تداعت جمعيات بيئية وناشطون ومواطنون من مناطق عدة من لبنان، تلبية لنداء ناشطين من عمشيت، بهدف حماية مغارة الفقمة "الثانية" موئل "فقمة الراهب" النادرة على هذا الشاطئ، بعد اتجاه أحد الأشخاص لبناء منزل على هذا الشاطئ، ما يعتبر تهديدا لهذه الفقمة المهددة بالإنقراض على أحد أجمل شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
عمشيت لؤلؤة المتوسط
وكان الناشط المهندس فريد أبي يونس، قد دعا إلى مسيرة سياحية رياضية بيئية مشيا على الأقدام بالتنسيق والتعاون مع مجموعات متعددة منها "لبناننا الجديد" وWalk &Discover Groups ، وائتلاف الجمعيات البيئية "الشط لكل الناس"، جمعية "الأزرق الكبير وجمعية "عطر الأرز" ومجموعات بيئية أخرى، وتجمع من أهالي المنطقة، ومشاركين جاءوا من كافة المناطق اللبنانية، الذين لبوا الدعوة يوم الأحد الماضي، في وقفة تضامنية لحماية مغارة الفقمة والمغارات المحاذية لها على شاطىء عمشيت، وللتشديد على رفض هذا المشروع والأعمال القائمة بمحاذاتهما، أو فوق قسم منهما، فضلا عن أي مشروع يهدد معالم لبنان وشواطئه البيئية والطبيعية للخطر والأنهيار والتلوث، وللمطالبة بحماية حيوان الفقمة الذي ظهر في المغارة والمهدد بالأنقراض من أي خطر، وللمطالبة بإدراج مغارة الفقمة والمغارات والشاطىء العمشيتي القريب منها محمية بيئية طبيعية.
وبالفعل لبت هذه الجمعيات الدعوة، وبدأ التجمع بزيارة لمدينة جبيل، ليكمل المشاركون بعدها المسار الى عمشيت برا مشيا على الأقدام وبحرا بواسطة ال "كاياك" بهدف تأسيس مسار سياحي جديد وللمرة الأولى بين مدينة جبيل وعمشيت، وتحديده كوجهة سياحية جديدة للمنطقة، حيث سيكون الهدف من هذا النشاط تعريف السواح والزوار على منطقة عمشيت والمغارات الموجودة فيها وخليجها وشاطئها من البر والبحر، وإطلاق عجلة السياحة البيئية على شاطىء عمشيت، وانعاش اقتصاد المنطقة وجعلها وجهة سياحية جديدة على خارطة مدن المتوسط، كما وتأمين فرص عمل لأهلها وأبناء المنطقة من خلال السياحة البيئية، والذي سيتزامن مع إطلاق لقب "عمشيت لؤلؤة المتوسط" على البلدة.
وبعدها وصل المشاركون الى موعد التجمع على مدخل بولفار عمشيت الجنوبي قرب المغارات، بمحاذاة الورشة المذكورة، شاركوا في وقفة تضامنية برا وبحرا لحماية مغارة الفقمة والمغارات الأخرى والشاطىء، تعكس إرادة الأهالي وأبناء المنطقة واللبنانين ككل وحرصهم على حماية الشاطئ اللبناني ككل ومعالم وثروات عمشيت الطبيعية وغناها البيئي، ومنها حيوان الفقمة من أي خطر أو تعد أو تهديد!
واشتمل النشاط على كلمات للحضور منها للناشط من مجموعة Walk &Discover بسام زين الدين، والمهندس فريد أبي يونس، تضمن برنامجا سياحيا وترفيهيا وتثقيفيا عن مغارات عمشيت ومعالمها المهمة.
