عانت جميع القطاعات في لبنان من الأزمة الإقتصادية، إلا أن القطاع الصيدلي، عانى الأمرين، فبين تحديات عدة أهمها المواجهة اليومية لمعاناة الناس وآلامهم، وعدم قدرة الصيدلي على تأمين الأدوية على مختلف أنواعها، فضلا عن تأمين القدرة الشرائية لكي تستمر مؤسساتهم بالعمل، وقد أقفلن بالفعل ما يزيد عن 600 صيدلية، خصوصا مع الأزمات مثل الإقفال بسبب كورونا، والاعتصامات وعدم الإستقرار الأمني، ونضوب الأدوية المدعومة وتهريبها، وبالمقابل الإتجاه لبيعها بالسوق السوداء، واتجاه المواطنين لشراء الأدوية بالعملة الصعبة من الخارج، وخصوصا الأدوية الجديدة والتي تكلف أضعاف مضاعفة عن سعرها المحلي، تأتي أسعار الأدوية وفقا للتعرفة الجديدة التي أصدرتها وزارة الصحة العامة، لتضيف أعباء مادية إضافية على الصيدلي، حيث أعلن نقيب الصيادلة الحالي الدكتور "غسان الأمين" بأن نسبة عالية من الصيدليات لا يتوفر لديها رأس المال لشراء الأدوية وبيعها، كل ما سبق وغيره كثير، هو محور الإنتخابات القادمة التي ستقوم بها نقابة الصيادلة، مع أربع لوائح، ثلاث منها مكتملة تتنافس على منصب النقيب والأعضاء في الإنتخابات القادمة في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، في نقابة الأطباء.
ما سبق، هي نبذة عن التحديات التي واجهت الصيادلة خلال الفترة الماضية حيث ستتنافس أربع لوائح خلال انتخابات النقابة، للتغيير النوعي، بهدف الحصول على منصب النقيب و17 عضواً في مجلس النقابة، ينقسمون على الشكل الآتي: 11 عضواً من 12 لأنّ عضوية أمين السرّ ستنتهي بعد سنة، عضوان في المجلس التأديبي، و4 أعضاء في صندوق التقاعد من 6 لأن إثنين لم تنتهِ ولايتهما.
ورشّحت لائحة "الصيادلة ينتفضون" فرج سعادة لمنصب النقيب، وجو سلوم عن "نقابتي سندي"، وناجي جرمانوس للمنصب نفسه عن "نقابة مستقلّة"، أما النقيب السابق لولايتين زياد نصّور فترّشح عن "لائحة الضمير المهني"، كما ترشّح منفردان لمنصب النقيب نبيل أبو خالد وغرايس البريدي، وقد أعلن أبو خالد انسحابه من الترشح وانضمامه إلى لائحة "نحو نقابة مستقلة" التي ترشح الدكتور ناجي جرمانوس لمنصب النقيب.
وتشترك اللوائح في العديد من الطروحات التي تهدف إلى مقاربة التحديات التي يمر بها القطاع، واللافت للإنتباه أن جميع المرشحين لمنصب النقيب يحرصون على التمسك بصفة "مستقل"، واستتار لوائح السلطة تحت هذا الشعار، حيث وتسعى اللوائح للاصطباغ بالاستقلالية، بالرغم من الانتماءات السياسية المعروفة للعديد من مرشحيها ما يمكن أن يوضح حجم النقمة الشعبيّة ضدّ السلطة سواء داخل المعركة الإنتخابية أو في الشارع، وكأنّ الانتماء إلى إحدى القوى التقليدية بات "شبهة" تستدعي الإنكار، وهذا بحدّ ذاته إنجاز لا يستهان به نحو طريق التغيير، وما سينعكس على صورة قوى السلطة وثقة شارعها بها على أبواب انتخابات العام القادم 2022.
"الصيادلة ينتفضون"
وفي هذا المجال، فإن القوى التغييرية تنوي تسديد ضربة جديدة في مرمى قوى السلطة الحاكمة، أسوة بالفوز الكاسح الذي حققته في انتخابات نقابة المهندسين مع "النقابة تنتفض".
و"الصيادلة ينتفضون" تجربة جديدة سواء بالشكل أو في المضمون لجهة الافراد، والكفاءات، والقطاعات والمناطق. فللمرة الأولى في تاريخ العمل النقابي الصيدلي في لبنان أثمرت الجهود عن لائحة تجمع مرشحين مستقلين ضمن برنامج انتخابي مشترك وواعد، وفق آلية شفافة ومعايير واضحة، وضعه فريق متجانس من صيادلة وببرنامج عمل واقعي يحاكي مطالب وهواجس مختلف قطاعات المهنة بهدف الإرتقاء بالعمل النقابي إلى مستوى يليق بالصيادلة ويواكب التطورات العلمية ويأخذ خطورة المرحلة بعين الاعتبار، ومن أجل إنقاذ المهنة في المرحلة المقبلة، بعيداً عن مصالح الشركات المستوردة للدواء، وما يميز اللائحة أيضا، أنها لا تلتزم حتى بـ "الكوتا النسائية" المقترحة في البلاد، حيث تضم 10 من النساء ضمن اللائحة المرشحة (حوالي 60 بالمئة).
