي الشيعي، وكان الأجدى به تجنب مقاطعة جلسات الحكومة، لأنه بذلك يؤذي عهد الرئيس ميشال عون، ويقضي على ما تبقى من آمال لإنقاذ ولايته من الفشل الشامل، بينما كان مفترضا به تقديم كل عوامل المساعدة والدعم للعهد، وخصوصا على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة.
وتمر العلاقة بين الرئيس ميشال عون وحزب الله منذ فترة بحالات من التوتر والتشنج بسبب ملفات ومسائل عدة، منها مسألة انعقاد مجلس الوزراء وتحقيقات المرفأ، ومسألة قانون الانتخابات والتعديلات التي أدخلت عليه، ومسألة العلاقة مع دول الخليج. وأضيف اليها اليوم قرار المجلس الدستوري بعدما كان باسيل استبقه بتحذير حزب الله من مغبة النيل من صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن «التيار» لم يناضل على امتداد سنواته الماضية في سبيل استرجاع هذه الصلاحيات لتعيدوا بضربة قاضية فتح بابها مجددا. يعني «لا قرار الدستوري» بالنسبة لـ «التيار» أن احتساب الأصوات بالطريقة التي حصلت خلال الجلسة النيابية الاخيرة «بمن حضر»، أن المسلمين يمكنهم انتخاب رئيس جمهورية. مقاربة «التيار» لقرار الدستوري تتعدى مسألة الانتخابات الى موضوع أخطر، في نظرهم، وهو ضرب صلاحيات رئيس الجمهورية والميثاقية بما يثبت أن الاستمرار في ظل هذا النظام بات مستحيلا. لكن النقطة الأهم هنا اعتباره أن الثنائي الشيعي لاسيما حزب الله بات متهما بضرب شريكه المسيحي والتعاطي على أساس «من بعدي الطوفان»، وأن المهم بالنسبة له تثبيت قوتهم وأن وحدتهم كشيعة فوق كل اعتبار. ويبدو هذا التوتر طبيعيا مع بدء العد العكسي للعهد واقتراب موعد الاستحقاقات الكبرى والقرارات الحاسمة.
ولكن ثمة سببان رئيسيان ومباشران يقفان وراء هذا «التنافر»:
- الأول يتصل بالرئيس نبيه بري ودوره وموقف حزب الله منه. فأوساط التيار الوطني الحر تعتبر دور بري سلبيا ومعرقلا ومتسببا بخسائر سياسية كان آخرها خسارة معركة قانون الانتخاب، وتعتبر أن الحزب هو الذي يؤمن الحماية والغطاء لبري، ولولا ذلك لكان العهد نجح في تركيز دعائمه وتحقيق أهدافه. ولكن لا مجال لدى حزب الله لمسايرة عون وباسيل في مطلبهما الداعي الى تحجيم بري، وهذا لم يحدث من قبل ولن يحدث في سنة العهد الأخيرة، ولا يقبل الحزب أن يوضع أمام معادلة الخيار الصعب إما نحن وإما بري.
- الثاني يتصل بالاستحقاق الرئاسي الذي بدأ العد العكسي له في ظل ظروف صعبة وغامضة يصعب معها على أي كان حسم خياراته من الآن، أو التحكم بمجريات هذا الاستحقاق. فالرئيس ميشال عون الذي حدد وكشف هدفه وأمنيته بأن يوصل النائب جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية خلفا له، يريد من حزب الله موقفا والتزاما من الآن بهذا الخصوص. ولكن الحزب لا يستطيع اعطاء مثل هذا لالتزام أو التعهد لأسباب مختلفة.
هل يكون من نتائج سقوط الطعن أمام المجلس الدستوري سقوط جزئي وإضافي في العلاقة بين التيار والحزب؟! وهل مع بداية العد العكسي لنهاية العهد يبدأ العد العكسي لنهاية علاقة تحالفية استمرت 15 عاما، وعشية استحقاقات واتجاهات حاسمة؟!
المصدر: الأنباء الكويتية