تجاوب رسمي
وقد قام أبي يونس بارسال كتبا وشكاوى للمعنيين من وزارات وغيرها لحماية مغارة الفقمة والشاطىء، ولإيقاف حفريات وأعمال المشروع التي تشكل خطرا على هذه المعالم، وبالفعل فقد تجاوبت وزارتي السياحة والبيئة، حيث أوقف وزير السياحة وليد نصار الأعمال الى حين تبيان الأثر البيئي، وكما وبدأ وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين خطوات لحماية مغارة الفقمة ووضعها ضمن أولوياته، على أمل استكمال هذه الخطوات بوقف الأعمال نهائيا، وإعلان المنطقة محمية طبيعية.
فقمة الراهب
وتعتبر "فقمة الراهب"Monk Seal واسمها العلمي Monachus monachus إحدى ثلاثة أنواع من هذا النوع من الفقمة، وتعتبر من أندر الكائنات الحية التي تنتمي لفصيلة pinniped ، حيث يقدر أن أعدادها لا تتجاوز 600 - 700 فردا وفقا لـ NOAA، بينها ما يتراوح بين 350-450 فردا بالغا، وتؤدي فقمة الراهب دورًا مهمًا في توازن النظم البيئية البحرية، كما تفعل معظم الأنواع في هذه الشبكات المعقدة، وهي حيوانات مفترسة في قمة الهرم وتعمل على التحكم في مستويات العديد من مجموعات الفرائس للحفاظ على نظام بيئي صحي ومستدام.
وأكد الخبير في الطيور البرية الدكتور غسان رمضان الجرادي إنّها الحيوان الثدي السادس على لائحة الحيوانات المهدّدة بالانقراض على المستوى العالمي. ولقد صنفها الاتحاد العالمي لصون الطبيعة على أنها مهددة بشكل يائس، أي أنها على قاب قوسين أو أدنى من الانقراض.
على الرغم من تحسن أعدادها إلى حد ما في البحر الأبيض المتوسط ، إلا أن فقمة الراهب تظل من الأنواع النادرة نسبيًا، ويصعب مراقبتها باستثناء بعض المناطق اليونانية والتركية، وقد تم إدراجها في قائمة "مهددة بالانقراض"، وفقًا للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وفي لبنان، وعلى مدى ما يقرب من 20 عامًا (2003 - أبريل 2020)، تم تسجيل 47 مشاهدة لفقمة الراهب.
وتشاهد وفي حالات نادرة على طول الشاطئ اللبناني والمغارات الموجودة عليه من الروشة وحتى طرابلس منها 17 مشاهدة مختلفة، بين الأعوام 2016 و2020، تضمنت توثيقا بالصور والفيديو، في الروشة والضبية وعمشيت وصولا إلى جزر النخل في طرابلس، وتطالب جمعيات بيئية عدة، بمشاريع تتابع مراقبتها وتعدادها وبصورة منتظمة لفهم تواجد النوع بشكل أفضل وحمايته.
ويمكن أن تعيش فقمة البحر الأبيض المتوسط حتى 50 عامًا، وتصل إلى البلوغ الجنسي بعمر 5 سنوات، وتلد صغارا يبلغ طولها حتى 80 سم، والتي يمكنها السباحة والغوص بعمر أسبوعين، ويتم فطامها بعمر 16-17 أسبوعا (حوالي 4 أشهر)، لتبدأ بالتغذي كما هو الحال مع البالغة منها على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات البحرية، وعادة ما تأكل ما يصل إلى 3 كيلوغراما يوميًا وتبتلع طعامها بدلاً من مضغه.