الضمير المهني
وتشمل المنافسة كذلك لائحة "الضمير المهني" التي رشّحت زياد نصّور (النقيب السابق لولايتين) وهو مرشح السلطة بشكل عام ودائم وعلى علاقة طيبة مع العديد من الأحزاب، لمنصب نقيب، 11 عضواً لمجلس النقابة، وعضوين للمجلس التأديبي، وأربعة أعضاء لصندوق التقاعد، لتحظى هذه اللائحة بمشاركة وتأييد الثنائي الشيعي والحزب القومي السوري وتيار المستقبل.
ويتمسك النقيب السابق والمرشح الحالي بمقولة "نحن لسنا لائحة السلطة ولا الأحزاب"، ولكن العديد من أعضاء اللائحة ينتمون إلى أحزاب "المنظومة"، إذ يشغل المرشح نجيب محفوض مسؤول قطاع الصيادلة في حركة أمل، والمرشحون خالد الزين وبسام حنيني وفادي ناصر الدين أعضاء في تيار المستقبل، والمرشح شوقي الشماس ينتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وتضم اللائحة سيدة واحدة هي ريتا البشعلاني
"نحو نقابة مستقلّة"
وفي سياق متصل، يخوض المرشح المستقل لمركز النقيب ناجي جرمانوس الإنتخابات ضمن لائحة "نحو نقابة مستقلة" إلى جانب مجموعة من الصيادلة المستقلين، يربطهم العمل النقابي والمهني، بعيداً عن الأحزاب ومجموعات الحراك، وهو المتمتع بسيرة طيبة جناها من مساعدة المحتاجين، والمعروف بعدم انتمائه لأي جهة سياسية، كما لم يشأ التحالف مع مكونات أخرى. وإذ لفت جرمانوس إلى قناعته بوجوب أن تكون الأحزاب في خدمة النقابة لا العكس، أشار إلى أن لائحته المكتملة تتضمن وجوهاً جديدة تتمتع بقدر كبير من المهنية والكفاءة، تلبي رغبة الصيادلة التواقين إلى التغيير بعيداً عن "شيطنة" الأحزاب والحراك.
وعن توجه أحزاب السلطة إلى دعم لائحة النقيب نصّور، أشار جرمانوس إلى أنّ القرار النهائي يبقى إلى القاعدة الشعبية والصيادلة الذين يضعون مصلحة النقابة في سلّم أولوياتهم بعيداً عن الحسابات السياسية، مؤكداً تواصله مع كافة الصيادلة بما يخدم النقابة، في مواجهة "الكارتيل" الذي يسعى إلى الإستمرار عبر وجوه مختلفة في النقابة.
"نقابتي سندي"
ويترأسها رئيس مصلحة الصيادلة في "الكتائب" السابق الصيدلي جو سلوم، ويحاول الترويج لها على أنها مستقلة، مع العلم أن اللائحة تحمل عضوين مقربين من أحد الأحزاب، واحدى المرشحات على لائحة أحدها. ناهيك عن الدعم الذي تتلقاه من أحزاب متعددة.
في حصيلة التحالفات، من المنتظر أن تتصعّد المعركة بين "الصيادلة ينتفضون" و"الضمير المهنيّ" وإن بقيَت نتائجها غير محسومة، ولا نعلم ما تخبئ من مفاجآت إلى حين يوم الاستحقاق، إلّا أنّ استتار قوى السّلطة والمنافسة على صفة "مستقل" يعطيان.
مواقف أحزاب السلطة
وبعيداً عن التحالفات الهجينة التي تخيّم على اللوائح المتنافسة، أشارت مسؤولة قطاع الصيدلة في القوات اللبنانية الدكتورة هيلين شماس إلى أنّ القوات طرحت برنامجاً نقابياً متكاملاً تحت شعار "السيادة دوا"، مؤكدة أنّ النقابة الحرة وتحرير صندوق المتقاعدين وتطوّر المهنة أيضاً "دوا"، وشددت على أن التغيير بالنهج والإدارة يجب أن يحصل بسرعة، كون نقابة الصيادلة هي خط الدفاع الأول عن الصيادلة وحقوقهم.
وأوضحت شماس أن الهدف الأساسي للحزب هو الإرتقاء بالمهنة إلى المستوى المطلوب، وذلك من خلال مناقشة البرنامج المتكامل مع المرشحين ودعم الجهة التي تتبنى الطروحات الإصلاحية والسيادية التي يقوم عليها البرنامج بعيداً عن نهج أحزاب السلطة، وتحالفات ما قبل "17 تشرين"، التي أصبحت بعيدة عن سياسة الحزب الذي لم يقدم أيّاً من المرشحين الحزبيين على أي لائحة حتى الآن.
من جهته، أشار الدكتور شادي مارون إلى أن التيار الوطني الحر لا يريد الدخول في معارك المهن الحرة، ليخوض الإنتخابات من خلال مرشحين منفردين للعضوية، يتمتعون بالخبرة المهنية العالية بعيداً عن العناوين السياسية، والحملات التي تواكب المرشحين لمركز النقيب، حيث تتم مناقشة برنامج ورؤية التيار مع النقباء المرشحين قبل إتخاذ القرار النهائي في تأييد أحدهم.
وفي سياق متصل، جدد الحزب التقدمي الإشتراكي التأكيد أنه غير مشارك في انتخابات نقابة الصيادلة، وليس بداعمٍ لأي لائحة ولا لأي مرشح من المرشحين، انسجاماً مع الموقف الذي أعلنه الحزب بانسحابه من مجالس نقابات المهن الحرة ومن الاتحاد العمالي العام، تأسيساً لمرحلة جديدة من العمل النقابي.