تاريخيًا، كانت فقمة الراهب تتواجد على الشواطئ المفتوحة للراحة وللتكاثر، ولكن نظرًا لقرون من الاضطهاد البشري وبسبب طبيعتها الأليفة وعدم خوفها من البشر، تم القضاء على الكثير من مواطنها الأصلية. الآن وكإستجابة للضغوط البشرية، تميل الإناث إلى الولادة في الكهوف البحرية البعيدة. تفضل الإناث الكهوف حيث لا يمكن رؤيتها هي وصغارها، وتميل إلى هذه الكهوف أيضًا كونها تحتوي على بعض المداخل / طرق الهروب الخفيفة، ولانخفاض مخاطر انجراف الجراء في المياه، وتنجذب إلى الشواطئ الداخلية ذات الركيزة الناعمة، والتي لا يمكن الوصول إليها بسهولة من قبل البشر. بشكل عام، يُعتقد أن فقمة البحر المتوسط تغوص وتتغذى في المياه الضحلة القريبة من الشاطئ، تعتبر فقمة البحر المتوسط من الحيوانات المفترسة الانتهازية وتتغذى على مجموعة متنوعة من الفرائس بما في ذلك الأسماك العظمية ورأسيات الأرجل (الأخطبوط الشائع الأخطبوط الشائع) والقشريات.
وكانت هذه الحيوانات منتشرة على شواطئ لبنان حتى الثلاثينيات من القرن الماضي، وقد تم القضاء عليها من قبل الصيادين والتوسع العمراني الساحلي والصيد الجائر والتلوث، وتم الإبلاغ عن انقراض هذا النوع في لبنان منذ ستينيات من القرن الماضي، إلا أنه تم تسجيل بعض المشاهدات النادرة، ومنذ ذلك الحين في منطقتين، الأول عين المريسة والثاني عثر على إحدى الإناث حاملا ونافقة نتيجة ضربة على الرأس في الروشة، وقد يكون السبب تعرضها لحادث مع أحد قوارب الصيد أو من قبل أحد الصيادين، وحقيقة أن الأنثى كانت حاملًا، تشير إلى أن مجموعة منها لا تزال موجودة على سواحل البحر الأبيض المتوسط وشرقه واللبناني منه.
كما سجلت مشاهدات لفقمة الراهب على شواطئ فلسطين المحتلة أيضا، والتي كفرضية أولى قد تمثل جزءا من بقايا مجموعة أكبر من أعدادها القديمة، أو قد تكون أفرادًا تحاول إعادة استعمار هذا الجزء من شرق البحر الأبيض المتوسط، أما الافتراض الثاني فهو أن المشاهدات المسجلة هي نتيجة توسع كبير في المستعمرات التي أقيمت في تركيا، وتشير هذه المشاهدات أن تواجد فقمة الراهب ليست مجرد حادثا عرضيا ولكنها توضح نطاقًا واسعًا لتواجدها الإقليمي، كما وتوجد أعداد منها على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي.
وقد أصدرت وزارة الزراعة قراراً يحمي جميع الحيوانات الثديية المائية، كما وأنّ حماية فقمة الراهب تفرضها اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط التي انضم إليها لبنان عام 1976، كما تفرضها اتفاقية التنوع البيولوجي التي صادق عليها لبنان عام 1992، كما وأن على وزارة البيئة التحرك بشكل سريع لحماية شواطئ لبنان وخصوصا مغارة فقمة الراهب الثانية في عمشيت، والتمهيد لإعلانها منطقة محمية، فضلا عن إصدار دراسة أثر بيئي حازمة، بهدف وقف الحفريات وإنشاء الأبنية وغيرها التي تجري على هذا الشاطئ، وسط فوضى تطاول الأملاك البحرية عامة وشاطئ عمشيت خصوصا، ما يشكل تهديدا كبيرا لموائل الكائنات الحية المختلفة، حيث يعتبر التلوث والإمتداد العمراني وممارسات الصيد الجائر التي تستهدف فقمة الراهب وغيرها من الكائنات الأخرى البحرية في قمة الهرم الغذائي ومنها الدولفين وأسماك القرش كونها تصطاد الأسماك وغيرها والصيد العرضي حيث تعلق كائنات بحرية في شباك الصيادين، التي تعتبر تهديدا لها، ما يحتم ضرورة حمايتها بهدف زيادة أعدادها وحماية موائلها كأسس هامة لحماية النظم البيولوجية البحرية الهامة على شواطئنا.